يسلط الأستاذ الهادي جلاب الأضواء هذه المرة على الآثار التي خلفتها الانتفاضة على المستعمر الفرنسي ويقول في هذا الصدد: لقد ساهمت هذه الانتفاضة في تجذير الوعي الوطني المتنامي الذي تبلور سياسيا مع جماعة «الشباب التونسي» قبل أن يعم وينتشر. ونتيجة لهذا التجذر كان بروز أول حزب وطني منظم وعصري سنة 1920 وهو الحزب الحر الدستوري التونسي بقيادة ا لشيح عبد العزيز الثعالبي. تمثل هذه الانتفاضة رافدا من روافد الكفاح الوطني الى جانب روافد النشاط الثقافي والسياسي الذي مثلته جمعيات مثل «الخلدونية» و«جمعية قدماء الصادقية» وجرائد «الحاضرة» وجريدة التونسي» بنسختيها العربية والفرنسية. وكذلك التحركات الجماهيرية العنيفة (انتفاضة تالةالقصرين 1906 وأحداث الزلاج 1911 والسلمية مثل مقاطعة الترامواي (1912). تضافرت تأثيرات هذه الرافد لتؤدي الى نشأة حزب سياسي وقيادة تاريخية للحركة الوطنية. إن ما يمكن استنتاجه من مسار هذه الانتفاضة هو كونها لم تكن مستقلة لا عن العمل السياسي بالمدن وخاصة بالعاصمة ولا عن النخب التي كانت تقود ذلك النشاط في الداخل والخارج. هذه العلاقة الوطيدة بين الكفاح السياسي والكفاح المسلح هي من ثوابت الحركة الوطنية التونسية منذ نشأتها وتبلورها وتجذّرها وحتى نجاحها في الحصول على استقلال البلاد ولهما ما يفسر نجاح هذه الحركة في مقاومة الاستعمار، دون دفع خسائر فادحة هو أن العمل المسلح كان في أغلب الفترات يتم ضمن رؤية سياسية واضحة، يدعم اغلعمل السياسي السلمي ولا يتجاوزه ولا يعوضه فهو يوفر حلولا اضافية ويدعم الموقف التفاوضي للتونسيين. وبصفة عامة أصبح النظام الاستعماري بداية من ظرفية الحرب العالمية الأولى عاجزا عن حل المشاكل التي تسبب في خلقها ومن موقع الحركة الوطنية أصبح الوعي الذي تكون على يدي جماعة الشباب التونسي قبل الحرب غداة تكوين الحزب الدستوري سنة 1920 متجذرا على درجة أن الفترات اللاحقة من العمل الوطني لم تغير الكثير من البرامج الأولى. كما أبرزت هذه الانتفاضة أن الامبراطورية الاستعمارية الفرنسية بدأ يدب إليها التآكل من أطرافها الصحرارية. لماذا أضربت عن حضور اجتماعات الشعبة؟ مذكرات المناضل الحبيب بن كريم: الانخراط في نشاط شعبة معقل الزعيم التي كنت أنتمي إليها لم يكن بالأمر الهين، إذ كان يخضع الى آراء المجموعة حتى يكون المترشح أهلا لهذا المهمة. أتذكر أنه كلما اجتمعنا للنظر في أحد الانخراطات إلا وكان موقفي هو الحاسم. فقد تقدم أحد الأشخاص لانضمام إلى الشعبة وكان يتميز باللباقة وكان بداخلي شعور أنه شخص يبطن أشياء خطيرة لكن لم يمنع ذلك رفقائي من الموافقة على قبوله أما أنا فقد عارضت ما ذهبوا إليه ودفاعا عن موقفي أضربت عن حضور اجتماعات الشعبة وماهي إلا أسابيع معدودة حتى حدث ما توقعت حيث عمد هذا الشخص الى الوشاية ببعض زملائه للهيئة العليا للحزب فاستنجدوا بي كي أعود الى الشعبة واعدينني بالتخلص من هذا الشخص وفعلا تم الاجماع على رقته من الشعبة وعاد الانسجام بيننا وعدنا الى النشاط. وأمثال هذا الشخص كثيرون ومن بينهم شخص أصبح من المقربين من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عندما كان منفيا بقبلي وقد ذهب الى حدّ مدّ هذا الأخير بأخبار زائفة كاد على اثرها بورقيبة يتخلص من أكبر المخلصين للحزب لولا فطنة هذا الأخير وذكاؤه الحاد وهو ما كلفه السجن. ومنذ تلك الحادثة اتفقنا إلا بعد يتم الانخراط الى بعد غربلة وتمحيص وتدقيق تفاديا لمفاجآت غير سارة.