تكوين 1780 إطارا تربويا في الطفولة في مجال الإسعافات الأولية منذ بداية العام الجاري    مدير عام الديوانة يدعو لليقظة و التصدي إلى مختلف أشكال التهريب    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    متابعة/ فاجعة البحارة في المهدية: تفاصيل جديدة وهذا ما كشفه أول الواصلين الى مكان الحادثة..    سوسة: إنقاذ مركب صيد بحري على متنه 11 شخصا من الغرق    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    بطولة الرابطة المحترفة الثانية : حكام الجولة التاسعة عشرة    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    المنيهلة - أريانة: إصابة 5 ركاب في حادث مرور    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    أجور مساعدي الصيادلة مجمدة منذ 2022 ماالقصة ؟    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    الاطاحة بعنصر خطير نفذ سلسلة من "البراكاجات"..وهذه التفاصيل..    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    مؤسس "باينانس" قد يواجه السجن لمدة 3 سنوات    جندوبة : اندلاع حريق بمنزل و الحماية المدنية تتدخل    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    قرب سواحل المنستير: تواصل البحث عن بحارة مفقودين في غرق مركب صيد    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تلاميذه طه حسين وأحمد شوقي والزيات وسامي البارودي: حسين المرصفي رائد علم الدلالة السياسي ورمز المدرسة الاحيائية (1 2)
نشر في الشروق يوم 08 - 07 - 2010


الكيلاني بن منصور (أستاذ باحث ماجستير الأدب)
قلة هم الذين سمعوا عن الشيخ حسين المرصفي من القراء ويندر أن نجد في تونس والمغرب العربي وحتى المشرق العربي من له معرفة بهذا العالم الكبير الذي أحدث ثورة في النقد الأدبي العربي بتسييره لانقلاب نقدي رهيب في مسار الثقافة العربية. ولسنا ندري سببا لعدم معرفة الناس بحسين المرصفي الضرير الذي عاصر الثورة العرابية وتأثر بأحداثها تأثرا كبيرا. ليس هذا فحسب، فكتبه الهامة والقيمة لم يقع نشرها على نطاق واسع على الرغم من أن مادتها تعتبر ثورة حقيقية في مجال النقد الأدبي وعلم الدلالة السياسي. لا بل إن أغلب كتبه ودراساته ظلت مخطوطة ولم تجد طريقها الى التحقيق والنشر.
حدث كل ذلك لرجل تتلمذ على يديه أعلام الأدب العربي الحديث الذين كانوا عناوين مضيئة في سماء الابداع. فعميد الأدب العربي طه حسين وأمير الشعراء أحمد شوقي درسا عند حسين المرصفي اضافة الى حسن الزيات وسامي البارودي وغيرهما من الأسماء اللامعة. فإذا كان رجل بهذا القدر قد وقع تناسيه فما بالك بمن لم يخط في حياته حرفا ولم يقدم لبلده شيئا، ألن يصبح نسيا منسيا.؟
إن ما بعث في نفسي بعض الراحة وأنا أبحث عن كتب حسين المرصفي أن مكتبتنا الوطنية التونسية التي تعد مفخرة المكتبات العربية في العالم تحتفظ بأهم كتاب وضعه العلامة المرصفي الى جانب الدراسات التي كتبت حوله بما وفر للباحث فرصا لمزيد التقصي والتحقيق. ولنا حقا أن نفخر بهذا الصرح الثقافي الذي يعد من أبرز المؤسسات الثقافية في تونس والعالم.
السجل الشخصي لحسين المرصفي
ولد حسين المرصفي سنة 1815 بقرية «المرصفا» بمحافظة «القليوبية» في مصر. حين بلغ الثامنة من عمره فقد بصره. ووالده هو الشيخ أحمد أبو حلاوة المرصفي من كبار علماء الأزهر الشريف. أتقن حسين المرصفي الى جانب لغته العربية اللغة الفرنسية اتقانا كبيرا. وتعلم أيضا فيما يبدو الكتابة النافرة التي اخترعها لويس براي بفرنسا. وقد وقع تكليفه بإلقاء المحاضرات باللغتين الفرنسية والعربية في دار العلوم سنة 1882. وقد جاء في مقدمة كتابه الشهير «الوسيلة الأدبية» بقلم الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدسوقي أن العاهة كان لها تأثير على مزاج ذلك الرجل مرهف الاحساس، متواضع النفس، فانطوى على نفسه وعزف عن الشهرة. وعكف على عمله في تأليف الكتب. ولهذا لفّ الظلام تفاصيل حياته وسيرته. ولولا بضعة سطور كتبها عنه علي مبارك في «الخطط التوفيقية» لما اهتم به أحد من معاصريه ولم يكتب عنه أحد بعد ذلك حتى التفت إليه الشاعر الباحث الأستاذ محمد عبد الغني حسن، فكتب عنه فصلا ممتازا في كتابه «أعلام من الشرق والغرب» الذي صدر في أواخر الأربعينات.
