لم تكن الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها بل كانت في قمة أوارها عندما خطب وزير الخارجية البريطاني (انتوني ايدن) يوم 29 ماي 1941 فقال انه منذ الحرب العالمية الماضية أي الاولى يرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن... ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضا». وعاد الوزير نفسه يوم 24 فيفري 1943 ليقول أمام برلمان بلاده مجلس العموم «ان الحكومة البريطانية تنظر بعين «العطف» الى كل حركة بين العرب ترمي الى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية. وإذا وضعنا هذا الكلام في سياقة التاريخي نجد ان هذا الانقليزي (ايدن) لم يكن حريصا على مستقبل الامة العربية ولا قوتها فهو أشرس من حارب المد القومي العربي بعد ثورة عبد الناصر... وبريطانيا لم تكن بالتالي تتمنى المتعة لأمة الضاد وهي التي كانت في تلك الفترة بالذات تعد لتسليم فلسطين الى الصهاينة لكن كانت لندن بحاجة الى وقفة العرب مع الحلفاء في الحرب خاصة بعدما تنامت لدى بعض العرب رغبة في تأييد هتلر ضد العدو المشترك وهو الاستعمار الفرنسي والانقليزي... المهم لقيت دعوة (ايدن) صدى لدىساسة ذلك العصر فدعا النحاس باشا رئيس حكومة الملك في مصر كلا من رئيس الحكومة السوري (جميل مردم) ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية (بشارة الخوري) للقاء في القاهرة لبحث فكرة «إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمّة إليها». ولم يتردد الأمير عبد ا& بن الحسين حاكم شرق الأردن في الاشادة بهذه «الفكرة» وبدأت فعلا سلسلة من المشاورات الثنائية بين الدول «المستقلة» وهي مصر والعراق وسوريا ولبنان والمملكة السعودية والأردن واليمن... وتعددت الرؤى والاقتراحات فمن داع الى البدء بوحدة الهلال الخصيب أي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق (تسمية الهلال أطلقها عالم آثار أمريكي عام 1900 لتشمل هذه المنطقة مع سيناء وقبرص) ومن مناد بوحدة عموم الدول العربية المستقلة إما بصبغة فيدرالية أو بشكل كنفدرالية. وتم تشكيل لجنة تحضيرية من كل من سوريا ولبنان والاردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) ناقشت الفكرة على مدى أسبوعين كاملين (25 سبتمبر / 7 أكتوبر 1944) وأيدت إقامة وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها. واقترح الوفد السوري أن تكون تسمية المولد الجديد «الاتحاد العربي»، واختار الوفد العراقي اسم «التحالف العربي»، وطلب الوفد المصري أن تكون التسمية «الجامعة العربية». ثم نقّح الاسم ليصير «جامعة الدول العربية»... وانتهت الحرب العالمية الثانية وكانت بريطانيا في مقدمة الدول التي تراجعت عن وعودها بل تلكأت مع الحلفاء المنتصرين في منح الاستقلال للاقطار العربية المستعمرة بالرغم من وقوف الدول العربية «المستقلة» وغير المستقلة عموما مع الحلفاء واستنزاف الثروات بل والدماء العربية في الحرب لكن كانت الفكرة قد أخذت طريقها وبدا الرأي العام يضغط عن طريق الاحزاب والصحف والنقابات لاقامة وحدة الأمة (في ذلك الوقت كان الشهيد فرحات حشاد ينادي مع آخرين لإنشاء جامعة للشعوب العربية). ودعت مصر الى التحضير لمؤتمر عربي عام توّج بإعداد ما سمي (بروتوكول الاسكندرية) وقد نص على جملة من المبادئ أهمها «قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام اليها ويكون لها مجلس تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة»... كما نص البروتوكول على أنه «لا يجوز الالتجاء الى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة من دولها» وعلى «اعتبار فلسطين ركنا هاما من أركان البلاد العربية وحقوق العرب فيها لا يمكن المساس بها من غير إضرار بالسلم والاستقلال في العالم العربي، ويجب على الدول العربية تأييد قضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيق أمانيهم المشروعة وصون حقوقهم العادلة». ووقعت الوفود الحاضرة على البروتوكول فيما عدا السعودية واليمن اللتين وقّعتا لاحقا بعد موافقة العاهل السعودي عبد العزيز والإمام اليمني يحيى حميد الدين. ثم تم تشكيل لجنة فرعية واصلت إعداد ميثاق الجامعة الذي وقّع عليه يوم 22 مارس 1945 والذي أصبح العيد الرسمي لميلاد جامعة الدول العربية. ومضت السنوات والعقود وانضمت الدول العربية تباعا الى الجامعة بعد الاستقلال... كانت الآمال كبيرة وكانت الاحداث أكبر... عقدت عشرات الاجتماعات والقمم ووقعت عشرات الاتفاقات والبرتوكولات وأنشئت العديد من الهياكل المتخصصة... تم إنجاز الكثير لكن دون الوصول الى المأمول والى تحقيق أحلام أيام الميلاد... لم تتحقق الوحدة المنشودة ولم يتحقق الدفاع العربي المشترك بل خرق الميثاق عشرات المرات... وزادت التطورات العالمية وفرقة العرب في إحباط آمال الأمة وبقي الزعماء والحكومات يبحثون عن السبيل بلا دليل... كانت جامعة ل«الدول» أي للحكومات وبقيت قراراتها رهنا لرغبة هذه الحكومات في التنفيذ وأحيانا قدرتها على ذلك... وتأتي القمة الخماسية الأخيرة في ليبيا... ونعود من جديد وبعد سبعة عقود الى البحث في التسمية... لم تعد الجامعة مولودا ومع ذلك نبحث عن تسمية جديدة، فهل يعني ذلك ان المولود عام 1945 قد فاته الركب ولم يعد له وجود؟ أم أن الاسم من شأنه ان يساعد على تجاوز سلبيات الماضي؟وهل للاسم اثر في المسمى؟ أسئلةكثيرة تجول في أذهاننا نحن ابناء هذه الأمة المحبطة من جامعة الدول والمؤمنة بضرورة الوحدة وبأن الظلام وراءه نور والليل بعده نهار... التواقة ليوم ننكب فيه على المسمى ونجسد أهدافه مهما كان الاسم وأيا كانت اليافطة.