رئيس الجمهورية يشدد على ضرورة ارتقاء عدد من المسؤولين إلى مستوى المرحلة التي تعيشها تونس    رئيس الجمهورية يوصى بضرورة تيسير عودة التونسيين ،وتخفيف الإجراءات والمعاملات الديوانية لفائدتهم    GATBIKE 2025 : الحدث الرياضي والثقافي والبيئي والتضامني في قلب قرطاج    احذروا "سامية".. الشرطة الجزائرية تبحث عن دجال ينتحل صفة امرأة    أغلبهم تجنس وفق بند "الأعمال الجليلة".. الكويت تسحب الجنسية من 1291 شخصا    تعديل في مشروع تنقيح مجلة الشغل يمنع المناولة في الحراسة والتنظيف    نشر صور جنسية لامرأتين.. إحالة نجم ريال مدريد إلى المحاكمة    تحسبا للتقلبات الجوية: الحماية المدنيّة توجّه نصائح للتعامل مع الرياح القويّة والعواصف    «بيت الحكمة» يكرّم الأستاذ عبد المجيد الشّرفي في مؤلّف جماعيّ    اليوم وغدا بنابل ...ندوة بيت الرّواية حول «التّراث في المتن الرّوائي التّونسيّ»    قصّة ..عين خديجة (ج2)    ليبيا: المجلس الرئاسي يجمّد قرارات الدبيبة بشأن أحداث طرابلس    1.2 تريليون دولار.. توقيع صفقات ضخمة بين قطر وأميركا    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة (الدور النهائي - المباراة 1): النادي الإفريقي يفوز على الاتحاد المنستيري 77-73    داخل معهد في خزندار: تلميذ يحاول قتل زميله طعناً بسكين    سيارات .. «فولفو EX30» أكثر السيارات الكهربائية الفاخرة مبيعا في تونس    سفارة تونس بطرابلس تدعو إلى الحذر    من بينها غسيل الأموال .. الصحبي عتيق مجددا أمام الدائرة الجنائية    المهدية .. بالتوازي مع الإضراب المفتوح لمُديري المدارس ... المُعلّمون... يحتجّون    السعودية: رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    وزيرة الشؤون الثقافية تستقبل سفير النمسا    المنستير: افتتاح معرض المعدات والمنتوجات الفلاحية بقصر المعارض الدولي    جلسة عمل بوزارة الشباب والرياضة حول الملعب الاولمبي بالمنزه    موسم الحج: أول رحلة إلى البقاع المقدسة يوم 18 ماي    عاجل/ ولاية سوسة تدعو المواطنين إلى توخي الحذر    أمطار غزيرة ورياح قوّية هذه الليلة.. #خبر_عاجل    اجتماع مجلس إدارة المندوبية الجهوية للتربية بصفاقس 1 حول الاستعدادات المادية واللوجستية للامتحانات الوطنية    مهرجان مايو في دورته 35.. فقرات متنوعة زيارات ومعارض وندوات علمية    على أبواب البكالوريا.. وزارة التّربية تحذّر    زرمدين: محطة جديدة لضخ مياه الشرب تدخل حيز الاستغلال صيف 2025    افتتاح "أيام الفنون والحرف التقليدية" بالقصر السعيد بباردو    الزبيب الأسود: كنز غذائي لصحة الجسم والمناعة    بلاغ هام من النجم الساحلي الى جماهيره    أمل جديد في علاج الصلع الوراثي    كيف تجدّدين أثاثك القديم وتمنحينه حياة جديدة؟    