(وهذا الكتاب موجود بدار الكتب الوطنية بتونس). ثم كتب عنه الأستاذ محمد عبد الجواد كتابا أصدرته دار المعارف في طبعة متواضعة عام 1952. وكتب عنه الناقد والباحث الكبير الدكتور مندور فصلا من الفصول التي كان ينشرها في أواخر الخمسينات عن النقد والنقاد المعاصرين ثم قام بجمعها في كتاب. وقد عجب الأستاذ محمد عبد الغني حسن من اغفال مؤرخي الأدب، تقديم ترجمة كاملة للشيخ حسين المرصفي. وقال: «يظهر أن الترجمة للشيخ حسين كانت شاقة لمن جاؤوا بعد علي مبارك باشا، فأغفله جورجي زيدان بك وهو يترجم لقرابة تسعين علما من أعلام النهضة في كتابه «تراجم مشاهير الشرق». كما تركه الأستاذ حسن المندوبي في كتابه «أعيان البيان». الذي ترجم فيه لطائفة من أعلام البيان والشعر، منذ عصر محمد علي وأعجب من ذلك كله أن يتركه المغفور له أحمد تيمور باشا وهو يترجم لأربع وعشرين عينا من أعيان الأدب والشعر في كتابه «تراجم أعيان القرن الثالث وأوائل القرن الرابع عشر» الذي طبع بعد وفاته. ومازال حظ المرصفي يضأل من الأسطر التسعة التي تفرد بها علي مبارك باشا في «خططه» حتى بلغ نصيبه ثلاثة أسطر من الترجمة في كتاب «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» للأب لويس شيخو اليسوعي، وهو نصيب لا يقوم كفاء ما أسداه الشيخ المرصفي الى دراسة تاريخ الأدب من خدمات على أن مؤرخنا المنصف عبد الرحمان الرافعي بك لم يفته وهو يترجم لأعلام الأدب في عصر اسماعيل أن يردد بضعة الأسطر التي جاءت في كتاب علي مبارك باشا. وهي المصدر الوحيد في ترجمة الشيخ الجليل».
والمعلومات التي قدمها علي مبارك عن الشيخ حسين المرصفي الضرير تتلخص في أن والده هو الشيخ أحمد أبو حلاوة من علماء الأزهر الشريف، وهو ما يعني أن حسين المرصفي ينتمي الى عائلة عريقة في الحسب والنسب والعلم والثقافة. ثم انتقل علي مبارك للحديث عن حسين المرصفي نفسه بقوله: وقد ترك (والد حسين) ابنه العلامة الشيخ حسين من أجل العلماء وأفضلهم، له اليد الطولى في كل فن وقلّ أن يسمع شيئا إلا ويحفظه مع رقة المزاج وحدة الذهن، وشدة الخلق، اجتهد في التحصيل وحفظ المتون وتصدر للتدريس وقرأ بالأزهر كبار الكتب مثل «مغني اللبيب» لابن هشام. وله تأليف مفيد أجاد فيه وأفاد منه كتاب «الوسيلة الأدبية في علوم اللغة العربية» الذي جمع فيه نحو اثني عشر فنا، وتكلم بالفرنساوي، وقرأ الخط العربي والفرنساوي في أقرب زمن مع انكفاف بصره، وهو حروف اصطلح عليها اصطلاحا جديدا تدرك بالحس وباليد. وقد أنشأ الخديوي اسماعيل من ضمن ما أنشأ من المدارس مدرسة للعميان، يتعلمون فيها هذا الخط مع فنون أخرى. وكان الشيخ حسين معلم العربية في دار العلوم وبالمدارس الكبرى ومدرسة العميان.
