تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    رفض الإفراج عن رئيس نقابة قوات الأمن الداخلي وتأجيل محاكمته إلى جويلية المقبل    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    الإتحاد المنستيري: الإدارة تزف بشرى سارة للجماهير    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    اليوم..انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية "السيزيام"    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    تصنيف لاعبات التنس المحترفات : انس جابر تتراجع الى المركز 61 عالميا    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    عاجل :الكشف عن حكم مباراة الترجي وفلامنغو في كأس العالم للأندية    مصدر أمني إسرائيلي: إيران بدأت باستخدام صواريخ دقيقة يصعب التصدي لها    عاجل/ "قافلة الصمود": تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين توجه هذا النداء للتونسيين..    تراجع طفيف في نسبة امتلاء السدود، إلى ما دون 40%    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    باكستان تتعهد بالوقوف خلف مع إيران وتدعو إلى وحدة المسلمين ضد "إسرائيل"    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    مديرو المهرجانات الصيفية يواجهون صعوبات .. بين مطرقة ارتفاع كلفة الفنانين وسندان أذواق المتفرجين    إجراءات لدعم التشغيل    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    هكذا سيكون طقس الليلة    حملات الشرطة البلدية تسفر عن مئات المخالفات في مجالي الأمن والصحة    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجمع الدستوري الديمقراطي
نشر في وات يوم 12 - 09 - 2010

تنبني الهوية السياسية والتاريخية للتجمع الدستوري الديمقراطي على أصلين متميزين، أولهما : ارتباطه، فكرا وممارسة، بالقيم والمبادئ التي قام عليها التراث الإصلاح التونسي، وثانيهما : تجذره في أعماق المجتمع التونسي منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن
فالتجمع الدستوري الديمقراطي هو وريث حزب الدستور الذي اقترن كفاحه– قبل بروزه على الساحة الوطنية في مارس 1920 وبعد ذلك – بأهم الأحداث والملمّات التي شهدتها الحياة العامة بتونس طيلة القرن العشرين بدءا بأحداث الزلاج (1911) وحوادث 9 أفريل 1938 وانتهاء بالمقاومة المسلحة (1952-1954) وتأسيس الدولة العصرية
1. مرحلة التأسيس :
يتمثل كفاح تونس ضد الاستعمار في جملة من الحلقات المتصلة كان منطلقها في نهاية القرن التاسع عشر، عندما اكتسحت الجيوش الفرنسية البلاد التونسية في أواخر شهر أفريل 1881، إذ رفض الشعب التونسي الإحتلال الأجنبي واستمات في الدفاع عن استقلال البلاد.
واستمر النضال ضد الغزو الأجنبي بصيغ متعددة، وبرزت المقاومة الثقافية في هذه المرحلة امتدادا للفكر الإصلاحي الذي مهد له المصلح خير الدين باشا، فيما مثلت حركة الشباب التونسي في بداية القرن (1907) إثراء للمرحلة السابقة وتطويرا لها.
كانت قيادة هذه الحركة تضم ثلة من الشباب المثقف التفت حول المحامي علي باش حانبه وانبرت لمقاومة التجاوزات الإستعمارية وإعادة الاعتبار للشخصية التونسية.
وقد برزت حركة الشباب التونسي في مناسبات وطنية عديدة طرفا معارضا للإستعمار وقوة سياسية قادرة على التوعية والتبليغ.
ولم يحل القمع المسلط على هذه المجموعة دون إعادة بنائها على أسس جديدة – إثر الحرب العالمية الأولى – في شكل تنظيم سياسي تحرري.
وكان للشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي طاله الاضطهاد الاستعماري مع بقية رفاقه من الشباب التونسي دور في توحيد الصفوف وإعادة بناء الحركة الوطنية على قواعد جديدة.
وتجسم ذلك في بعث الحزب التونسي (1919)، وفي إصدار أول بيان مرجعي للحركة الوطنية في نوفمبر 1919، في شكل كتاب يحمل عنوان تونس الشهيدة، وهو كتاب برنامج يحلل المساوئ المترتبة عن النظام الاستعماري ويقدم جملة من الحلول لتجاوزها.
