تونس الشروق إعداد محمد علي خليفة بدت الأجواء السياسية المخيّمة على مسار المفاوضات غير المباشرة أو ما سمّي «مفاوضات التقريب» بين الفلسطينيين والاسرائيليين تنبئ بالمآلات السلبية التي انتهت اليها حتى الآن الجولات المكوكية للمبعوث الامريكي الى المنطقة السيناتور جورج ميتشل وبعودة الامور الى نقطة الصفر او ربّما الى ما دون ذلك بسبب سلسلة المناورات التي تقوم بها حكومة بنيامين نتنياهو بهدف اغراق المفاوضات في تفاصيل لا علاقة لها بجوهر العملية التفاوضية وتجنب البحث في القضايا الاساسية. فقد عملت حكومة الاحتلال منذ توليها السلطة وخصوصا طوال الشهرين الماضيين من عمر «مفاوضات التقريب» على طرح تفاصيل من شأنها أن تغلق طريق الحل السياسي الحقيقي بسلسلة من الممارسات السياسية والأمنية والاستيطانية على الأرض واقفال فُرص الانتقال من المفاوضات غير المباشرة الى المفاوضات المباشرة التي تنادي بها حكومة نتنياهو ليلا نهارا. تهويد... وتهديد كما عملت هذه الحكومة على طرح أولوياتها والتركيز عليها، كالعلاقات الاقتصادية مع الجانب الفلسطيني اضافة الى مسألة المياه والمطالب الامنية الاسرائيلية المتعلّقة بالتنسيق المشترك الذي نسعى الى توطيده كما تشاء. وعملت حكومة الاحتلال ايضا على اتخاذ خطوات استفزازية من خلال طرح مناقصات وعرض برامج لتوسيع المستوطنات في مدينة القدس واستتبعت ذلك بقرارها الجائر بطرد أربعة نواب مقدسيين. وقد كشف أحد هؤلاء النواب محمّد طوطح عن وجود خطط وقوانين متتالية يُصدرها الاحتلال لتهويد مدينة القدس وافراغها من أهلها، وهذه القوانين تعني أن يضع الاحتلال يده على أراض وأملاكا المقدسيين وتحويلها الى الجمعيات الاستيطانية بعد أن يتم طرد أهلها من بيوتهم. طوطح أكّد أن هناك ربطا وثيقا بين قرار ما يسمّى بالولاء لدولة الاحتلال والقرار الذي تناقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية والذي ينصّ على مصادرة أملاك الغائبين في المدينة المقدّسة، ووجّه في هذا السباق نداء الى السلط الفلسطينية لوقف المفاوضات بشقيها المباشر وغير المباشر لأنها حسب قوله لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الخراب والدمار وطالبها بوقف التنسيق الامني مع الاحتلال والتوجّه فورا الى المصالحة الوطنية وفي ذلك إدراك لخطورة هذا القرار وغيره من الاجراءات الاسرائيلية التعسفية وانعكاساته على نضالات الشعب الفلسطيني ومساعيه من أجل بناء دولته المستقلّة. ولم تكتف حكومة الاحتلال بذلك بل جدّدت طرح فكرة التبادل السكاني مع السلطة الفلسطينية ونقل «أراض فارغة من السكان في النقب ومناطق مأهولة بالسكان في المثلث الى السلطة الفلسطينية عوضا عن المستوطنات والقدس التي ستؤول الى السيادة الاسرائيلية وفق المنظور التفاوضي لحكومة نتنياهو، وطبعا مع تجنّب تقديم مواقف واضحة بشأن حدود الدولة الفلسطينية باعتبارها العنوان الاساسي للعملية التفاوضية المرجوّة وفق مرجعية الشرعية الدولية وجهود التسوية السياسية. وقد كان مخطّط تهويد القدس هو العنوان الرئيسي للاستراتيجية الاسرائيلية في الالتفاف على مطالب الشعب الفلسطيني ونسف جهود السلام، فقد قطع المشروع الصهيوني في تهويد القدس بأرضها وسكّانها وتمكنت سلطات الاحتلال من فرض عدّة حقائق على الأرض، وحسب توقعات