جورج وسوف يتصدر الترند بسبب هذه الشائعة    مرض قتل نصف مليار إنسان: كل ما تريد معرفته عن الجدري    دونالد ترامب لقادة الخليج:'' أنتم محل إعجاب العالم''    عاجل/ بلاغ هام من وزارة الفلاحة حول التوقّي من أضرار "التبروري"    زيت الزيتون والتمور التونسية تحققان أرقاماً قياسية في السوق البرازيلية    عاجل/ بالأرقام: البنك الدولي يتوقّع تراجع عجز الميزانية في تونس    تصفيات كاس العالم لكرة السلة (قطر 2027) -منطقة افريقيا-: المنتخب التونسي يستهل مشواره بملاقاة نظيره النيجيري يوم 27 نوفمبر القادم    الرابطة 2 -الجولة 25-: تعيينات الحكام    وزارة الشباب والرياضة تفتح باب الترشحات: انتداب 440 أستاذ تربية بدنية بالمدارس الابتدائية    عاجل/ فرنسا تستدعي سفير الجزائر لديها    طارق بن عمار يُكرّم في كان السينمائي : جسر بين تونس، هوليوود وأوروبا    أزمة داخل النادي الإفريقي..تفاصيل ما يحدث    منح جامعية في هولندا: وزارة التعليم العالي تدعو الطلبة التونسيين للترشح    البنك الدولي يتوقع نمو الاقتصاد التونسي بنسبة 1،9 بالمائة خلال 2025    الطقس يُهدّد الفلاحة: أضرار جسيمة في الكاف وتحذيرات من أزمة أعلاف قادمة    البيت الأبيض: ترامب دعا الشرع إلى الانضمام لاتفاقات أبراهام مع إسرائيل    في حضور وزير الشؤون الاجتماعية: مناقشة حاسمة لقانون الشغل والمناولة بالبرلمان    صدور قرارين بالرائد الرسمي يحددان طاقة استيعاب المدارس الاعدادية والمعاهد النموذجية    زلزال يضرب اليونان بقوة 6.3 درجة وارتداداته تصل مصر ولبنان والأردن    الموعد المفترض لعيد الإضحى    عاجل : مدينة العلوم تكشف عن التاريخ المتوقع لعيد الأضحى    مصر.. تحرك واسع للسلطات يمنع كارثة طبية    تغيير بسيط في طعامك يطيل العمر ويحميك من الأمراض..وهذه التفاصيل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديقة بلا سياج: حسن مرزوق.. السيرة والتاريخ
نشر في الشروق يوم 20 - 07 - 2010

بعد عدد من المؤلّفات الشعريّة والنثريّة أذكر من بينها «قصائد موحشة» و«أمطار الصيف» و«أنت أيتها العزلة» و«كعشبة في الرّمال» و«البئر» و«دوز ذاكرتي» و«هوامش على السّطر»...صدر كتاب جديد للشاعر والكاتب والإعلامي نورالدين بالطّيب بعنوان: «حسن مرزوق، خفايا حربي فلسطين وبنزرت وانقلاب 62» عن منشورات وليدوف (2009 120 ص).
في هذا الكتاب يحاور نورالدين بالطيب المناضلَ حسن مرزوق. وهو من مواليد قابس سنة 1930...نشأ في بيئة غذّتها روافد الحركة القوميّة فإذا هو يتطوّع للقتال في فلسطين. ثمّ إذا هو في سوريا أثناء انقلاب حسني الزعيم. ثمّ إذا هو في تونس يشارك في الحركة الوطنيّة ويتعرّض إلى حكم بالسجن وبالأشغال الشاقّة. ثمّ إذا هو يُدعى إلى تأسيس جهاز الحرس الوطنيّ ويتحمّل العديد من المسؤوليّات ويشارك في معركة بنزرت. قبل أن يتورّط في المحاولة الانقلابيّة لسنة 1962 فيواجه عذاب السجن ثانيةً. كي يخرج إلى الحياة وقد استغلّ كلّ ما مرّ به من مِحَن، فإذا هو نموذج للعصاميّ الذي كوّن نفسه بنفسه، وإذا هو رجل أعمال ومؤرّخ ومبدع في أكثر من مجال، وإذا هو شخصيّة واقعيّة تكاد تتفوّق على الشخصيّات الروائيّة كثافةً وإثارةً، دونما حاجة إلى تدخّل كاتبٍ ودونما اعتماد على خيال روائيّ.
