تناولت الفقرة القانونية التي انضافت إلى الفصل 61 مكرر من القانون الجزائي التونسي توسعة نسبية لدائرة المحاسبة القانونية لكلّ من يقبل على الاتصال بأية جهة أجنبية بهدف التحريض ضدّ مصالح تونس الخارجية خصوصا في المجال الاقتصادي أو يطالب بحرمانها من الحصول على قروض للتنمية أو يسعى إلى تقديم موقف يدعو فيه إلى مقاطعة السياحة التونسية والإضرار بالروابط الدبلوماسية للبلاد التي ينجرّ عنها المسّ من المصالح الاقتصادية الحيوية. وقد بادر حزب سياسي معارض في تونس، إلى إصدار بلاغ صحفي يحمل الموقف ونقيضه. معلنا عن رفضه لهذا القانون ومنتقدا وفق قراءاته التأويلية التي ترضع من حمم المدرسة الوهّابية لطبيعة هذا النص القانوني. وقدم هذا الحزب الذي يعيش الانشقاق تلو الانشقاق ويحمل في صلبه إيديولوجيا المقاطعة كخيار سياسي يترجم أصولية مقيتة في زمن الليونة السياسية وينذر بعدمية التطوير والإصلاح ويوزّع الحرية في أشكال هندسية تراوح بين المربعات والدوائر، قدّم قراءته الإسقاطية للنص القانوني على أنّه مشروع تكبيلي للحريات الهدف منه «تدجين المجتمع» في اعتقاد سلفي بأن فهم قيادته الانشطارية للنصّ القانوني هو الفهم المقدّس الوحيد الواجب على مكونات الحركة الديمقراطية أن تتخذه صنوا للحقيقة المطلقة. وإذ ابتعد هذا الحزب منذ سنوات عن المطلب الديمقراطي الذي صادره من داخله خصوصا وأنه يستمر في إقصاء جزء من قياداته تحت انحرافات الشخصنة والنزعات الاستبدادية فإنه حافظ على حالة الفصام السياسي التي ولد عليها. حيث يُدلي بالموقف ونقيضه في نفس البلاغ. وهو بذلك يعمد إلى تضليل غير مبرّر عبر ما «تلاه» علينا بيانه من مغالطات تشبه كشفا جديدا لدى مختصّيه في الإعلام الذين يبدو أنهم قد اخترعوا مذهبا جديدا في الهيرمينوطيقا يحيل على تفسير الشيء بنقيضه. وقد ورد مضمون الفقرة المضافة إلى الفصل 61 مكرر واضحا للغاية وهو يهدف إلى محاسبة كلّ من يدعو علنا إلى الإضرار بالمصالح الاقتصادية لبلادنا. ولهذا الفصل مبرّراته التي تنطلق من ضرورة الحفاظ على المصالح الاقتصادية لتونس في وقت غيّرت فيه القوى الاقتصادية الدولية قواعد اللعب على الرقعة، وتحوّل فيه الاستعمار الجديد إلى التلبّس بصورة الداعية الحقوقي والمناضل السياسي. ومن حق تونس أن تكون صارمة في ما يخص حقوق شعبها ومصالحه ومصادر حياته وكرامته. وقد استغل هذا البلاغ الصَّحَويّ مزايدات تتعلق بحرية الإعلام والتعبير كدافع للجوء إلى منابر الإعلام الأجنبية في ما نسي أو تناسى أن المعارضة تكون في الداخل وليست في الخارج وأن العمل من أجل مصلحة تونس سواء في الحكم أو في المعارضة لا يعني بقاء بعض رموز المعارضة والعمل الحقوقي لساعات في قاعات الانتظار بالسفارات لتقديم معلومة داخلية أو استشارات حول جرعة التشنّج التي يجب التمظهر بها فيما يخصّ موقفا خلافيا مع النظام المستفيد منها في النهاية هذا الآخر الأجنبي. يبدو أنّ بعض الأحزاب السياسية ستتضرّر من هذا القانون الذي سيحرمها من سواقي المال الممنوح بعناوين مختلفة من جهات أجنبية مختلفة مقابل «معارضة سياسية راديكالية» بمواقف مختلفة. السقف الموجود لحرية التعبير في تونس محترم،والبعض من معارضتنا لم يعرف الفرق بعد بين الحرية، التي تجمع معنيي الالتزام والمسؤولية، و بين الأمراض الشخصية وهوس الزعامتية والبحث عن الشهرة وعن المناصب عبر استعمال الضغوطات الأجنبية. جاء النص القانوني ليتمّم نقصا في الصياغة استوجبته مرحلة اقتصادية عالمية حرجة وحاجة سياسية وطنية للفرز بين من يعمل من أجل تونس ومن يعمل من أجل مصالحه الفئوية أو الشخصية الضيقة على حساب تونس. وليستمر مُفتو الأحزاب الجدد في تطويع فتاويهم بما يرضي غرورهم وتعاليهم أما خدمة تونس فهي مشروطة بالتواضع لما فيه خير شعبها ومصلحته العامة.