«الشارع العربي ينظر اليه مثل عبد الناصر الجديد» و«لأول مرة يضع العرب القومية جانبا وتطغى الاسلامية المعتدلة على القومية العربية».. المقصود في القولين هو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اما صاحباهما فهما على التوالي ميشال نوفال الخبير السياسي المتخصص في الشؤون التركية وعبد الباري عطوان المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة «القدس العربي» الصادرة في لندن. وعلى حد قول نوفال وعطوان فإن الزعيم الجديد للعرب وللمسلمين هو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي بات بعد سلسلة من الأحداث.. أشهر من نار على علم.. ولم يكن رجب طيب أردوغان ليحصل على هذه الشهرة لو انه اشتغل في المجالات التي هواها في صغره او مارسها ايام شبابه مثل بيع البطيخ او لعب كرة القدم.. ويقول المحللون ان شهرة أردوغان اليوم تفوق شهرة الخميني قبل أكثر من عشرين سنة... وحسب عبد الباري عطوان فإن تركيا (عموما) تحظى بقبول أكبر في المنطقة (والعالم الاسلامي) مقارنة بإيران لأن الأتراك سُنّة ولأنهم لايتصادمون مع الغرب كما تفعل إيران. زمن... الراديكالية لكن رجب طيب أردوغان الطفل المراهق والشاب اكثر راديكالية من أردوغان رئيس الوزراء او رئيس بلدية اسطنبول. ولد أردوغان في 26 فيفري 1954 في حي قاسم باشا أفقر أحياء اسطنبول لأسرة فقيرة من أصول قوقازية.. ويقال ان معلم التربية الدينية في الابتدائي (في حيه الشعبي) سمّاه «الشيخ رجب» لأنه رفض الصلاة على جريدة لما فيها من صور لنساء سافرات... وخارج المدرسة كان الطفل رجب مسؤولا عن إعالة عائلته فكان يبيع البطيخ.. وتلقى رجب تعليمه الثانوي في مدرسة الإمام خطيب الدينية وتخرّج بتفوّق.. وظهرت راديكاليته مجددا في الجيش حين رفض أمرا بحلق شاربه اذ كان الشارب وقتها يعتبر ضد القوانين الكمالية.. بدأ أردوغان اهتمامه بالسياسة وتحديدا بسياسات الجماعات الاسلامية المعارضة وقتها) منذ عام 1969 وهو ذو 15 عاما فقط ثم تولى قيادة الجناح الشبابي المحلي لحزب السلامة او الخلاص الوطني الذي اسسه نجم الدين أركان استاذه ومثله الأعلى السياسي.. وسطع نجم الزعيم الشاب بسرعة كبيرة بما انه قفز بين عامي 1984 (سنة عودة الأحزاب بعد الحظر الذي فرضه الحكم العسكري) و1987 من رئيس فرع محلي لحزب الرفاه الى عضو في لجنته المركزية.. ويقول عنه المحللون انه بدأ حياته كرجل يعتمد عليه منذ ان كان طفلا وهو ما سمح له بالتمرس على الزعامة... وحقق له حكم بالسجن لمدة ستة أشهر (بسبب إلقائه شعرا تحريضيا اعتبر عنيفا) المزيد من الشهرة والزعامة كما لو انه كان يجب على أي زعيم او مشروع زعيم دخول السجن.. وحين خرج أردوغان من السجن (1999) وجد ان المحكمة حلت حزب «الفضيلة» الذي قام بديلا عن حزب الرفاه مما أدى الى انقسام الحزب الى قسمين، قسم المحافظين وقسم الشباب المجددين بقيادة رجب طيب أردوغان وعبد الله غول اللذين قادا عملية تأسيس حزب التنمية والعدالة الحاكم حاليا وذلك عام 2001. عهد الاعتدال ويتولى أردوغان مع غول قيادة تركيا منذ عام 2002 حين أدّت الانتخابات الى إحالة أحزاب عريقة الى التقاعد... ولكن السياسة التركية الجديدة تستند الى خطة مدروسة وحتى الى حملة علاقات عامة.. يقول المحلل السياسي عبد الباري عطوان إن السلطات التركية الجديدة «أدركت ان البوابة الفلسطينية هي الوحيدة التي يمكن ان تعطيها دورا كبيرا في العالم الاسلامي».. ويلاحظ عطوان ان شعبية تركيا لدى العرب تقوم أيضا على أنها نموذج اقتصادي وديمقراطي وإسلامي معتدل.. ومن هذه البوابة بالذات حدثت المواجهة التاريخية بين أردوغان وبيريز في منتدى دافوس بسويسرا.. وقد حرص رئيس الوزراء التركي على استغلال الفرصة التي اتاحها الشجار لإعلان نفسه زعيما جديدا بنظر الشارع العربي والاسلامي.. وقام أردوغان العقلاني بالاعلان عن مصالحة تاريخية بين الأتراك والأرمن ولعب دورا رئيسيا في نسج الاتفاق الثلاثي حول النووي الايراني.. وحين هاجمت إسرائيل أسطول الحرية عاد أردوغان الى أنقرة وألقى خطابا ناريا يذكّر كثيرا بنفس الخطاب الذي أدخله السجن في أوائل حياته السياسية المحلية ولكنه لم يعد هذه المرة الى أبيات الشاعر التركي ضياء كوكالب يصف فيها المساجد بالثكنات.. وتوفّر قضية «أسطول الحرية» لرجب طيب أردوغان هامشا هاما للتحرّك وزعامة الشارع العربي والاسلامي.. وحتى تظهر حدود دوره المحلي والاقليمي وفي ظل غياب زعماء محليين يواصل أردوغان إذن «قيادة» المنطقة والعالمين العربي والإسلامي.. والشارع العربي ينظر إليه وهو يصعد الى واجهة الصراع مع إسرائيل ويرى فيه.. عبد الناصر الجديد..