بريطانيا لا سامية ...تصوروا ذلك ..بريطانيا التي صدر منها وعد بلفور المشؤوم في نوفمبر 1917 والتي كانت فلسطين تحت انتدابها والتي سلمت فلسطين للصهيونية العالمية .. لم يتردد الدهقان العجوز شمعون بيريز في إلصاق تهمة اللاسامية برئيس حكومتها لمجرد انتقاده لبعض السياسات الحالية للكيان الصهيوني.. واللاسامية تهمة اصبحت في هذا العصرصفة دونها الزندقة والكفر..والسامية واللاسامية مفردتان من نسج خيال اليهود في السابق وهما حاليا صناعتان صهيونيتان بكل ما تحملانه من مغالطات هي في الحقيقة سمة من سمات هؤلاء القوم على مر الزمان. فالسامية نشأت من التوراة ..وبالطبع ليست التوراة التي نزلت على نبي الله موسى عليه السلام فتلك اخفيت وابيدت وحلت محلها «توراة» اخرى كتبها احبار يهود بايديهم وقالوا انها من عند الله وهي ليست من عند الله ... هذه التوراة المكتوبة التي وافقت الشرائع الاخرى في القول بان البشرية كلها من نسل سيدنا نوح عليه السلام بعدما اغرق الطوفان كل من لم يكن معه في السفينة بمن فيهم ابنه ، قالت ان كل من خلق من بعد الطوفان هم نسل اولاد ثلاثة لسيدنا نوح ولا احد سواهم ...فيما يحدثنا القرآن الكريم عن ذرية من كانوا مع نوح («قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك» وايضا « وممن حملنا مع نوح»).. هؤلاء الاولاد الثلاثة لنوح هم (سام) و(حام) و(يافث).. و(سام) حسب هذه التوراة (الاصحاح العاشر من سفر التكوين)هو الابن البكر واليه تنتمي القبائل التي نزحت من الجزيرة العربية ابتداء من القرن الخامس والثلاثين قبل الميلاد الى ضفتي دجلة والفرات و(حام) هو جد الحاميين وهم الزنوج اساسا و(يافث) جد الاوروبيين وسكان آسيا الوسطى(؟)..وقد اختلطت السبل امامهم في هذا التصنيف حيث جعلوا الكنعانيين مثلا (حاميين) بينما هم ينتمون الى ذرية (سام) اذا ما صح تصنيفهم نفسه ... وبالطبع عد اليهود انفسهم من ذرية سام أي ساميين واعترفوا في البداية بهذا النسب ايضا للعرب وللفرس والاشوريين وهم الجيل التاسع لسلالة «سام» وابناء سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام( اليهود ابناء اسحاق والعرب ابناء اسماعيل). اما مصطلح (اللاسامية) أي معاداة الساميين فقد ابتدعه لاول مرة مفكر يهودي نمساوي اسمه «موريس شتانشنايدر»(Moritz Steinchneider) عام 1860 لكن التسمية ظلت متروكة الى عام 1873 حيث استخدمها صحافي الماني يهودي اسمه «ولهالم مار» (Wilhelm Marr) في كتيب أعطاه عنوان «انتصار اليهودية على الالمانية» ثم اصبح متداولا بعد انشائه جمعية سماها (رابطة المعادين للسامية) وتعني محاربة اليهود الذين الصقت بهم وقتها شتى النعوت القبيحة حيث كان ذلك عام 1879 أي بعد الحرب بين فرنسا وبروسيا التي تسببت في افلاس الكثير من الالمان وتحميل اليهود المسؤولية..واذا كان هذا الصحافي الالماني قد قصد بالساميين اليهود فقط فان مؤرخين ومفكرين جاؤوا بعده صححوا التسمية فأكدوا ان هناك فرقا بين معاداة اليهودية او اللايهودية (اليودو- فوبيا) وبين معاداة السامية التي تتسع للامم السامية الاخرى. ومرت الايام وطلع نجم الصهيونية وليصبح الصهاينة الاكثر اموالا والاكثر نفيرا ولتبدأ بل تتسع حملة منظمة لتغيير المفاهيم ليس فقط ذات العلاقة بالعنصر بل شملت كل مناحي الحياة مثل (شعب الله المختار وارض الميعاد والدفاع عن النفس ضد الارهاب بالقتل المسبق الخ...)..ونشط منظرو الحركة الصهيونية العالمية في قلب المفاهيم وتمرير الجديدة منها ..وركزوا على (اللاسامية) مع حصرها في معاداة اليهود بل معاداة اسرائيل وقالوا ان انتشار اللاسامية هو الذي دفع اليهود الى انشاء الحركة الصهيونية والبحث عن وطن يقيهم الاضطهاد بل العودة الى الارض التي وعدهم بها الله ..بل منذ مستهل القرن التاسع عشر عملوا على تحويل السامية الى عقيدة لمنع انصهار اليهود في المجتمعات الغربية وذهبوا الى حد الترويج بأن كراهية الشعوب لليهود مسألة نفسية, وإن اللاسامية مرض لا يمكن علاجه لأنه ينتقل من الأب إلى الابن ثم جاء هرتزل ليقول إن اللاسامية أعادت القوة إلى اليهود, وإنها مفيدة للحركة الصهيونية ولتطوير الفردية اليهودية وبعده اعلن وايزمان ان اللاسامية باقية ما دام اليهود موجودين. ونجحت الحركة الصهيونية في زرع الشك والخوف في نفوس اليهود وكذلك الاستعلاء والغرور ومزاعم التفوق العرقي... وهكذا وبالتدريج تحولت اللاسامية الى اللايهودية ثم استقرت على معاداة اسرائيل أي اللااسرائيلية..ولم يعد هناك كاتب أو مفكر أو صحفي او سياسي يجرؤ على فضح الصهيونية أو إدانتها دون أن يتعرض لتهمة اللاسامية بمن في ذلك العرب «الساميون»...وبمن في ذلك رئيس حكومة بريطانيا التي لولاها لما قامت للصهاينة دولة.