ولم يلبث الحزب التونسي أن تطور إلى حركة سياسية مكتملة النضج إذ أعلن الحزب الحر التونسي تأسيسه رسميا في 14 مارس 1920، وأخذ ينادي بالحياة الدستورية وسيلة لتخليص البلاد من الإستعمار.
وسرعان ما أصبح يدعى الحزب الحر الدستوري التونسي، وهي تسمية تتلاءم أكثر مع برنامجه وتستند إلى سابقة تاريخية هي دستور سنة 1861 الذي طالب الحزب بإحيائه.
ويعتبر هذا التنظيم أول حزب سياسي، في تونس وفي المنطقة المغاربية، يوفق في جمع كلمة الناس حول جملة من المطالب الوطنية الواضحة.
ولم تتردد الجماهير الشعبية في تقديم دعمها إلى الحزب الحر الدستوري التونسي الذي أصبح في مدة وجيزة تنظيما جماهيريا يستند إلى برنامج مضبوط وبناء هرمي محكم تشرف عليه لجنة تنفيذية يديرها أمين عام.
وأقبل الحزب بعد اكتمال بنانه الداخلي على نشر مبادئه داخل البلاد وخارجها فسافرت عديد الوفود إلى فرنسا للتعريف بالقضية التونسية، فيما بدأت تعبئة القوى الشعبية بالداخل.
وقد برهن الحزب على تجذره في الواقع التونسي بالتحامه بالجماهير في مناسبتين مشهودتين، أولاهما : أزمة أفريل 1922، وما تلاها من مظاهرات احتجاجية، وثانيتهما : مساهمته في تأسيس أول مركزية نقابية تونسية مستقلة سنة 1924.
لذلك شددت الرقابة الإستعمارية الخناق على النشاط الوطني واستمر غلاة الإستعمار في فرض حصارهم عليه إلى بداية الثلاثينات من القرن العشرين.
وتزامن هذا الضغط مع وصول جيل جديد من الشباب المثقف إلى مواقع قيادية في الحزب مثل محمود الماطري والزعيم الحبيب بورقيبة والطاهر صفر والبحري قيقة.
غير أن الخلاف لم يلبث أن دب بين جيل الشبان وجيل الشيوخ حول أساليب الكفاح
2. منعرج الثلاثينات :
أسفر الخلاف عن انعقاد مؤتمر قصر هلال في 2 مارس 1934 دون مشاركة اللجنة التنفيذية.
وأفضى الأمر إلى ميلاد تنظيم وطني جديد هو الحزب الحر الدستوري الجديد يسيره ديوان سياسي يرأسه الدكتور محمود الماطري، ويشرف على أمانته العامة المحامي الحبيب بورقيبة
وبدخول هذا الحزب ميدان الصراع مع الإستعمار بدأت مرحلة أخرى في تاريخ تونس، فتحول الكفاح التحريري من دائرة الاحتجاج اللفظي إلى طور النضال الجماهيري.
ولم يلبث الحزب الجديد أن أصبح محط آمال الشعب والمدافع عن تطلعاته في الحرية والانعتاق.
وأفضى الالتحام بالجماهير الشعبية إلى
الاصطدام بغلاة الإستعمار في معارك مشهودة أبدى فيها الدستوريون روحا نضالية عالية وتصميما على تخليص البلاد من الهيمنة الأجنبية وإعادة بنائها وفق تطلعات أبنائها.
ولم يثن القمع والإبعاد زعماء الحزب ومناضليه عن مواصلة الكفاح، فتوالت المواجهات الدامية ضد صروح الإستعمار، وضرب الوطنيون أروع الأمثلة في التضحية خلال أحداث التجنيس ومعركة 9 أفريل 1938 وغيرها من المواجهات الحاسمة التي أفضت للإستقلال، وهي محطات خالدة ستبقى على مر الأيام علامات نيرة في رصيد الحزب ورموزا حية لبطولات الشعب وصموده.
كان الصراع مع الإستعمار معركة مصيرية مدارها الدفاع عن كيان البلاد وشخصيتها الحضارية لذلك استندت خطط الحزب وأهدافه إلى منطلقات ثابتة في جوهرها متلائمة مع دقة الرهان التاريخي.
فكان الدفاع عن الشخصية الوطنية ومقوماتها الدينية والحضارية في مقدمة الأهداف النضالية.
