وائل نوار: "الرد على المشككين في خروج أسطول الصمود لم يستغرق سوى 5 دقائق"    عاجل/ بالأرقام: تراجع ملحوظ في حالات الزواج والولادات بتونس    عاجل/ البعثة التونسية الدائمة بجنيف تُدين الاعتداء الاسرائيلي على قطر    بطولة العالم للكرة الطائرة أكابر: فوز الفيليبين على مصر 3-1    كرة اليد: صبحي صيود مدربا جديدا لنسر طبلبة    حالة الطقس هذه الليلة..    وفاة العرّاف "سحتوت" بمبيد حشري: النيابة العمومية تتدخّل.. #خبر_عاجل    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    الكمبيالات تفوّت الشيكات: استعمالها يرتفع ب155٪...هاو علاش    قرى "آس أو آس" تجمع تبرعات بقيمة 3 ملايين دينار.. #خبر_عاجل    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على اليمن    عاجل/ الصيدليات الخاصة توقف العمل بهذه الصيغة    اتفاق تونسي–سعودي لتسهيل إجراءات العمرة والزيارة للتونسيين    دورة سانت تروبي للتحدي للتنس: معز الشرقي يتاهل الى الدور الثاني    نقابة الصحفيين تطالب البرلمان بالإسراع في تنقيح المرسوم 54    القيروان : وفاة شيخ يعاني من إعاقة بصرية تناول مبيدا حشريا على وجه الخطأ    غار الدماء: امرأة تُضرم النار في جسدها داخل معهد    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    عاجل: دوري الأبطال يتغيّر.. شنوة التغيير الجديد؟    ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يدينون الاجتياح البري لغزة    الرئيس الفنزويلي يتهم واشنطن بالإعداد لعدوان عسكري على البلاد    عاجل/ انفجار يهز غرب باكستان..وهذه حصيلة الضحايا..    غزة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف وروبيو يعطي "مهلة قصيرة" لحماس لقبول اتفاق    وزارة المرأة تنتدب    عاجل - يهم التوانسة : التمديد في الصولد الصيفي    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    شنوّا تعمل البنوك بفلوسك؟    لمحبي الرياضة : تعرف على الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد ومارسيليا    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    هشاشة الأظافر: مشكلة جمالية أم مؤشر صحي خطير؟    خطر كبير على ذاكرة صغارنا: الوجبات السريعة تدمّر المخ وتسبّب ضعف الذاكرة!    ال'' Vape'' في الكرهبة: خطر كبير على السواق والركاب...علاش؟    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    الزهروني: يتسلح بسكين ويطعن المارة والامن في الموعد    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    تصفيات كأس العالم لكرة القدم فتيات U20 : تونس تستضيف غانا بملعب صفاقس يوم 20 سبتمبر    محرز الغنوشي يبشر التونسيين:''جاي الخير وبرشة خير''    علاش تمّ إيقاف العمل بإجراء تمديد عقود الCIVP؟    برنامج المباريات والنقل التلفزي للجولة السادسة.. كل التفاصيل هنا    نيران تلتهم الهشيم بزغوان.. 1000 متر مربع من الغابة تضرروا...شصار؟    سحتوت ''العراف'' ...يتوفى بمبيد الحشرات في بوحجلة...شنوا حكايتوا ؟    ترامب يطلب تعويضا خياليا عن "كذب" بحقه    أعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين    الكوتش وليد زليلة يكتب...حتى تكون العودة المدرسية رحلة آمنة لا صدمة صامتة؟    همسات من قوافي الوطن...إصدار جديد للمربي توفيق الجباري    تراجع في عائدات تصدير زيت الزيتون رغم زيادة في الكمية…    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    الرابطة الأولى: البرنامج الجديد لمواجهات الجولة السادسة ذهابا    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    اختتام الأسبوع الأول من مهرجان سينما جات بطبرقة    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجدار العالي وخصوصيات الكتابة التراثية عند إبراهيم درغوثي (3)
نشر في الشروق يوم 05 - 08 - 2010

قد يبدو من خلال ما تقدم أنّنا أطنبنا اعتباطا ودونما سابق تخطيط في تحديد مختلف الوشائج والعلاقات التي تجمع نص «الجدار العالي» بفن الخبر في مستوى الإسناد القديم, ولكن غايتنا من كل ذلك منهجية وهي التنبيه إلى أن هذه الأقصوصة تكتسب أهميتها من هذه المجاوزة الطريفة التي خرق فيها الدرغوثي قاعدة الإسناد في الخبر وخرج فيه عن المألوف لا بغاية الانسلاخ عن المأثور من فنون القول والتنكر لبلاغة المنطوق الشفوي وإنما إعادة إنتاجه وفق رؤية تجريبية تهدف إلى خلق شكل فني جديد للقصة القصيرة في تونس.
