سوف نردّد في أول هذه الورقة بديهة، وهي أنه في تونس يُوجد حزب حاكم، وتوجد أحزاب معارضة، يهمّنا منها الآن، هذه المنخرطة في الوفاق الوطني، فهي على الرغم من هدوء نبرتها واعتدال مواقفها، وانخراطها في مشروع الرئيس بن علي، إلاّ أنها تبقى أحزاب معارضة، تم تأسيسها كبديل، وتم بعثها لتكون في ضفة غير ضفّة دائرة الحكم وصنع القرار الملزم وتسيير الشأن العام. وكلها غايتها أن تتمكن يوما ما من الحكم، وأن ترتقي الى مرتبة تسيير دواليب الدولة. وهي بذلك معارضة كاملة الشروط، مكتملة الصفة. إلاّ أن ما يميّزها كما ذكرنا آنفا يتمثل في أسلوب التعامل مع الطرف الرسمي، وفي الانخراط في مشروع الرئيس بن علي (مشروع التغيير) وفي قراءة واقعية ليس لموازين القوى فقط في تونس، بل لضرورات الفعل الوطني وتقديسا للمصلحة العامة، التي هي غاية كل فعل سياسي سليم. وأعتقد أن من المهام الكبرى التي يجب أن تضطلع بها هذه الأحزاب هي العمل الجادّ والدؤوب لتسويق صورة تونس خارجيا، أي لدى الأحزاب والمنظمات والمؤسسات الموجودة خصوصا في البلدان الشريكة لتونس، وذات العلاقات المتميزة معها، فإنّ نسج علاقات مع هذه الفضاءات وكسب صداقات فيها، وترويج خطاب لديها، يعكس حقائق المشهد التونسي يعدّ من الأولويات خصوصا أن التهم المفتعلة التي تطال تونس هي في جزء منها موجّهة لأحزاب الوفاق، وأن النقد الموجه لها هو نقد موجّه أيضا وبنفس الدرجة لهذه الأحزاب. إنّه على هذه الأحزاب أن تكون درعا خارجيا لبلادها، وأن تستنفر قواها وخطابها وعلاقاتها للدفاع عنها وعن خياراتها وذلك عبر شرح المشهد التونسي بإقناع وتفكيكه بمقدرة، فهو ليس بدعة وليس مدعاة للحرج، وليس سنّة لم يأت بها الأوّلون والآخرون، بل إن العديد من البلدان ومنها الأوروبية تحتضن مثل هذه الأحزاب التي تتفق مع الخطوط الكبرى والاستراتيجيات الكبيرة للأحزاب الحاكمة وإن كانت تختلف معها في التفاصيل وفي طرق ووسائل التطبيق، خصوصا أن ما اختمر في العالم منذ سنوات وتحديدا منذ الأزمة النقدية العالمية الأخيرة، جعل وصفات الدواء تكاد تكون متطابقة وجعل العمل على انقاذ مستقبل تلك الشعوب والأمم المعنية أولوية مطلقة فنقصت حدّة الصراع السياسي وضاقت مجالات المناورات التي لا تنفع ، واتسعت بالضرورة، وكنتيجة لضغط الأزمة وليقظة الاحساس، الوطن، دوائر الالتقاء والتوافق. فهل في هذا كله ما يدعو الى الفزع والخوف المفتعل على الديمقراطية والتنوّع والتعدّد؟ وهل في هذا ما يهدّد عراقة البلدان المعنية في الممارسة الحرّة والاختيار الحرّ؟ بالقطع لا، فأمام مصالح الشعوب تنتفي كل التقسيمات التقليدية وتضمحّل الاستقطابات القديمة وتنخرط الطبقة السياسية يمينا ويسارا في ما يقوّي مناعة بلدانها وما يمنحها من جرعات الشفاء الكثير. ذلك أنها تعي، بأن لا أحد سوف يفكر في وضعك أكثر منك، وأن لا طرف سوف ينجدك إذا لم تنجد نفسك، وفي اليونان وما يجري فيها بعد انهيارها التام، ما يغني عن كل دليل!