ولعل ما يجب تأكيده في هذا المجال هو تلازم الأبعاد الثقافية والسياسية في الحركة الوطنية التونسية، إذ واكب الفكر السياسي النضالات الشعبية وتفاعل إيجابيا مع خطط الحزب وتكامل مع أهدافه.
فبرز على الساحة الوطنية مناضلون ومثقفون ملتزمون صاغوا الأسس النظرية للحركة التحريرية وساهموا في تعميق الوعي الوطني.
فكان العمل الحزبي يصدر عن منطلقات رائدة قوامها التمسك بالذاتية التونسية وبالثقافة العربية والإسلامية والدعوة إلى التكافل الوطني وتحرير المرأة.
كما اقترن مبدأ التحرير السياسي بفكرة التقدم الاجتماعي إلى درجة التحام الكفاح الوطني والاجتماعي في مسيرة موحدة غايتها تخليص البلاد من الهيمنة الإستعمارية.
وبقدر ما كان الحزب حريصا على تخليص تونس من الإستعمار كان سباقا إلى نصرة حركات التحرر بالمغرب العربي وإفريقيا، وغيرها من المناطق المولى عليها، وتشهد لوائح الحزب ووثائقه بعمق الروابط التي نسجها مناضلوه مع الأحزاب الشقيقة سواء في تونس أو في مكتب المغرب العربي بالقاهرة، وفي غيرها من المحافل الدولية.
3. المسيرة نحو الاستقلال :
تعززت مسيرة الكفاح الوطني في تونس خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها وقد أبدى الحزب في هذه المرحلة الحاسمة كفاءة تنظيمية عالية وقدرة على القيادة والتعبئة أتاحت له تأطير القوى الحية بالبلاد تأطيرا محكما.
ولقد كانت أبرز خاصيّة ميّزت الحركة الوطنية خلال هذه الفترة هي عودة الوفاق بين الحزب الدستوري الجديد والقديم وقد تجلى ذلك في تنظيم مؤتمر ليلة القدر أو عرف بمؤتمر الإستقلال يوم 23 أوت 1946.
وقد تجسم ذلك في عقد رابطة وثيقة العرى بين الحزب ومختلف التنظيمات الإجتماعية والمهنية التونسية، التي قام الدستوريون بدور كبير في تأسيسها في الأوساط العمالية والنسائية والطلابية لتكون سندا للحركة الوطنية، وبذلك تسنى لمختلف القوى الشعبية أن تساهم من مواقع متعددة في النضال من أجل الإستقلال.
وعلى هذا النحو تمكن الحزب من تشديد الضغط على الإستعمار حسب منهج في الكفاح فرض على فرنسا قبول مبدأ التفاوض والإقرار بالأمر الواقع فالاعتراف باستقلال البلاد (1956).
4. مرحلة بناء الدولة :
ومع دخول البلاد، بعد الإستقلال، مرحلة سياسية جديدة، انتقل النضال الوطني من طور المطالبة بإلغاء الحماية الأجنبية إلى بناء الدولة الحديثة وتخليص السيادة التونسية من شوائب الإستعمار.
وعلى هذا الأساس تطور كفاح الحزب وتطورت مسؤولياته وتركزت محاور النضال على تجسيم المثل والأهداف التي ضحت من أجلها أجيال من المناضلين والشهداء.
وكانت طبيعة المرحلة تقتضي إعادة تنظيم الصفوف وتقوية الجبهة الداخلية فتعلقت همة الوطنيين ببناء المؤسسات الكفيلة بحماية الإستقلال وضمان مناعة البلاد واستقرارها. فأعلن النظام الجمهوري وأقرت للمواطن حقوقه وواجباته وللنظام دواليبه في دستور يضمن للشعب الديمقراطية السياسية والعدالة الإجتماعية.
وبالتوازي، خاض الحزب سلسلة من المعارك ضد آخر معاقل الإستعمار، وعبر في مناسبات مشهودة عن تضامنه الكامل مع كل حركات التحرير بالأقطار المولى عليها.
وجابه الحزب أزمة ساقية سيدي يوسف (1958) بروح عالية من المسؤولية حيث تجسم التضامن التونسي الجزائري في أسمى معانيه، كما كانت لمناضلي الحزب مشاركة فعلية في معارك رماة والجنوب ضد بقايا الجيش الفرنسي (1958).
