صدور قانون تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة بالرائد الرسمي    وزير التجارة يعاين استعدادات شركة اللحوم لتركيز نقطة بيع الأضاحي بالميزان    قاضية توقف قرار إدارة ترامب منع هارفارد من قبول الطلبة الأجانب    تنبيه/ توقف جولان الخط "ت.ح .م" بين هاتين المحطتين..    جرحى في هجوم مروع بسكين في محطة القطارات بألمانيا..#خبر_عاجل    ليبيا.. المتظاهرون يمهلون المجلس الرئاسي 24 ساعة لتنفيذ مطالبهم    الرابطة الثانية : الشبيبة في «الناسيونال» بعزيمة الأبطال: «القناوية» ومقرين وجندوبة في صراع مفتوح لتحقيق الصعود    دار الثقافة ابن زيدون بالعمران .. برمجة ثرية في تظاهرة التراث والفن    مدير مهرجان سوسة الدولي معز كريفة ل«الشروق» لا «للرّاب» ولا للفن الشعبي ولا مكان لهؤلاء    يزهق روح صهره طعنا بآلة حادة    أمام دائرة الفساد المالي .. 3 سنوات سجنا للرئيس السابق لاتحاد الناشرين    صفاقس .. بسبب خلاف مع زوجته .. يقتل صهره بطعنة سكين ويلوذ بالفرار    أولا وأخيرا...«مخ الهدرة»    مشروع "5/5": تجربة جديدة لتوزيع الفيلم القصير في قاعات السينما التونسية    الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي يؤكد استعداده للمساهمة في تنفيذ المشاريع المستقبلية الكبرى بتونس    صفاقس جمعية المعارض والمؤتمرات الدولية تُمضي إتفاقية شراكة مع غرفة التجارة والصناعة بمصراتة    تقرير: 87 بالمائة من الأطفال يستعملون الانترنات    انطلاق فعاليات تظاهرة "ثقافات من العالم" بدار الثقافة ابن رشيق    هارفارد تقاضي ترامب.. و''الجامعة الأغنى'' في مواجهة البيت الأبيض!    كأس افريقيا للأندية الفائزة بالكأس لكرة اليد رجال: الترجي الرياضي يحرز المرتبة الثالثة بفوزه على منتدى درب السلطان المغربي 43-25    الأسهم الأوروبية تنخفض بقوة بعد تهديدات ترامب    ''قصّيت شعري وغامرت''... باسكال مشعلاني تكشف كواليس أغنيتها الجريئة!    سيدي بوزيد: انطلاق موسم الحصاد وسط تقديرات بانتاج 290 الف قنطار من الحبوب    نابل تواجه نقصًا حادًا في الأضاحي: 100 ألف حاجة مقابل 28 ألف متوفرة فقط    سليانة: اعطاء إشارة انطلاق المخطط التنمية الجهوي 2026-2030    الانتخابات التشريعية الجزئية ببنزرت الشمالية: هيئة الإنتخابات تعلن عن القبول الأولي لسبعة مترشحين    غزة: أكثر من 240 ما بين شهيد وجريح خلال 24 ساعة    عاجل/ مبادرة تشريعية هامة تتعلق بتنظيم ضمانات القروض البنكية..وهذه التفاصيل..    وزير املاك الدولة: نسعى الى الانتقال الى مرحلة الكتب والامضاء الالكترونيين    موعد بدء إجازة عيد الأضحى في السعودية    السكر المضاف و أضراره    تظاهرة ثقافية غدا السبت حول الفن والهوية بدار الشباب سيدي داود بالمرسى    عاجل: أشرف الجبري ''مكشخ'' لموسمين إضافيين    بشرى سارة للأساتذة المتزوجين: فتح باب ''لمّ شمل'' عبر حركة النقل الداخلية !    اليوم الدولي للقضاء على ناسور الولادة، منظمة الصحة العالمية تؤكد امكانية الوقاية والعلاج من هذه الإصابة    عاجل/بعد استقالة الهيئة التسييرية للافريقي: سمير الوافي يفجرها ويكشف..    