مخطط 2020 لتهويد القدس فسيكون عدد سكان المدينة 690 ألف مستوطن ليرتفع هذا الرقم في السنوات اللاحقة الى 900 ألف مستوطن. وكشف مراقبون ان اسرائيل تريد من خلال هذا المخطط ان تفتح حدود القدس الكبرى عبر مرحلة جديدة تبدأ من 2020 الى 2030 لتحقيق التفوق الديمغرافي في المدينة المقدّسة وابتلاعها بشكل كامل. وجميع هذه المخططات تتعارض تماما مع الجهود الرامية الى تحقيق السلام بل انها تنسف جهود بناء الثقة التي تتطلّبها المرحلة الحالية من المفاوضات غير المباشرة حتى يتسنى للطرفين بعد ذلك الانتقال الى المفاوضات المباشرة والى طرح القضايا المصيرية على طاولة المباحثات. خدعة أمريكية ومن المعروف ان «المفاوضات غير المباشرة» هي اقتراح أمريكي صرف، بل سماها البعض في الإدارة الأمريكية «مفاوضات التقارب»، ولمدة أربعة أشهر بوجود وسيط أمريكي، تبدأ بعدها «مفاوضات مباشرة بين الطرفين محددة بسقف زمني وبآليات تنفيذ متفق عليها»، وهو ما اعتبره غالبية المراقبين بمثابة محاولة للهروب من مطلب وقف عمليات الاستيطان والتهويد، وهو ما حصل عملياً. فالمفاوضات غير المباشرة، وبالشروط التي وضعت من الطرف الأمريكي، جعلت الطرف الفلسطيني أضعف حتى مما كان عليه الحال في المفاوضات المباشرة، خصوصاً مع غياب الأطراف الدولية المؤثرة عن متابعة ما يدور داخلها وفي كواليسها. فالمفاوضات غير المباشرة المطروحة الآن، توفر غطاء تكتيكياً يخدم الهدف الاستراتيجي للطرف المعادي في ظل غياب الخيارات المجدية من جانب العرب والفلسطينيين. ومن هنا، فإن الرد الفلسطيني المطلوب على الرؤية الأمريكية الإسرائيلية سواء المطروحة على طاولة المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، يفترض به السير باتجاه إعادة صياغة المشروع الوطني، وما تحمله تلك الصياغة من رد على كل ما تتعرض له القضية الفلسطينية، وبما تتطلبه من عودة الى الثوابت والمنطلقات التي حكمت انطلاقة الحركة الوطنية الفلسطينية في بواكير مواجهتها للاستعمار الاستيطاني للأرض الفلسطينية، وبالتالي العودة لبناء الوحدة الوطنية باعتبارها شرطاً لا بد منه لانتصار المشروع الوطني الفلسطيني. قيادي فلسطيني ل«الشروق»: المفاوضات لم توقف مخططات التهويد أجرى الحوار: عبد الرؤوف بالي تونس (الشروق) : اعتبر الأستاذ توفيق الطيراوي القيادي في حركة «فتح» أن العودة الى المفاوضات غير المباشرة لم تؤثر في مخططات تهويد القدس من استيطان وتهجير للفلسطينيين، لأنها لم تتوقف أصلا زمن المفاوضات، وأن سلطات الاحتلال لم تلتزم بما أعلنته من وقف للبناء الاستيطاني وخاصة في القدس. وأشار الأستاذ الطيراوي في حديث مع «الشروق» الى أن الفلسطينيين متمسّكون بعدم العودة الى المفاوضات المباشرة إلا إذا ما تمّ الاعتراف بمرجعية المفاوضات ووقف الاستيطان بشكل فعلي اضافة الى حصول تقدم في مسألتي اللاجئين والحدود. ونفى القيادي الفتحاوي أية امكانية لتنازل السلطة الفلسطينية عن هذه الشروط معتبرا أن الوسيط الأمريكي لا يملك إلا الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وفي ما يلي نصّ الحوار: كيف تقيمون وتيرة تطبيق مخططات تهويد القدس زمن المفاوضات غير المباشرة؟ أولا موضوع القدس هو موضوع مستمر وعدد المستوطنات والمستوطنين في ارتفاع مستمر منذ زمن، ولا علاقة لها بالمفاوضات المباشرة وغير المباشرة. وكان هناك قرار اتخذته منظمة التحرير الفلسطينية يقضي بعدم العودة الى المفاوضات إلا بوقف الاستيطان، وبقي الموقف الفلسطيني صلبا الى أن ادّعت اسرائيل أنها أوقفت الاستيطان فجاء قرار العودة الى المفاوضات غير المباشرة. الآن هناك ضغط باتجاه العودة لكننا نقول إنه مادام هناك بناء استيطاني وهدم للبيوت الفلسطينية وتهجير للفلسطينيين واعتداء على حقوقهم التاريخية وزيادة عدد الحواجز وغيرها من الانتهاكات الاسرائيلية في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية، اضافة الى رفض مرجعية التفاوض، لن نذهب الى المفاوضات. يجب أيضا أن نفهم أن اسرائيل هي دولة احتلال وليست دولة صديقة فهي تحتل وتهود. ألا ترون أن وتيرة البناء الاستيطاني قد تسارعت زمن المفاوضات غير المباشرة؟ لا لم تزد لأنها أصلا لم تتوقف فهي مخططات يتمّ تطبيقها منذ عشرات السنين. الى أيّ مدى التزمت السلطة الفلسطينية بشروط منظمة التحرير للعودة الى المفاوضات؟ نحن لم نذهب الى المفاوضات المباشرة، وحتى غير المباشرة هي غير موجودة، فهي لم تصل الى أيّ فعل حقيقي وبالتالي لن نذهب مادام ليس هناك تقدم. المفاوضات غير المباشرة لم تجر أصلا لأن اسرائيل ترفض تطبيق أي بند من خارطة الطريق. كلما عاد المبعوث الأمريكي الى المنطقة، إلا وتسارع أمريكا قبل مغادرته الى التبشير بتحقيق تقدّم، فكيف تفسّرون ذلك؟ أمريكا تقول ما تريد، هي تريد أن تعطي صورة للشعب الأمريكي أنها قادرة على التحرّك في القضية، لكن ذلك مجرد دعاية انتخابية لا تعنينا نحن الفلسطينيون في شيء. نحن ما يعنينا هو أنه ليس هناك تقدّم ولا في أwwي شيء على مستوى الوضع بيننا نحن والاسرائيليون، وبالتالي تظلّ التصريحات الأمريكية مجرد كلام للاستهلاك الانتخابي. هل يمكن أن تقيم لنا الدور العربي سواء في مسألة القدس أو المفاوضات؟ العرب عندهم قوة كبيرة لكنها ليست موحدة وغير مستغلة، ولو كان الوضع كذلك أي هناك وحدة عربية وإرادة موحدة، لأمكن استغلالها في حل القضية الفلسطينية وقضايا العرب جميعا. وفي اتجاه آخر أن كل من اتخذ موقفا قويا في مساندة الفلسطينيين، تخلق له أمريكا مشاكل.. وهذه التهديدات تجعل البعض متردّدين في مستوى مواقفهم. ما هي الضمانات التي يمكن أن تعيد الفلسطينيين الى المفاوضات المباشرة؟ أولا: الضمانات التي يمكن أن نعود على قاعدتها الى المفاوضات المباشرة واضحة وثابتة وهي أولا أن تعترف اسرائيل بمرجعية المفاوضات وهي حدود جوان 1967. ثانيا: على الاحتلال أن يوقف البناء الاستيطاني بشكل فعلي. ثالثا: لا بدّ من حصول تقدم على مساري اللاجئين والحدود. هذه استحقاقات خارطة الطريق وهذا ما كان موجودا قبل توقّف المفاوضات. هل يمكن أن يعود الفلسطينيون الى المفاوضات المباشرة دون أخذ ضمانات مكتوبة حول هذه الشروط خاصة وأن الأمريكان سبق أن قدموا ضمانات شفوية قبل العودة الى المفاوضات غير المباشرة ولم يتحقق منها شيء؟ الأمريكان يعطون دائما الكلام وإذا كانوا قادرين على إعطائنا هذا الكلام مكتوبا يا حبّذا، لكن لا أريد أن أقول انهم غير قادرين على ذلك، لكن الكلام الأمريكي لا يسمن ولا يغني من جوع.. الأمريكان في الوقت الراهن لا يستطيعون اعطاءنا أي شيء ونحن لن نعود الى المفاوضات دون ذلك.