ولما طرحت قضية الجلاء عن بنزرت كان للهياكل الحزبية دور أساسي في تعبئة الجماهير وغرس روح الكفاح قبل معركة جويلية 1961 وبعدها، حتى انتصر الشعب واسترد سيادته كاملة.
وفي هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس دار الجدل حول تجديد المنهج الإقتصادي والإجتماعي للبلاد، وحسم الأمر خلال المؤتمر السابع للحزب الذي افتتح ببنزرت في 19 أكتوبر 1964 والذي أقر مبدأ تعايش القطاعات الثلاثة : الحكومي والتعاضدي والخاص، وتغير تبعا لذلك اسم الحزب الذي أصبح الحزب الإشتراكي الدستوري.
ومع أن الحزب الإشتراكي الدستوري قام بدور محوري في مؤازرة عمل الدولة وتأطير الجماهير بما يزيد على عقدين كاملين فإن ذلك لم يجنبه الانحراف عن المبادئ التي تأسس عليها نضاله طيلة مراحل الكفاح التحريري، إذ تراجعت الديمقراطية في صلبه وبات الانفراد بالرأي قاعدة العمل.
وظهرت داخله خلافات ونزعات قوامها الولاء لمراكز القوى وللأشخاص، وتفاقم الأمر في بداية الثمانينات تبعا لتأزم الأوضاع العامة بالبلاد، وأصبح الحزب غير قادر على تكييف خطابه وأساليب عمله وفق تطلعات التونسيين، فاهتزت علاقاته بالقوى الحية في المجتمع وتقلص إشعاعه وتراجع حضوره فكريا وميدانيا، في الفضاءات والهياكل التي ساهم تاريخيا في تأسيسها.
فانفرطت القاعدة أشتاتا واستشرت ظاهرة التحزب المصلحي، إلى أن انبلج فجر العهد الجديد يوم السابع من نوفمبر 1987 بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي معلنا تحرير البلاد من قيودها وزوال المكبلات التي عطلت مسيرتها فكان التغيير قوة الدفع الإيجابية التي أنقذت الحزب وجددت شبابه وصالحته مع نفسه وإرثه وواقعه.
5. إنقاذ السابع من نوفمبر:
قد راهن الرئيس زين العابدين بن علي منذ التحول على انتشال الحزب الإشتراكي الدستوري من الجمود الذي تردى فيه بتجديد رسالته وتصحيح مساره وتطوير برامجه بما يناسب مقتضيات العهد الجديد.
وعلى هذا الأساس دعا الرئيس زين العابدين بن علي، منذ فجر التحول، إلى تقييم ماضي الحزب تقييما جذريا وتشخيص السلبيات والرسبات التي أعاقت نمو هذا التنظيم العريق وعصفت بمصداقيته، فانتظمت استشارة واسعة في كل مستويات القاعدة الحزبية كانت مناسبة تاريخية لمراجعة الوضع العام للحزب، وإجراء نقد ذاتي وبناء ورصد عوامل الوهن والجمود فيه.
6 – الحزب المؤتمن على التغيير
في سياق المسار التصحيحي الذي بشر به تحول السابع من نوفمبر 1987، اجتمعت اللجنة المركزية في دورتها الأولى بعد التغيير، يومي 26 و27 فيفري 1988، لإعادة النظر في تنظيم الحزب وهياكله وطرق عمله في ضوء مقترحات القواعد. وقررت تغيير اسم الحزب إلى التجمع الدستوري الديمقراطي وهي تسمية تعكس البعد النضالي العريق للحزب وإرادة جمع كل القوى الوطنية حول مشروع العهد الجديد وتعتمد الخيار الديمقراطي.
7. الحزب المؤتمن على جمهورية الغد :
في 28 جويلية 2003 عقد التجمع مؤتمره الرابع تحت شعار "الطموح" وعبّر عن كبير اعتزازه وفخره باستجابة الرئيس زين العابدين بن علي في خطابه الافتتاحي أمام المؤتمر للترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2004 "وفاء لهذا الشعب الأبي وبرًا بهذا الوطن المفدى وإخلاصا للأمانة المقدسة التي كافح من أجلها المناضلون والمقاومون والشهداء ونزولا عند رغبة جميع أبناء تونس وبناتها من مختلف الأجيال والجهات".