دليلك الكامل لتنسيق ألوان ربيع وصيف 2025: ألوان جريئة وعصرية ''تخليك تتألق''!    آخر الأرقام بخصوص موسم الحجّ    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    عاجل: ''إكستازي''بلعبة أطفال.. الديوانة تُحبط تهريب 5 آلاف حبة مخدرة بحلق الوادي!    عاجل/ تحسّبا للتقلبات الجوية..مرصد سلامة المرور يحذر ويقدم جملة من التوصيات..    علاج طبيعي للاكتئاب دون أدوية...تعرف عليه    ''ضحكة كبيرة ونتيجة خطيرة'': لعبة التخويف تهدّد صحة طفلك!    متابعة للوضع الجوي لبقية هذا اليوم وهكذا سيكون الطقس غدا..    دعاء يوم الجمعة 23 ماي 2025    الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يعتذر بعد نفاذ الميداليات خلال حفل التتويج في الدوري الأوروبي    فيفا تعاقب جامعة كرة القدم التونسية ب57 مليون ...وهذا هو السبب    رئيس الجمهورية : إلغاء المناولة بداية لحلول جذرية تقطع مع "الماضي البغيض"    قفصة: مطار قفصة القصر الدولي يؤمن ثاني رحلة لحجيج ولاية قفصة على متنها 256 حاجا وحاجة    تفاصيل جديدة عن عملية احباط 2.5 كغ من مادة الماريخوانا بمطار تونس قرطاج..#خبر_عاجل    الاستيقاظ قبل رنين المنبه خطر.. دراسة تحذر وتكشف..    ما هي الخطة المدعومة من أمريكا لمساعدات غزة ولماذا ترفضها الأمم المتحدة؟    تخصيص جوائز مالية قياسية لكأس العرب 2025 بقطر    هام/ "الستاغ" تشرع في جدولة ديون هؤولاء..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    برشلونة يمدد عقد جناحه رافينيا حتى 2028    منبر الجمعة: لبيك اللهم لبيك (2) من معاني الحج    ملف الأسبوع...وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا .. الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ    









من ذاكرة مرب متقاعد : بسكلتي بسكلتي في «الحفصية» ورّطتني

لما كنت أزاول تعلمي الثانوي في أواخر الخمسينات بالمدرسة الصادقية بتونس وبحكم السكنى في حومة الحفصية، كنت أمر يوميا بالمحل المعد لكراء الدراجات النارية والعادية بمختلف أنواعها وأشكالها، وكنت أمني النفس بركوب واحدة منها ولو لبضع دقائق ولكن أنّى لي ذلك والقليل من المال الذي يكون بحوزتي لا بد أن يصرف في الدراسة.
وذات مرة وبعد أن لاحظ اليهودي اهتمامي الكبير بما يمتلكه طلب مني أن أساعده في تنظيمها على أن يمكنني مجانا من التمتع بالتي سأختارها. لكنه لم يف بوعده وبدون أن أشعر ودفاعا عن كرامتي رميته بحجارة أصابت بطنه الذي كان كالطبل وجعلته يئن ويهدد ويسب ويتوعد. وهربت طبعا خوفا من أن تتعقد الأمور واتقاء لشره كنت لمدة طويلة اتفاداه باتباع مسالك غير المتعود عليها عند قضاء شؤوني أو شؤون أهل الدار التي حدثتكم عنهم سابقا. وذات أحد من أيام رمضان المعظم زارني أبي وكنت مشتاقا كثيرا لرؤيته ولرؤية والدتي «رحمها الله» ولأخواتي الصغريات أما أخي محمد فقد كنت باتصال دائم به اذ كان يدرس غير بعيد عني بمدرسة خزندار بباردو.
