تونس «الشروق» اعداد: محمد علي خليفة: مثلت الاتفاقية السرية التي وقعتها اسرائيل وقبرص مؤخرا لترسيم الحدود البحرية بينهما والتنقيب عن النفط والغاز عقبة جديدة أمام الجهود الجارية لتوحيد الجزيرة القبرصية ومن ثمّة فتح الطريق أمام تركيا لخوض مفاوضات الانضمام الى الاتحاد الأوروبي بحظوظ أوفر وبأجندة لا تدع مجالا للأوروبيين للاعتراض على الحكم التركي. والاتفاقية جاءت ترجمة لمساعي اسرائيل الى البحث عن تحالفات جديدة في محيطها بعد أزمة الثقة واهتزاز العلاقة بينها وبين تركيا على خلفية الاعتداء على أسطول الحرية وقتل 9 نشطاء أتراك في ماي الماضي، لكن الوجه الآخر للصورة يتضمن تدخلا اسرائيليا صارخا في الأزمة التركية القبرصية من خلال اللعب على وتر الخلافات والعمل على اضعاف الموقف التركي أمام المجتمع الدولي سواء في ما يتعلق بجدّيتها في ايجاد حلّ ينهي تقسيم الجزيرة القبرصية الى شطرين يوناني وتركي المستمر منذ 36 عاما أو في ما يتصل بتعهداتها إزاء الاتحاد الأوروبي الذي لا تكاد مطالبه وشروطه تنتهي للقبول بتركيا دولة كاملة العضوية فيه. غضب تركي وقد أدركت أنقرة خفايا هذه الخطوة الاسرائيلية التي جاءت تزامنا مع بدء مفاوضات بين أنقرة وتل أبيب لاعادة العلاقات بينهما الى طبيعتها. فأبدت غضبها واحتجاجها باعتبار أن مثل هذه المبادرات الأحادية الجانب التي تتجاهل إرادة الشطر القبرصي التركي ستؤثر سلبا على المفاوضات الجارية للوصول الى حلّ للوضع في الجزيرة وفق ما صرح به نائب وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو. لكن المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية ايغال بلمور ردّ بالزعم أن «هذا الاتفاق مسألة ثنائية بين اسرائيل وقبرص ولا تؤثر على أي طرف آخر ولا نرى ما يمكن أن يعترض عليه طرف ثالث»، بل إنّ مسؤولا اسرائيليا رفيعا ذهب الى حدّ القول إن «الأتراك يبدون وقاحة لا مثيل لها في الساحة الدولية حين انتقدوا الاتفاق وطالبوا بحقوق معيّنة بحجة أنهم يحتلون القسم الشمالي من قبرص»، زاعما أن الحدود البحرية بين تركيا وقبرص تمرّ شمال الجزيرة المقسّمة بينما تقع الحدود البحرية بين اسرائيل وقبرص الى جنوبها وليست هناك أي علاقة بين المنطقتين الاقتصاديتين البحريتين التركية والاسرائيلية. لكن الظاهر أن الاتفاق الاسرائيلي القبرصي ليس بريئا حيث وصل خبراء اسرائيليون سرّا الى قبرص ومكثوا هناك لمدة ثلاثة أيام ورتبوا خريطة فنية للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في مياه شرق المتوسط. وقد كان يفترض أن تجري هذه الترتيبات بتوافق جميع الدول المعنية وبعد حلّ الأزمة القبرصية كما ترى أنقرة. مفتاح المفاوضات ويبدو أن اسرائيل التي تدرس خطواتها جيّدا وتحذق محاصرة «أعدائها» لم تشذ عن هذه القاعدة في التعاطي مع المسألة القبرصية فهي تعلم أن قبرص هي مفتاح المفاوضات التركية الأوروبية وأن مردّ المخاوف الأوروبية من انهيار هذه المفاوضات هو قبرص. ولا تزال الأزمة التركية القبرصية تراوح مكانها بسبب عثرة أساسية، هل تعترف تركيا بجمهورية قبرص دون أن يتخذ القبارصة اليونانيون خطوات لانهاء عزلة شمال الجزيرة ومعاودة محادثات السلام؟ وقد وقعت تركيا في جويلية 2005 على ما يُعرف ببروتوكول أنقرة الذي يجعل اتفاقيتها حول الجمارك ساريا على دول الاتحاد الأوروبي الذي انضمّت إليه مؤخرا ومن بينها قبرص. وتحتفظ تركيا بدور حاسم في المفاوضات حول القضية القبرصية خاصة وأن الدستور القبرصي الصادر في 1960 والذي يكرّس استقلال الجزيرة التي كانت مستعمرة بريطانية يعطيها وضع «القوة الضامنة» لهذه السيادة الجديدة مع اليونان وبريطانيا، وهي (تركيا) تعتبر نفسها اليوم الضامن لحقوق سكان شمال الجزيرة. فالقضية إذن بين تركيا وقبرص وقد صرّح كبير مستشاري الرئيس القبرصي اليوناني الأسبوع الماضي بأن أغلى أمنية عنده هي «أن تتخطى تركيا صعوباتها الداخلية المرتبطة بما أسميه «انقلابا قضائيا» وأن يعمّها الهدوء والسلام لأن مع تركيا مستقرة فقط يمكن المشاركة بشكل ايجابي في المفاوضات القبرصية، لكن الأمنية الأغلى للأتراك هي على الأرجح أن تكف الأطراف الخارجية عن تدخلها في المسألة ووضع العصا في عجلة السلام.