ولا تخلو «الجدار العالي» من متعالقات وتناصات أخرى مع فن الخبر في مستويات فنية تختصّ بها بنية الخبر ومنها:
1-2 مستوى تعدد الروايات:
عمد الكاتب في أقصوصته إلى ظاهرة تعدد الروايات بالاستناد إلى تعدد الرواة وتغير مقاماتهم بين تابع ومتبوع -كما سبق واشرنا إليه آنفا- لتقديم شخصية بطله التي يدور حولها السرد، فكانت المواقف التي تعرض لها الشاب منقولة عن إبراهيم الكاتب تارة و عن السارد التابع طورا وعنهما معا تارات أخرى.كما توافقت شخصية بطل الأقصوصة مع خصوصيات فن الخبر باعتبارها شخصية إشكالية متعددة الوجوه، مضطربة السلوك والفكر، متناقضة مع ذاتها ومع العالم المحيط بها، ذلك العالم الذي جعلها الدرغوثي تضيع داخل حدوده فصورها في استبطان نفسي دقيق مرتبكة، يوحي فيه ارتباكها بالحالة النفسية التي كانت عليها وهي بصدد التقدم نحو الصف الممتد جانب الجدار العالي وقد خيل إليها أنها حيوانا من جنس القردة:
1-3 في مستوى الحكاية:
يؤلف متن الخبر عادة حكاية توجه إلى ذهن المتلقي، أي إن ما يقدم من معلومات كثيرا ما ينتظم ضمن إطار قصصي يتألف من أحداث، ذلك إن الخبر في حد ذاته ليس وصفا تسجيليا جافا لوقائع تاريخية فحسب،إنما هو عرض لمشهد كامل يخص شخصية أو أكثر، فنشوار المحاضرة للتنوخي على سبيل المثال لا يخلو من مجموعة قصص خبرية يمهد لها بأطر زمنية ومكانية تحكمها حبكة قصصية متميزة استلهمها إبراهيم درغوثي ليقص على قارئه حكاية قصيرة مشوقة تتسارع أحداثها إلى درجة تتلاشى فيها الحدود بين الأنواع الأدبية وتنزاح فيها الشروط لصالح الكتابة التجريبية المبشرة بسرد طلائعي هادف نادى به عزالدين المدني في بدايات تجربته الابدعية رافعا شعارا مفاده أن الكتابة يجب أن تنبع من ذات منشئها وتعبر عن رؤاه وهواجسه لحظة الإبداع النصي وهو ما قد يفسر سبب إهداء الدرغوثي أقصوصة الجدار العالي إليه ليؤكد نجاعة رؤيته في كتابة القصة التجريبية.
1- 4 في مستوى الإيجاز والتكثيف:
يقوم فن الخبر على الإيجاز والتكثيف والتلميح،وهذا ما يتناسب والسرد الحديث الذي يميل بدوره إلى الإيجاز والابتعاد عن الاستطراد .وقد عبرت الأخبار المتشظية في ظاهرها والمتحدة في باطنها في الجدار العالي عن الشخصية بشكل موجز ومكثف جعلها تتخبط بين رؤى الكاتب وسرد التابع في مواقف محرجة لا علم لها بها سوى أنها شخصية ورقية يشكلها خالقها كيفما شاء ومتى شاء فبدت غير عارفة بوضعها القصصي مرتبكة في حضورها،متوترة، لا تتعدى أفعالها سطور النص القصصي.فإحداث الأقصوصة إذا ما جمعناها لا تتعدى الصفحة أو الصفحتين وكل ما تبقى يعد نهجا جديدا في كتابة القصة القصيرة تنصهر فنياته ضمن بنية الخبر وأساليب نقله وروايته.
2- الجدار العالي وفن المقامة:
يرجع ظهور المقامة بوصفها نصّا سرديّا قصصيّا إلى القرن الرّابع الهجري. ويرى «عبد الله إبراهيم» أنّ «الهزّة الخفيفة الّتي تعرّضت لها بنية الخبر التّقليدي في القرن الرّابع الهجري، المؤلّفة من الإسناد والمتن، مهّدت لظهور فنّ المقامة، إذ أنّ تحطيم بنية الخبر من خلال التّخلّي عن الدّقة في الإسناد جعل الخبر، «لا يحيل على واقعة تاريخيّة قدر عنايته بالإحالة على واقعة فنيّة متخيّلة»1
يعني ما تقدّم، أنّ المقامة تطوّرت عن فنّ الخبر التّقليدي عبر تحطيم البنية التّي يقوم عليها الخبر والمؤلّفة من إسناد ومتن حقيقيين، واستبدالهما بإسناد ومتن متخيّلين. وقد اختلف النّقّاد في العصر الحديث حول فنّيّة المقامة، وانقسموا إلى قسمين: أوّلهما اعتبر المقامة قصّة فنّيّة، واستدّل على ذلك بأسبقيّة العرب إلى معرفة فنّ القصّة. وثانيهما رأى أنّ المقامة لا ترقى إلى مستوى القصّة الفنيّة، وإنّما هي «حديث بليغ. أمّا «عبد الملك مرتاض»، فقد اتخذّ موقفا وسطا بين الموقفين السّابقين، مبرزا «أنّ التّعصّب للمقامة إلى حدّ اعتبارها قصّة فنيّة هو ظلم للقصّة وللمقامة معا.»2،وأنّ المقامة ليست «إلاّ جنسا أدبيّا، يتّخذّ الشّكل السّرديّ نسيجا له، ومن الشّخصيّات المكرورة الوجوه، والمختلفة الأدوار والطّريفة الطباع أساسا له1.»3 ولعّل السؤال الّذي يطرح نفسه في هذا المقام ما الّذي يجعل المقامة قريبة من القصّة الفنّيّة ؟ أو بعبارة أخرى ما الذي يحقّق للجدار العالي فنيتها الحديثة في حضور المقامة الهمذانية التليدة ؟
٭ يتبع
1 إبراهيم (عبد الله)، «السرديّة العربيّة» ،المركز الثّقافي العربي، بيروت، لبنان،ص: 176.
2 مرتاض (عبد الملك)،» فنّ المقامات في الأدب العربي «، ط1، الدّار التونسيّة، 1988، ص: 473.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.