لاحظت أن والدي كان منشرحا نوعا ما وكأنه يخفي مفاجأة وبعد استراحة قصيرة من تعب السفر طلب مني بأن نقوم بجولة في أسواق المدينة العتيقة وخاصة سوق العطارين والرانة ولكنه عندما توجه بي إلى سوق الدراجات بالحفصية فهمت مقصده ، وطالت المساومات في البيع والشراء وفي كل موقف كنت أدعو ا& في داخلي أن يحقق الحلم، ونحقق الحلم العظيم واشترى أبي دراجة عادية مقبولة الشكل والجمال، وارتميت عليه أعانقه وأقبله بقوة وتصورت نفسي بأربعة أجنحة محلقا في الفضاء من شدة الفرح والتأثر بهذا الحدث التاريخي. ورجوته في استعمالها لبعض الوقت أشفي بها غليلي فلم يمانع ولكنه نصحني بالاحتياط والانتباه الجيد.
ودخلت بالدراجة الأنهج والأزقة في أحياء دار الجلد والقصبة وباب سويقة والحلفاوين وكنت أسقط من حين لآخر لكن سرعان ما أنهض غير مبال لا ببعض الرضوض ولا بحرارة الشمس ولا بالجوع والعطش... وقد تعمدت المرور أكثر من مرة أمام ذلك اليهودي ملوّحا بعلامات الانتصار وضاغطا بقوة على «الناقوس».
وبينما كنت متباهيا برفع يدي عن المقود اذ بامرأة تقطع الطريق... وارتبكت... وعبثا حاولت تجنبها فقد صدمتها وسقطت على المعبّد وارتطم رأسي على الرصيف أفقدني الوعي للحظات وما أن فتحت عيني حتى وجدتها متمسكة بي وهي تصيح النجدة... النجدة... إنه كاد يقلتني والحال أنها لم تصب بأي أذى... بل أنا الذي تضررت وتمزق جزء من حذائي... ولم استطع الإفلات منها... واصفر لون بشرتي... وتوقعت الطامة الكبرى ونهايتي لو يعلم أبي بما يحدث... واجتمع الناس من حولي وتنوعت تعاليقهم الخبيثة والمدمرة للنفوس وكان يقودهم في الحملة المغرضة اليهودي والذي اقترح عليهم حملي إلى المركز. ولم تجد توسلاتي لها ولهم نفعا... وبينما أنا في حالة يرثى لها... حالة يأس قصوى ازداد فيها خفقان قلبي وتصبب العرق وجف الريق في حلقي اذ أرسل ا& إلي وسط هؤلاء الذئاب رجلا شهما وخلصني من ورطة لم أقرأ لوقوعها أي حساب، وبعد أن شكرته جزيل الشكر أسرعت نحو أبي الذي طال انتظاره والذي كاد من شدة الغضب أن يضربني لولا مراعاته للصيام وفرحته بالدراجة.
وبدون اطالة ودعته في «مدق الحلفاء» أي في محطة اللواجات سابقا بشارع الجزيرة بعد أن أركب هدية العيد التي سيفاجىء بها العائلة الحافلة الصغيرة للمرحوم محمد الهرقام وبعد أن حمل معه قفة كبيرة كلها حنة وكعك وحلوى وبعض الملابس واللوبان وبعد أن أمدنى بنصيبي منها وبقليل من المال.
ولم أنم ليلتي اذ كان تفكيري كله منصبا على الدراجة انتظر بفارغ الصبر حلول عطلة عيد الفطر وكنت أتمنى لو كنت على أبواب العطلة الصيفية.
وتمضي الأيام والسنون وكلما يطل شهر رمضان الذي أرجو أن يعم الخير فيه على المسلمين كلما تكون ورطة الدراجة في الحفصية في مقدمة الأحداث التي تختزنها الذاكرة... وتلك هي الحياة وكل شيء يزول وتبقى الذكريات.
المربي المتقاعد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.