مشهدان من داخل الكيان، يؤكدان أنه لا ينسى ولا يغفر حتى وإن أبدى أمام كاميراوات التلفزيون رضاه وتجاوزه للمشاكل ونقاط الخلاف. أولهما صوت الجنود الصهاينة وهم «يغتالون» أسطول الحرية في ظلمة الليل والبحر قائلين «دقيقة واحدة، دقيقة واحدة «One minute» في إشارة الى العبارة التي رددها رجب طيب أردوغان للرد على الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز في مؤتمر «دافوس» مطلع 2009. ثانيهما : تأكيد تل أبيب أنها ستشن حرب سفن على تركيا بإرسالها قوافل عديدة الى القسم الجنوبي من قبرص تحت شعار «تعالوا نُنهي احتلال تركيا لشمال قبرص»، على حد زعم الصهاينة. مشهدان، مثقلان بالدلالات السياسية والثقافية وحتى «الانتروبولوجية» لشخصية الاسرائيلي، من بينها أن الكيان الصهيوني لا ينسى المواقف السياسية لأي من العواصم حتى وإن كانت ذات علاقات استراتيجية كبيرة معه.. بل يختزنها ليوم تصفى فيه الحسابات حتى وإن كان هذا اليوم مشاهدا من طرف المجتمع الدولي برمته. من بينها، ان الكيان الصهيوني يحفظ لكل دولة ملفا حساسا يعتبر أنه قادر من خلاله على احراجها أمام الدول الاخرى بل و«يفضح» دعواها الى العدالة والحرية.. وينسى أن مساواة «إشكال ونزاع» حدودي بين القبارصة والأتراك بحصار غاشم على مليوني فلسطيني يكشف لا فقط عن «دناءة أخلاقية» وإنما ايضا عن ضعف ذهني فادح في التشبيه والتمثيل. من بينها، ان اسرائيل عاجزة عن تصوير نفسها كمدافعة أولى عن حقوق الانسان وعن القضايا العادلة كما هو الشأن حاليا لتركيا مما يدفعها لا الى تقليد أنقرة على الأقل وانما الى تشويه صورتها داخليا وخارجيا. من بينها ايضا أن تل أبيب لم تجد داخل تركيا أصواتا تتهم أردوغان ببيع البلاد الى محور الممانعة أو شخصيات ترى في تحركاته «مغامرة غير محسوبة».. لم تعثر على «جلبي» تركي ولا على مالكي أو جعفري.. الأمر الذي أدى بها الى فتح ملفات خارج الحدود التركية. من بينها، أنها تبرهن أمام العالم على كذبها السمج: ففي الحين الذي ترى فيه تذكر اللاجئين لأوطانهم سببا لتعطل مسار التسوية أو في استرجاع الاوفياء من العرب والمسلمين حقائق ان فلسطين كلها عربية حجرة عثرة أمام «السلام» تشدّ اسرائيل على أيادي «جزّاريها» لكي لا ينسوا أية حركة معادية لها حتى وإن كانت وقفة عزّ وإباء في زمن عزت فيه العزة على العرب. أمام هذه الحقائق وغيرها كثير قد يكون اصرار الصهاينة على دخول بنت جبيل والوصول الى ذات المكان الذي وصف فيه حسن نصر الله اسرائيل ببيت العنكبوت واحدة منها. يتحول التذكر والتذكير بالحقوق العربية الى ردّة فعل لا غير ويصبح تحصين الذاكرة الجماعية ضرورة يستوجبها داء فقدان الذاكرة الذي يصيب كثيرا من العرب المعتدلين وغير المعتدلين.