٭ الكيلاني بن منصور أستاذ باحث في الماجستير [email protected] إن سعي الجمعيات العربية للمكفوفين التي تأسست عقب استقلال الشعوب العربية الى إصدار مطبوعات ومجلات وصحف مطبوعة بكتابة براي النقطية او البارزة والتي سنسميها هنا ضمن هذه الدراسة بالكتابة النافرة، تعكس حقيقة المشروع التأهيلي العام الذي سعى الى الرقي بالمواطن الكفيف الى طور يصبح بمقتضاه يتمتع بالشروط الدنيا للاندماج في بوتقة المجتمع. وهو أيضا سعي يعكس مستوى التأخر المعرفي الذي كان يعاني منه ملايين المكفوفين العرب بفعل سياسة التهميش التي انتهجتها القوى الاستعمارية ضدهم. ولعلنا لا نستغرب الآن من أن نؤكد ان نهضة المكفوفين العرب لن تر النور إلا بعد نيل الشعوب العربية استقلالها من القوى الاستعمارية الغاشمة. صبحي طاهر الدجاني أول من أصدر مجلة نافرة ولد صبحي الدجاني عام 1910 في القدس، وفقد بصره وهو في الرابعة من عمره، احرز عام 1929 شهادة الثانوية في جامعة أكسفورد. حصل على شهادة في التربية والتعليم من دار المعلمين بأدنبرة عام 1934، ومن كلية المعلمين عام 1935، ثم سافر الى سويسرا حيث أمضى عاما في معهد تعليم المكفوفين. بعد عودته الى القدس عام 1936 شرع في تأسيس المدرسة العلائية للمكفوفين في «الخليل» بفلسطين. (وليس برام الله). وقد شارك في عدة مؤتمرات عالمية لبحث شؤون تعليم المكفوفين وقد كان اصدر عام 1952 مجلة «صوت الضمير» بالأحرف النافرة. وكانت هذه اول مجلة في العالم العربي يقع توزيعها على المكفوفين بصفة مجانية. وقد كتب صبحي طاهر الدجاني طيلة حياته عن المكفوفين وشؤونهم الى ان توفاه الأجل رحمه الله عام 1975 ومن تلك الأعمال نذكر خاصة: حياة لويس براي وأعماله، تأليف بيير هنري / ترجمة صبحي طاهر الدجاني حيث اني كنت كفيفا، تأليف إيان فريزر / ترجمة صبحي طاهر الدجاني حكايات عن المكفوفين الرؤيا الرباعية استخدام المكفوفين في بريطانيا مكان في عالم النور، تأليف روبرت راسل / ترجمة صبحي طاهر الدجاني خطوات نحو النجوم ، تأليف دانيال فراي / ترجمة صبحي طاهر الدجاني لويس براي ، تأليف نورمان وايمر / ترجمة صبحي طاهر الدجاني. وقد توقفت هذه المجلة ولم تستأنف الصدور الى اليوم. في حين نجد انه وبعد سنوات طويلة صدرت المجلات التالية لفائدة المكفوفين العرب: يعود الفضل الى مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم حيث صدرت عن هذه المطابع (مجلة الفجر) بالخط البارز، وهي مجلة شهرية منوعة، كانت توزع منذ صدورها باشتراكات رمزية، ولكنها أصبحت بعد انتقالها الى الأمانة العامة للتربية الخاصة بوزارة المعارف توزّع مجانا على المؤسسات والأفراد الذين يستخدمون طريقة براي في مختلف أنحاء العالم العربي والاسلامي. وتعود مبادرة إصدار هذه المجلة الى جهود قام بها المكتب الاقليمي للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين الشيخ عبد الله الغانم الذي كان قد ألقى كلمة امام الجمعية العامة للامم المتحدة متحدثا عن شواغل المكفوفين في العالم العربي والاسلامي. وفي دولة الامارات العربية المتحدة صدرت مجلة «الامل المشرق» وهي دورية متخصصة تصدر عن جمعية الامارات للمكفوفين. وفي الكويت صدرت مجلة «الرشق» وهي مجلة ثقافية جامعة تصدر الى اليوم عن طريق جمعية المكفوفين الكويتية ومطابعها بعاصمة الكويت الشقيق. وفي طرابلس بالجماهيرية أصدرت جمعية النور للمكفوفين مجلة ثقافية منوعة تسمى مجلة «نحو الهدف» وهي الان متوقفة عن الصدور. وقد سألت المسؤولين عنها لدى زيارتي الى مطابع الجمعية فقالوا لي بأن انحسار القراء قد جعلهم يتوقفون عن الاصدار. وفي مصر اصدر المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين «مجلة المصباح» الشهرية و«مجلة باسم» الخاصة بالأطفال منذ الستينات من القرن العشرين ومازال إصدار هذه المجلة الملحق الخاص بالطفل متواصلا الى اليوم. والحقيقة ان المركز يواصل جهدا متميزا في شأن اصدار الكتاب الثقافي البارز الموجه