القيمة التاريخية لهذا الشاهد
إن الشاهد الذي اقتبسناه من الأسطر التي كتبها علي مبارك باشا يمثل قيمة تاريخية نادرة. فعلاوة على أن علي مبارك باشا يخبرنا عن بعض جوانب سيرة العلامة حسين المرصفي فهو يقدم معلومة تاريخية لم يتفطن إليها أحد ممن كتبوا حول تاريخ دخول الكتابة البارزة إلى العالم العربي. فجميع البحوث والدراسات التي وقعت بين أيدينا سواء منها العربية أو الأجنبية تشير الى أن العالم العربي لم يعرف هذه التقنية إلا مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين. وقد قمت بتصويب تلك المعلومات في ما سبق نشره من دراسات هنا بجريدة الشروق التونسية. وها إني اليوم أزيد في تصويب المعلومة لأقدم دليلا على أن هذه الكتابة التي ابتكرها لويس براي قد دخلت مصر في عهد الخديوي اسماعيل أي منذ القرن التاسع عشر وهو الشيخ حسين المرصفي قد أتقنها وكان يدرسها للمكفوفين بمدرسة العميان بما يعني أيضا أن العالم الغربي لم يسبق العالم في التعليم النظامي. فمسيرة التعليم العربي للمكفوفين انطلقت منذ القرن التاسع عشر ويكفينا هذا الشاهد للاحتجاج على صحة هذا الرأي. على أنني أدرك تمام الادراك أن علي مبارك باشا لم يكن يهدف إلا الى تقديم معلومات عن حسين المرصفي فقط. وبذلك أصبح لهذه الأسطر التسعة قيمة تاريخية هامة من وجهة نظر البحث التونسي في مجال تاريخ التربية الخاصة في العالم.
قد يقول قائل بأن الخط المقصود هو تلك الحروف الخشبية التي كان يستعملها الفرنسيون ومنهم «هاوي» وهي عبارة عن حروف عادية مصنوعة من الخشب أو من الشمع يستطيع من فقد بصره قراءتها وليس المقصود من الشاهد الذي أوردناه عن علي مبارك باشا إلا تلك الحروف الخشبية التي تقرأ بالحس وباليد. وهنا لا يسعني إلا اضافة الفقرة التالية للدكتور عبد العزيز الدسوقي ضمن مقدمته لكتاب حسين المرصفي «الوسيلة الأدبية» حيث يقول حرفيا: «أما ثقافته فكانت كما ذكر علي مبارك هي الثقافة الأزهرية، حفظ القرآن والمتون والتحق بالأزهر(...) وتعلم لغات أخرى غير العربية، فتعلم اللغة الفرنسية بطريقة الحروف البارزة المعروفة بطريقة براي braille». لست أدري إن كان هناك الآن تحفظ من هذه الحقيقة أم أننا قد أقمنا للحق مكانه العالي. وأزهقنا الباطل مسترشدين بقوله اللّه «إن الباطل كان زهوقا».
مؤلفات الشيخ حسين المرصفي وموقف النقاد منها
يذكر الدسوقي في مقدمة «الوسيلة الأدبية» أن المرصفي ترك ثلاثة كتب هامة هي: «الوسيلة الأدبية» ويشمل مجلدين وكتابه الثاني هو «دليل المسترشد في فن الانشاء»، ضمن ثلاثة مجلدات لازالت مخطوطة. ثم كتابه الثالث «رسالة الكلم الثماني» وهو كتيب صغير في 66 صفحة .
ويعتبر كتابه «الوسيلة الأدبية» أهم كتاب وضعه الرجل لما يتضمنه من مادة أحدثت انقلابا في بعض مفاهيم النقد وتحولا عن النقد القديم المتصل بالشعر مثل النظريات التي صاغها قدامة ابن جعفر خاصة. وسوف تكون لنا فرصة آتية لتقديم أعماله حسب منهجية واضحة تعطي هذا الرجل الكفيف حقه من التقدير والتبجيل وتمكن القارئ من التعرف على مواطن التجديد في فكر المرصفي وأهم اتجاهاته الأدبية التي ميزته عن سواه. لا بل وجعلته رئيس فريق التدريس بالمدرسة التي أنشأها علي باشا مبارك في أواخر القرن التاسع عشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.