كان الكاتب والمخرج المسرحي ممدوح الأطرش من أبرز الضيوف العرب الذين نزلوا بمدينة سبيطلة وساهموا بتميّز ملفت في تنشيط فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان ربيع فنون سبيطلة الذي أقيم في أواخر شهر أفريل المنقضي ولم يمر هذا الحضور في الخفاء، فالرجل له تاريخ حافل في المجال المسرحي كتابة وإخراجا، وهو صاحب رؤية فريدة متميزة في مجال الاستعراض الفني ولقد أثارت تصريحاته الاخيرة حول مسلسل «اسمهان» موجة من ردود الافعال المتباينة. فهو يتهم المخرج شوقي الماجري بخيانة النص وعدم الوفاء لمحتواه ولمقاصده. كما أنه يعتبر أن ذلك كان ناتجا عن قصور وعن تقصير معا. «الشروق» تستضيف الكاتب ممدوح الأطرش لتسليط الضوء على ما خفي من مواقفه الاخيرة وتوضيح ما ظل مغلقا غير شفيف. كما انتهزنا فرصة حضوره للتعرف على قادم مشاريعه الفنية التي تحدث عن بعضها باقتضاب في حوار سابق، وتكتّم عن البعض الآخر. سيد ممدوح الأطرش، كيف تقيّم مشاركتك الاخيرة في مهرجان ربيع سبيطلة؟ اسمح لي يا صديقي أن أشكرك على إتاحة هذه الفرصة لأعبّر عن الأثر العميق الذي تركته زيارتي الاخيرة الى تونس في نفسي. لقد عدت الى سوريا محمّلا بانطباعات وآثار جميلة يصعب على الايام أن تزيلها من الذاكرة... تونس الخضراء كما غنّاها فريد رحمه الله... تونس بأهلها الطيبين الكرماء الذين استقبلونا بالود والمحبة. لقد شعرنا صدقا أننا بين الاهل بذاك الترحاب الصادق... كل ما عشته في أثناء زيارتي يؤكد معرفتنا بهذا الوعي الثقافي المميز، ويزكّي ما تختزنونه من اهتمامات فكرية وفنية صادقة أستشف الآن حرارتها وما تنبؤ عنه من آمال كلي ثقة بترجمتها تعاونا مثمرا خيرا معطاء فيما بيننا. والايام القادمة تحمل معها الغيث الذي يسارع في إنبات ذلك الزرع الذي يهمنا جميعا. موقفك الاخير من مسلسل «اسمهان» أثار الكثير من الجدل. فهل من توضيح لهذه المسألة، وكيف تردّ على من رأى في تصريحاتك الأخيرة تحاملا على مخرج المسلسل شوقي الماجري؟ أولا شوقي الماجري مع تقديري واحترامي له كمخرج سبق وأن أبديت رأيي الجيد به سابقا... لم يأخذ الوقت الكافي لدراسة هكذا عمل صعب بواقعيته التاريخية ولبيئية الدقيقة الحذرة وشخوصه الذين مازالوا في الذاكرة فباشر التصوير وكأنه يصور عملا دراميا طبيعيا ليست له تلك الخصوصية الصعبة، فوقع بمطبات التاريخ أولا وقد ألغى شوقي تاريخ شعب ناضل وقدم الغالي والنفيس في سبيل تحرير بلاده... قد تستغرب هذا ولكنها الحقيقة. فولادة اسمهان ارتبطت بقيام الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين إذ سبق سلطان الاطرش جيوش الحلفاء وحرر دمشق على رأس قوة قوامها ألف مقاتل وأنزل العلم التركي عن سراي الحكومة ورفع بديلا عنه العلم العربي لأول مرة بعد 400 سنة من الاستعباد والاستعمار... هنا غضب الاتراك على الأطارشة وصدرت الأوامر بإلقاء «القبض على فهد الأطرش الذي كان حاكما لولاية ديمرجي» مع عائلته المكونة من علياء زوجته وهي حامل في شهرها الاخير وولديه فؤاد وفريد واستقل عربة تجرها الخيول من «ديمرجي» الى ميناء ازمير حيث استقل باخرة يونانية