معرض «منتوج وإبداعات المعوقين»، الذي نظمته وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج من 29 ماي الى 2 جوان 2010 بتونس صادفنا فيه ما يشبه العجب وما يدعو إلى مراجعة التصوّر السائد عن الاعاقة والمعوقين، لاحظنا وجود منتوجات متقنة الصنع ترقى الى مستوى التحف الفنيّة كما وقفنا على حالات تحدّ عجيب وعزيمة استثنائية في تجاوز الاعاقة الآنسة صابرين بن عبيد من الناظور من الفحص من زغوان بترت أطرافها في مستوى الركبتين والمرفقين وهي مع ذلك تمارس باقتدار لافت فنّ التزويق على البلور والخزف والحرير.. الفتاة استعملت أمامنا ما تبقى من جسدها على نحو معجز لتكتب وترسم وتنقش ولتنشئ في الأخير تحفا بديعة.. صابرين قالت إنها تتحدى الاعاقة بل هي تدرب أطفالا على الرقص والتعبير الجسماني في دار الشباب بالناظور. مفاجآت مفاجأة أخرى وجدناها في الجناح المخصّص لأصحاب الاعاقة الذهنية، منمنمات مطروزة بدقة وفسيفساء جلديّة ومنقوشات على البلور وتحف أخرى كثيرة لا أثر فيها لدلائل التخلف الذهني بل كلّ ما يؤثثها يشير الى حضور اقتدارات عقلية ذهنية.. هي منتوجات لمن نصطلح على تسميتهم «بالمتخلفين ذهنيا» والأمر أعجب من العجب!! يقول السيد علي غزال وهو مكوّن في مركز الأمل للمعوق في مدينة مساكن: «كل ما ترى هو من إبداع «المتخلفين ذهنيا» باشراف المكوّنين وتوجيههم». في ركن من أركان المعرض انتصبت قاعات جلوس فيها مراوحة طريفة بين الأصالة والمعاصرة وفيها نقوش وإبداعات أخرى لم يمرّ عليها زائر إلاّ سأل عن الثمن قصد شراء المنتوج.. الذي هو صناعة خاصة بمعوقي المركز الطبي التربوي والاجتماعي للجمعية الجهوية للقاصرين عن الحركة العضوية ومتعدّدي الاعاقة بسوسة.. في ركن آخر جلست الآنسة هند بن علي تبتسم كزهرة تتفتح وهي تعرض أمامها رغم كرسي الاعاقة منقوشات وخواتم نشأت من تصوّر خاص جدا، واستنباط لأشكال ومكوّنات ربما غير مسبوقة أما النتيجة فهي قطع أشبه ما يكون بأغلى المجوهرات.. الاعاقة كذبة تقول الآنسة نعيمة الشاوش وهي مربيّة بأحد مراكز تأهيل المعوقين: «أستطيع أن أجزم بعد خبرة 20 سنة في تأطير المعوقين أن الاعاقة هي كذبة كبرى من حيث علاقتها بالمهارة.. فما تنتجه هذه الفئة من المجتمع لا يختلف في شيء من حيث القيمة عمّا ينتجه غيرهم من مهرة غير المعوقين والأمر لا يتطلب إلاّ مساعدة المعوق على اكتساب الثقة بالنفس».. كان الفتى يحثّ الخطى ملتحقا بنا حين قصدنا الخروج ثم التحق وقال أنا شاعر.. هو ذا ما كتبته في التوّ وأنشد قصيدة غزلية من الشعر الحرّ نستطيع أن نؤكد بدراية بخصوصيات الخطاب الجمالي أن ما قاله يرقى إلى مستوى القصيدة المعتبرة من حيث القيمة الشعرية.. هذا بعض من كل ما وقفنا عليه في معرض منتوجات المعوقين وإبداعهم.. مفاجآت بهيجة ومهارات هي ممّا يعجز القلم عن نقل صورته وهي من قبيل تلك الصور التي ترسخ في الذهن ويعسر نقلها بصدق عبر اللغة إلى الآخرين. جناح خاص ما شاهدناه في المعرض يزعزع الكثير من الأفكار المسبقة عن المعوق ويدفع إلى إعادة النظر في مفهوم الاعاقة أصلا.. فالمعوقين كما تجلّى أمرهم في المعرض الذي زرنا ومن خلال منتوجهم طاقة هائلة تكثفت على نحو ما لتتجلى إذا ما وجّهت. طاقة هي في حالة كمون ما لم تستكشف وهي تتحوّل الى أقصى درجات الفعل إذا ما حسن توظيفها.. هي طاقات يبدو ومن غير الحكمة بل من سوء التصرّف ألاّ يوظفها المجتمع وأن تذهب جفاء فلا تنفع العباد والبلاد. أخيرا على جناحي الألم والأمل آنسة من المعوقات قالت إنها حينما توجهت لطلب المساعدة ممّن يهمهم الأمر في جهتها كان الجواب: «أنت اقتدرت على تجاوز الاعاقة بما تنتجينه من تحف ونحن نهتم بمن لم يستطع التجاوز بعد!!». فهل هذا هو جزاء المجتهد؟؟ حبّذا تيسير السبل أمام من انخرط في الإنتاج من المعوقين.. إضافة في الوطن نعرف عددا طيبا من ذوي الاعاقة ينخرطون باقتدار في الفعل الأدبي إذ يكتبون الشعر والرواية وغير ذلك من أجناس الأدب.. فما ضرّ لو خصّص لهم المعرض جناحا لعرض إبداعاتهم؟؟