كما أكد المؤتمر :
- التعلق الراسخ بالثوابت والمبادئ التي انبنى عليها مشروع التغيير والالتزام بمواصلة إثرائها والارتقاء بها إلى مستوى الطموحات الوطنية والعمل على إرساء جمهورية الغد التي ائتمنه عليها الرئيس زين العابدين بن علي.
- واعتبر جمهورية الغد هي الإطار الأمثل لبناء المستقبل في ظل اختيارات أثبت الواقع صحتها وصوابها.
- وأكد كذلك أن المناخ الديمقراطي التعددي الذي تنعم به تونس بإرادة شخصية من الرئيس زين العابدين بن علي يحمل جميع الأطراف السياسية مسؤولية مزيد البذل بروح وطنية عالية.
- والتزم المؤتمر بمواصلة مسيرة البناء لإضافة المكاسب والإنجازات في كنف الحرية والاستقرار والأمان والوفاق والتضامن والتسامح.
- واعتبر المؤتمر أن الآليات التي وضعها العهد الجديد لتشريك المواطن في صياغة الخيارات الجوهرية ولإبداء الرأي في القضايا الوطنية عبر الاستشارة والتشاور المستمرين بين الأطراف الاجتماعية والسياسية إنّما تنبع من التمشي الثابت والرصين في إنجاز مشروع التغيير.
- وأشاد المؤتمر بالمقاربة التونسية في مجال حقوق الإنسان التي تقوم على التلازم بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلى التكامل وعدم المفاضلة بينها وعلى الترابط بين الحقوق والواجبات والحفاظ على المصلحة العليا للوطن في ظلّ القيم الجمهورية.
- وثمّن المؤتمر ما تضمنّه الإصلاح الدّستوري الذي حظي باجتماع الشعب من قيم ومبادئ وما حدّده من غايات تعبّر عن طموحات التونسيين والتونسيات وتطلعاتهم إلى المستقبل من منطلق وطني ومن الإيمان بأن العمل الإصلاحي الكبير الذي جاء به التغيير يحقق بجمهورية الغد النقلة إلى مرحلة جديدة من مسيرة تونس في مطلع هذا القرن الجديد.
- وأكّد المؤتمر عزم المناضلين والمناضلات على العمل والبذل والمثابرة حتى يبقى التجمع الدّستوري الديمقراطي في طليعة القوى الوطنية من أجل تحقيق رهانات المستقبل ويظلّ منبعا لا ينضب للتصور والتفكير والفعل والإنجاز، إنّه حزب الحاضر والمستقبل، مثلما كان دومًا حزب الأمجاد والبطولات والتضحيات من أجل استقلال تونس وعزّتها ومناعتها.
- وأكّد المناضلون والمناضلات من جديد في هذه الفترة التاريخية الحاسمة أن كل الإصلاحات والمكاسب وما سجلته تونس من نجاحات في جميع المجالات قد تحقق بفضل السياسة الحكيمة والمتبصرة لابن تونس البار سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الذي أقدم من موقع المسؤولية على إنقاذ البلاد خدمة لها وحفاظا على سيادتها ومناعتها وأنجز المكاسب الرائدة في جميع المجالات وفتح أبواب الطموح أمام كل التونسيين والتونسيات.
- والتجمعيون والتجمعيات يعلنون بقوة أنهم يظلون متمسكين بقائدهم الفذ ليواصلوا المسيرة معه إلى المستقبل لكسب رهاناته ورفع تحدياته بعزم وإرادة استكمالا للمشروع الحضاري الذي ارتضاه لتونس والبلوغ بها إلى أعلى درجات التألق.
في 6 و7 فيفري 2004 انعقدت الدورة الأولى للجنة المركزية للتجمع بعد مؤتمر الطموح وأكّدت تعلقها بالرئيس زين العابدين بن علي خيارا أوحد لحاضر تونس ومستقبل أجيالها مثمنة ما تضمنته لوائح مؤتمر الطموح من توصيات وتوجهات رائدة تؤسس لمرحلة جديدة من النضال والعمل الحزبي المتواصل تعزيزا لرصيد المكاسب والإنجازات وتثبيتا لمقومات جمهورية الغد في ظل قيادة الرئيس زين العابدين بن علي الحكيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.