كانت في لحظات إقلاعها هاربا الى بيروت وفي البحر وضمن عاصفة هوجاء ولدت اسمهان... في عام 1918 وليس 1917 كما قدمها المسلسل مزورا تاريخ مولدها بقصد إخفاء الرابط فيما بين مولدها والمسبب في هروب والدها من تركيا. ثانيا: شوقي لم يتعرف الى بيئة دقيقة بعاداتها وتقاليديها وموروثها حيث يقع الحدث في جنوب سوريا بجبل العرب حيث يقيم الموحدون الدروز فوقع بمطبات كثيرة وعديدة يضيق المجال لتعدادها مما أثار حفيظة هؤلاء الناس الذين يرفضون المس بمعتقداتهم وموروثهم الذي يعتزون به. ثالثا: للاسف شوقي لم يتعرف إطلاقا على شخصية اسمهان وحتى لم يقرب منها وأنا الذي استغرقني البحث عن هذه الشخصية الاشكالية المعقدة مدة خمس سنوات من البحث وجمع المعلومات وتقاطع المعلومات حتى قربت الى تلك الشخصية اذا كنت لم أصل اليها فقدم اسمهان كما كتبت عنها الصحافة الصفراء بمصر وكما كتب عنها الحاقدون المغرضون ولم يقرب أصلا من اسمهان الحقيقة ولا من أي شخصية مما تحركت في سماء المسلسل فأتت الشخصيات ممسوخة مزورة فلا اسمهان ولا كل تلك الشخوص هي التي عايشتها وتعرفت عليها من خلال بحث دام خمس سنوات كما ذكرت!! رابعا: أنا ككاتب درامي وككاتب بصري كمخرج ليس من حقي أبدا الدخول إلى غرف نوم الآخرين معرضا عن ما يهمني من حياتهم الابداعية وهي مسيرتهم الفنية أو السياسية والتي تزامنت بحياة اسمهان لا تستطيع التفريق بينهما. وخامسا وسادسا والكلام يطول وليس لنا متسع من الوقت لتبيانه. إذن، أنت تعتبر المسلسل فاشلا فنيا ومضمونيا؟ أكيد، ولذلك فكرت في ردّة فعل تمنح هذه الشخصية الفريدة ما تستحق من احترام واهتمام. ولهذا فقد وقعت عقودا مع شركة إنتاج في هوليوود لانتاج فيلم سينمائي عن حياة اسمهان يقدم اسمهان على حقيقتها كأميرة تدخل القدر في حياتها وكانت لاعبة ليست لعبة في لعبة الأمم آنذاك ولعل القليلون الذين يعلمون أن اسمهان قد غيرت مجرى الأحداث إبان الحرب العالمية الثانية في حوض المتوسط وقلبت موازين القوى!! هذا واحد من أهم مشاريعك الفنيّة المنتظرة، فهل هناك أعمال أخرى موازية؟ نعم، لقد منحتني زيارتي الأخيرة إلى تونس أفكارا كثيرة رائعة، ومشاريع أعمال فنيّة عديدة أتوقع لها النجاح وأقربها، وهذا أكشف عنه لأول مرة، تحويل نص «فرطيطو» للشاعر التونسي عدنان الهلالي إلى عمل مسرحي. لقد شدني تماما وجذبني هذا الفرطيطو الجميل المتسكع على الأرصفة النائم على العتبات الموجود غالبا في أعماقنا ما يشبهه فنقرب منه مع صفائنا ونبتعد عنه عندما يتيقظ العقل. وأنا الآن قد عهدت إلى مزنة ابنتي وهي على ما أعتقد ملكت من طاقات الابداع ما يخوّل لها تحويل «الفرطيطو» الى نص مسرحي مهم جدا يكون الجسد معبّرا به أكثر من الكلمة وفي القريب سنرى ثمرة ما تقدمه لنا في «فرطيطو» الجديد وسيكون للهلالي في غير تأليفه للنص الشعري دور ستصعق له على المسرح إن شاء اللّه. شكرا لك سيّد ممدوح على ما خصصتنا به، ولك كلمة الختام؟ الشكر لك أنت يا سيدي، وأرجو أن تكون لنا لقاءات كثيرة في قادم الأيام تحيّتي ومحبّتي إلى كل الأصدقاء في سبيطلة وفي نابل وفي تونس. وإلى ملتقى قريب إن شاء اللّه.