حذّر الدكتور ناصر بن عبد السلام، أخصّائي الأمراض الصدرية والحساسية من المخاطر الصحية التي أصبحت مرتبطة بمكيّفات التبريد أكثر من أي وقت مضى بسبب الاقبال المكثف على تركيزها في المنازل وفي مختلف محلاّت التجارة والخدمات وفي السيارات وما يرافق ذلك من سوء استعمالها. وكان استعمال مكيّفات الهواء في تونس مقتصرا الى وقت غير بعيد على بعض مكاتب العمل وعلى بعض الأماكن ذات الاستعمال الجماعي مثل الادارات والنزل والفضاءات التجارية... لكن منذ 3 سنوات أصبحت المكيّفات تشهد اقبالا ملحوظا من الافراد وذلك بسبب ما يعتبرونه «حرارة غير عادية» في الصيف... وتبعا لذلك ارتفع حجم المبيعات خاصة في ظل العروض التجارية المغرية وتسهيلات البيع. وارتفع مع ذلك عدد الماركات المعروضة اليوم للبيع حتى في الأسواق الموازية (بعضها مصنّع محليا والبعض الاخر مورّد) الى درجة تواجد ماركات غير مطابقة للمواصفات الصحية والطاقية مثل ارتفاع نسبة استهلاكها للكهرباء وتسبّبها في بعض الامراض الجرثومية. وقد أصبح عدد مبيعات المكيّفات في تونس يتجاوز اليوم 250 ألفا في السنة بعد أن كان لا يتجاوز 12 ألفا في منتصف التسعينات. ومن المنتظر أن يبلغ عدد المكيفات الفردية خلال هذه الصائفة أكثر من مليون و200 ألف بعد أن كان سنة 1995 في حدود 50 ألف فقط!! وكل هذا دون اعتبار المكيّفات «الجماعية» المركزة في الأماكن ذات الاستعمال الجماعي، ومكيفات السيارات ووسائل النقل العمومي. تلوث قال الدكتور بن عبد السلام أن استعمال المكيفات أصبح يحول دون تهوئة الفضاءات بالهواء الطبيعي والنقيّ... حيث يتم غلق المكيف بعد الانتهاء من استعماله في المساء (في أماكن العمل مثلا) وفي الصباح يقع تشغيله مجدّدا دون فتح النوافذ والأبواب ل «تغيير» الهواء... وهذا ما يتسبب في تراكم التلوث داخل هذه الفضاءات وتنتج عن كل ذلك بعض الأمراض في العيون وفي المجاري الهوائية وحتى على الجلدة... اضافة الى الخمول والشعور بالنوم بسبب غياب الهواء الطبيعي والمنعش عن الفضاء المغلق. جرثومة قاتلة من جهة أخرى حذّر الأخصائي في الامراض الصدرية والحساسية من مخاطر تسرّب بعض الجراثيم الى الفضاء المكيف مما يتسبب في بعض الامراض. فبالنسبة للفضاءات الكبرى ذات الاستعمال الجماعي، يكون التكييف عادة مركزيا ويعتمد على عدّة قنوات وأنابيب لايصال الهواء البارد الى مختلف أرجاء المبنى. غير أن هذه التقنية لم تمرّ دون مخلّفات سلبية، حيث تم منذ سنوات اكتشاف جرثومة اسمها «ليجيونيلا» (Légionelle) تتكون داخل القنوات مع تواجد الرطوبة والمياه ثم تتسرّب عبر المكيّف الى الداخل وقد لا تقدر مصفاة المكيف على منعها بسبب صغر حجمها. وحسب د. بن عبد السلام تتسبب هذه الجرثومة الخطيرة عندما يستنشقها الانسان في أوجاع قوية بالرأس وربما في اسهال وهو ما قد يؤدي أحيانا الى الوفاة، عندما يكون الشخص مسنّا أو صغيرا أو يعاني من مرض سابق... وقد تم في فرنسا منذ سنوات غلق مستشفى حديث العهد بالبناء في باريس بعد أن اتضح وجود هذه الجرثومة في قنوات التكييف المركزي، وذلك تفاديا لمخاطرها على المرضى... ويتحدث المختصون دوما عن تسبب هذه الجرثومة منذ سنوات في وفاة أكثر من 20 شخصا في نيويورك بعد أن استنشقوها بأحد النزل. حساسية أشار المتحدّث الى مشكل صحّي آخر قد يحدثه المكيّف وهو إثارة الحساسية لدى بعض المصابين بها... ويحدث هذا مع المكيفات التي تنفخ بقوّة الهواء في الداخل فتثير الغبار المتراكم في أركان المنزل او المكتب وهو ما يتسبب في زكام أو عُطاس أو حرقة في المجاري التنفسية وفي الرئتين... كما أن الاستنشاق المستمرّ للهواء البارد يمكن أن يكوّن هذه الحساسية حتى لدى غير المصابين بها... مفاصل توجد عادة سيئة لدى كثيرين حسب د. بن عبد السلام وهي نزع الملابس الفوقية والنوم أمام المكيّف أو قيادة السيارة... وهذا ما يتسبّب مباشرة في أوجاع في المفاصل وفي نزلة برد حادة كتلك التي تصيبنا في الشتاء ووصفها الاخصائي بمحاولة الانتحار. ونصح المتحدث بضرورة الاعتدال عند استعمال المكيف وباعتباره وسيلة تكييف وتعديل للهواء وليس وسيلة تبريد... وعلى عكس الاعتقاد السائد فإن الراحة الجسدية والنوم العميق لا يحصلان تحت البرودة العالية بل تحت الحرارة المعتدلة.