الرسم بالنسبة اليه لحظة ابداع وتجلّ وتأمل في الوجود، اللوحة ولادة عسيرة لبنات أفكاره، تخرج من روحه الحساسة، فتستقر ألوانا وأشكالا على قطعة خشبية أحيانا أو على ورق قماش أحيانا أخرى. البشير الاخضر مشوار ابداع تكلل بمائتي لوحة خلال خمسة وأربعين عاما، منها ستة معارض شخصية، فهو ذلك الفنان الذي يحيى للفنّ ولا يحيى منه. معرضه الاخير بعنوان «سرد» بدار الثقافة ابن خلدون كان مناسبة لهذا اللقاء الذي تنوّع فيه الحديث عن الفنان والانسان والحياة. ما الحكاية التي تسردها في معرضك الأخير «سرد»؟ أسرد حكايات مختلفة من الماضي والحاضر والمستقبل. أتطرّق فيها الى مواضيع مختلفة وفي هذا المعرض تناولت موضوع البيئة في لوحة «مائدة مستديرة» بKyoto ومواضيع عن التطور التكنولوجي والحداثة في «نافذة 1 و2» وعن الأصالة والتراث في لوحة المدينة العتيقة وسوق البلاط... لماذا لا تلتزم بموضوع واحد وتقنية واحدة؟ انه أسلوب كلاسيكي تعداه الزمن. ولم يعد ذو نجاعة ومواكبة للحياة المعاصرة التي تتسم بطفرة المواضيع وتنوعها. بالاضافة الا ان هذا الاسلوب يقيّد من حرية الفنان ويحدّ من ابداعه. ما هي مخلتف التقنيات التي استعملتها إذن؟ استعملت الطريقة الكلاسيكية في التلوين والمتمثلة في اضافة الألوان على بعضها بعض حتى الحصول على درجة اللون المراد. بالاضافة الى طريقة التلوين العفوية والمتمثلة في «اللطخة» اي اضافة اللون من المرة الاولى. أما بالنسبة للمحامل فقد تنوعت من الرسم على القماش ثم على الورق الى على الخشب، بالاضافة الى الألوان المائية والزيتية. لماذا كل هذا الإصرار من قبل الرسامين التونسيين على أعمال تحيل على التراث؟ بالعكس هذه عادة محمودة يجب الحفاظ عليها. فتراثنا عهدة وثروة وطنية مؤتمنون عليها. فهي أصالتنا ومنطلق حداثتنا. والفنان الحقيقي هو المتمسك بجذوره الباحث فيها بعين الفنان والساعي لتقديمها بأبهى الصور للتعريف بهويته الوطنية وتاريخه الى الآخر في عمل فني لائق وراق. ألا ترى أنّ اللجوء الى التراث ربما سببه نقص في الموهبة أو عجز في الافكار والمواضيع؟ أتحدث عن نفسي فقط، فأنا أرسم التراث وفي ذهني قضية أو موقف او فكرة، فلوحاتي كلها عن التراث، تحيلك على التفكير فهي تؤدي رسالة واضحة. ودعيني أضرب مثلا بلوحة «تراث» من هذا المعرض، فهذه اللوحة تجسد منزلا في المدينة العربي مهددا بالزوال فقد تم شراؤه منذ فترة وسيحوّل الى بنك!! هناك من يرسم التراث بنزعة تجارية وللربح المالي السريع؟ نعم للأسف هذا الشيء يحدث، وهذه الظاهرة بدأت تتفشى خاصة من قبل الرسامين غير المحترفين والهواة، وعموما أنا لا أستطيع أن أجزم وأبرّئ نفسي من هذه التهمة. أترك ذلك لتحاليل النقاد الذين قالوا الكثير عن لوحاتي في التراث أذكر منهم: الاستاذ حبيب بيدة والسيدة نرمين الخطاب بن رمضان. لو تقدّم لنا مشوارك الفني في تواريخ وأرقام؟ سأكون مختصرا، أوائل الستينات تحصلت على ديبلوم في الفنون الجميلة من تونس ثم سافرت بعد ذلك الى فرنسا في بعثة دراسية لتعلم فن الرسم والعمارة الداخلية وكنت ضمن ثلة من النخبة الذين أسسوا للحياة الثقافية في تونس بعد عودتهم. اشتغلت في وزارة الثقافة وتقلّدت عديد المناصب فيها كان أوّلها أستاذ في الفن التشكيلي في السبعينات الى جانب استلامي مسؤولية مصلحة الفن التشكيلي في الوزارة حتى التسعينات. بالاضافة الى اشرافي ومشاركاتي في عديد الجمعيات والنوادي والمراكز الخاصة في الفن التشكيلي في الداخل والخارج. كما اني كنت من أوائل المؤسسين لاتحاد الفنانين التشكيليين بتونس. ما دلالة استعمالك للألوان الزاهية وغياب السواد في لوحاتك؟ أنا فنان متفائل بطبعي، أرى الجزء المملوء من الكأس. وأرى الضياء والنور في مشاهد الحياة المختلفة. فجانب الجمالية في اللوحة يمثل بالنسبة لي فكرا وايديولوجيا وطابعا وبصمة خاصة. فأنا أحارب القبح بالجمال. الى أي مدى نحن في حاجة الى عين الفنان في هذا الزمن العابث والمادي؟ وجود الفنان ضرورة حتمية لصيرورة الحياة في كل زمان ومكان. فبغيابه تنعدم انسانية الفرد. فهو مؤثر في كل الحضارات وشاهد على عصرها ومؤرخ لها ومعبّر عن حالها فكما يقال الرسام يساوي 1000 كلمة!!! وهل يقدّم الفنان الحلول للمجتمع في رسوماته؟ أجيبك بحجة واضحة «دافنشي» اخترع المركبة الفضائية، نعم عندما رسم القطار المسافر الى القمر Train Volant وسبق مخترعي الغواصة عندما رسم تلك الآلة تسبح في المحيطات مع الاسماك... حجة دامغة تفيد ان الرسام روح حساسة وابداعه سابق لعصره بآلاف السنين. لذلك فإن بقاءه مرتبط ببقاء البشرية وتطوّرها للأفضل.