أعجبني هذا الكتاب لأكثر من سبب...فقد قرأتُ كتبًا كثيرة تجمع بين السيرة والتاريخ، لشخصيّات عديدة كانت جزءًا من الحركة الوطنيّة...وانتظرتُ من هذه الكتب أن تقول الحقيقة دون مدح للذات ودون تحميل الآخرين المسؤوليّة عن كلّ خطأ...إلاّ أنّي وجدتُ أغلب هذه الكتب، باستثناء القليل النادر، عبارةً عن مرافعةٍ لتمجيد الذات وتبرئة النفس وتضخيم دور الأنا وإعادة كتابة التاريخ وفق منظور شخصيّ لا أثر للموضوعيّة فيه...
بل إنّي كثيرًا ما تمنّيت أن أقرأ في هذه الكتب اعترافًا بخطإ أو اعتذارًا عن عثرة...ولكن هيهات...حتى لكأنّنا أمام أبطال معصومين، ناضلوا من أجل مصلحة الآخرين فحسب، ولم تكن لهم مصلحةٌ شخصيّة في شيء...وهم الذين تسبّبوا في كلّ ما تحقّق من إيجابيّات، أمّا السلبيّات والخيارات الخاطئة أو الكارثيّة فهم منها أبرياء براءة الذئب من دم يوسف، لكنّها نسبت إليهم تحاملاً أو ظلمًا أو رغبة في تشويه صفحتهم البيضاء الناصعة!!
أمّا في هذا الكتاب فنحن أمام مناضل لا يجعل من نضاله أمرًا خارقًا يستحقّ عليه التمجيد والتطويب، ولا يبحث لنفسه عن بطولة خارج إنسانيّته بما تعنيه من ضعف وأخطاء وعثرات...وهو لا يتوّرع عن الاعتراف بأنّه أخطأ في هذا الأمر أو ذاك...ولعلّ هذه الميزة ما كانت لتظهر لولا تأصّلها في طبع صاحبها، ولولا الثقة التي عرف المُحاوِر كيف يجعلها جسرًا بينه وبين صاحب السيرة.
ممّا ينبّهنا إلى أنّ قيمة هذه الكتاب ليست في مضمونه فحسب...بل هي في ماهيّته أيضًا بوصفه كتابًا يقف وراءه مؤلّف...فقد أجاد نورالدين بالطيبّ إدارة الحوار ثمّ أجاد تحويله إلى مكتوب، بعد أن أعدّ له العدّة اللازمة من توثيق وتخطيط...وقد مكّنه كلّ ذلك من توليد الأسئلة واستدراج صاحب السيرة إلى الكشف عن العديد من المعلومات المثيرة، مثل تلك التي تتعلّق بكواليس حرب فلسطين، وتلك التي تسلّط أضواء جديدة على عدد من رموز الصراع البورقيبيّ اليوسفيّ، وتلك التي تطرح بشكل غير مباشر أسئلة معركة بنزرت المكبوتة: ما حقيقة عدد ضحاياها؟ وهل أديرت بالشكل المطلوب؟ وهل كانت ضروريّة حقًّا؟
وقد عرف المُحاورُ كيف يصوغ كلّ ذلك بمهنيّة الصحفيّ ومهارة الكاتب، فحضر بحساب وانسحب بحساب، تاركًا لصاحب السيرة أن يقترب منّا بلغته وأسلوبه وسرديّته الخاصّة...فإذا نحن أمام نصّ متوازن، لا يطغى فيه أحد الطرفين على الآخر، ولا تنهزم العبارة فيه أمام المعلومة، ولا يتناقض فيه التاريخ الجماعيّ مع السيرة الشخصيّة.
كتاب شيّق مفيد، يسلّط الضوء على مغامرة إنسانيّة ثريّة، ويُقدّم لنا وجهة نظر عن مرحلة هامّة من مراحل تاريخ بلادنا، ويُضاف إلى تلك النوعيّة من الكتب التي تزايد عددها في السنوات الأخيرة، لكنّنا نظلّ في حاجة إلى المزيد منها، انطلاقًا من أنّ فهمَ حاضرنا مشروط بفهم ماضينا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.