للمؤسسات التربوية المصرية في مختلف المحافظات. وقد عاينت الحركية التي عليها المطابع البارزة من خلال زيارتي لها منذ سنة حيث مازال فريق من المكفوفين يواصل العمل ليلا نهارا من أجل الكتاب الثقافي والمجلتين النافرتين بقيادة عم أحمد أول مختص في الطباعة البارزة في العالم العربي وهو يعمل في هذه المطبعة منذ بداية السبعينات بعد أن تلقى تكوينا على يد الأب نيقولا باسيلي. وفي تونس أصدر الاتحاد القومي للمكفوفين سنة 1988 «مجلة أنيس» والتي كان يرأس تحريرها المرحوم احمد الحمداني المطوي، وهي مجلة ثقافية متنوعة ولكنها لم تكن منتظمة الصدور الى يوم الناس هذا وتعترضها صعوبات هامة أفرد لها الباحث عوشاري زلفاني بحثا قيما في اطار مشروع تخرج من معهد الصحافة وعلوم الاخبار تعرض فيه الى كل الجوانب المتصلة بهذه المجلة في تونس. وقد عمدت بعض الصحف العربية الى اصدار ملاحق لها مطبوعة بطريقة براي النافرة ونذكر منها على سبيل المثال جريدة «وطنية» التي كلفت الصحفية الكفيفة شريفة مسعود بالاشراف على هذا الملحق الذي يوزع على المكفوفين في القاهرة وبعض المحافظات المصرية. وفي إيران تم اصدار صحيفة يومية اسمها صحيفة «سبيد ايران» توزع على المكفوفين بطريقة براي يشرف عليها فريق من الصحفيين المكفوفين المتخصصين في مختلف الشؤون الصحفية، وهي صحيفة تحقق توزيعا هائلا لاعتمادها على تقنيات حاسوبية متطورة. الانفراد في مجلة «انفراد» أبو تريكة وجمال الغيطاني! صدرت هذه المجلة منذ شهر ماي 2009 تقريبا. وهي مجلة تطبع بالكتابة النافرة للمكفوفين وتوزع على القراء ومعها قرص ليزري يتضمن تسجيلا صوتيا لكل المواضيع المدرجة بالمجلة. وقد أسسها أحمد المراغي الذي صرح لبعض المواقع المختصة بأنه مؤسس الصحيفة ورئيس تحريرها. يقول أحمد المراغي: «محررو المجلة من المكفوفين هم الأقدر على تحريرها وطرح الافكار وصياغتها بطريقة براي، تلك الطريقة التي يتقنها 800 ألف من فاقدي البصر، من المقرر أن تكون المجلة نواة لمشروع ضخم يستهدف محو أمية الكفيف. المراغي أوضح ان فكرة اصدار مجلة موجهة للمكفوفين جاءته بالصدفة في أثناء لقاء جمعه مع واحد من المكفوفين الذي اعرب له عن ضيقه الشديد لعدم الاهتمام بهم كجماعة كبيرة في المجتمع على مستوى الثقافة والاعلام، فهم لا يستطيعون قراءة الكتب العادية ولا يستطيعون كذلك معرفة أخبار الدنيا مثلما يعرفها المبصرون من خلال الصحف. ويضيف المراغي قائلا «تأثرت بحديث الشاب الكفيف معي وبعدها فكرت بجدية في كيفية مساعدة هؤلاء المكفوفين وقمت بمناقشة فكرة اصدار مجلة للمكفوفين مع مؤسسات خيرية وتم الاتفاق على تسميتها «انفراد» لأنها انفراد صحفي بمعنى الكلمة، ليس في عدد واحد فحسب وانما في كل عدد يتم اصداره، وبالفعل تم تجهيز واصدار عددين فقط من خلال مؤسسات خيرية، كان أولهما في شهر ماي الماضي والثاني في شهر جويلية، ثم توقف تمويلها للمجلة فيما بعد رغم أنه كان مخططا لها ان تصدر بصفة شهرية. وقد تناولت هذه المجلة فيما صدر من أعدادها الى اليوم مواضيع متنوعة مثل المواضيع الخاصة بفاقدي البصر بشكل خاص وبرامج كمبيوتر للمكفوفين ومسائل متصلة بانتقاد حالة الشوارع والارصفة غير الممهدة لسير فاقدي البصر والمعوقين وكذلك حالة الهيجان والعشوائية المصاحبة للدراجات العادية والميكانيكية. كما تضم المجلة مقالات سياسية للدكتور عبد الوهاب المسيري، والكاتب جمال الغيطاني، وتضمنت أيضا حوارا مع محمد أبو تريكة، وقصائد للشاعر عبد الرحمان الأبنودي ومواضيع أخرى في الرياضة والشأن العام. إن الأمر المؤكد لدينا الآن هو ان هذه المطبوعات البارزة ليست شيئا مسقطا من الفضاء بل هي حركة ثقافية تنتظم وفق سياق تاريخي ومرجعي مضبوط بكل منهجية وموضوعية ولا يمكن بحال من الأحوال اجراء تغيير في نسق الانتظام التاريخي لمختلف الإصدارات، فهي سلسلة منتظمة الحلقات يؤدي العبث بانتظامها الى انفراطها وتلاشيها، ولا يؤدي مطلقا الى اكتساب الانفراد ولا الريادية ولا الأسبقية.