هل سيكون علينا ان ننتظر خمسا وستين عاما كي ياتي سفير امريكي ليشارك في ذكرى المجازر العراقية؟ وما الفائدة طالما أنه جاء ليصلي لكل الضحايا بمن فيهم الجندي الذي اغتصب وقتل عبير الجنابي وعناصر الموساد التي دخلت في عباءة الامريكيين؟ بل وما الفائدة اذا ما لم تكن الصلاة مترافقة مع اي اعتذار وبالتالي تعويضات؟ اسئلة تدفع الى البال مشاركة السفير الامريكي ومعه سفراء الحلفاء (في الحرب العالمية الثانية) في ذكرى كارثتي هيروشيما وناكازاكي. خمس وستون عاما، مرت على تلك الجريمة البشعة، عمر كهولة اكلت الطفولة والشباب، واكلت معها ارواح ربع مليون انسان، وبقاء ربع مليون اخر في دائرة عذاب اين منه الموت. خمس وستون عاما قبل ان ياتي حفيد الطيار الذي افنى مدينتين كاملتين بكبسة زر،وحفيد السياسيين الذين اخذواباعصاب باردة، قرار باحراق نصف مليون انسان في لحظة واحدة. ولماذا؟ لا لشيء الا لشهوة الانتقام والدم. وذلك بشهادة الرئيس الامريكي ايزنهاور الذي كتب، في مذكراته، ان ضرب هيروشيما وناكازاكي لم يكن له اي معنى ولا اية فائدة، لان الجيش الامبراطوري الياباني كان قد هزم وانتهى الامر. لن ياتي سفير واشنطن ليعتذر من اليابانيين، ولا يبدو انه ومن وراءه قد قرأ تلك المذكرات او انها تعني له شيئا. لن تعتذر الولاياتالمتحدة، لا عن قتل من قتل فورا، ولا عن اخفائها طيلة عقود اسرار القنبلة النووية التي استعملت واثارها على من ظلوا احياء، مما حال دون امكانية علاجهم جسديا، كما عاشوا ألما نفسيا اشد صعوبة وهو ان اعتقاد الناس من حولهم بأن حروقهم قد تكون معدية ادى الى عزلهم اجتماعيا، بما في ذلك حرمانهم من اية فرصة للعمل او للحياة الطبيعية. لم تعتذر واشنطن يوما عن ذلك، ولن يعتذر سفيرها لدى اليابان، بل انه رفض ان يصلي لارواح الشهداء واعلن انه سيصلي لذكرى جميع ضحايا الحرب العالمية الثانية دون تمييز. بين ضحايا هذه الحرب سكان مدينة درسدن الالمانية، التي ابادتها جيوش الحلفاء بعد استسلام المانيا النازية وانتحار قادتها. لماذا؟ لا لشيء الا لتنفيس الحقد، فدرسدن لم تقاوم ولم يكن فيها الا المدنيون. لكن تشرشل قال عبارته الشهيرة خلال الحرب : الالماني الجيد هو الالماني الميت. لكن بين ضحايا الحرب العالمية، حفنة (بالمقارنة مع عشرات الملايين الذين قضت عليهم)، لهم وحدهم، لازمة قصيدة الاعتذار والتعويض والاستعداد الدائم للاستجابة للابتزاز، واحتكار المصطلحات. فالمحرقة كلمة احتكرها اليهود منذ الاربعينات، ولم نسمع يوما ان ما جرى في هيروشيما وناكازاكي اللتين احرقتهما فعلا قنابل نووية، هو محرقة. لم يتجرا احد على مطالبة الولاياتالمتحدة بتعويضات، ولا على تشريع القوانين التي تدينها، ولا على رسمها بشكل شيطاني مخيف، لا ولا اجبارها على الاقل على الاعتراف بجريمتها. ولماذا تعترف هي التي ابادت اربعين مليون هندي احمر بدون مقاومة لتحل محلهم وتقيم دولة ايديولوجية المنفعة، التي تبيح كل شيء؟ وبما اننا لسنا مطالبين بالمطالبة بحقوق اليابان، لا ولا بالدفاع عن خضوع اوروبا لعقدة ذنب مفبركة، فاننا نظل مسؤولين عما نابنا نحن. عن تبرع اوروبا بدفع كل التعويضات بثمن ارضنا ودمائنا، وهذا ما لم ينحسر بعد الى ذاكرة التاريخ المنقضي بل انه حار وطازج في ذاكرة كل حدث وكل لحظة نعيشها. عن المحرقة التي لا تقل عن هيروشيما وناكازاكي، التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة في العراق. علما بان اليابان كانت طرفا في حرب عالمية، كانت الولاياتالمتحدة فيهاعضوا في المعسكر المقابل، بينما لم يكن العراق يحارب امريكا. حتى ولواعتبرته هذه الاخيرة عدوا لها لانه عضو في المعسكر المعادي لاسرائيل. لذلك لن تعتذر واشنطن لارواح ضحاياها، كما لن تعتذر اسرائيل لارواح قانا او دير ياسين او مخيم جنين، مثلا. لن تعتذر ببساطة لانها القوية والمنتصرة. ولذا فستضطر لان تفعل اذا اختل هذا الميزان فقط.