الموقف الذي عبر عنه رئيس الحكومة اللبنانية بضرورة أخذ المحكمة الدولية بالقرائن التي قدمها الأمين العام ل«حزب الله»، هو الموقف المطلوب حتى تأخذ العدالة مجراها ويسحب البساط من تحت اقدام كل الراغبين في تسييس تلك المحكمة المكلفة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، بما يعنيه ذلك من محاولات إحداث الفتنة في لبنان، أو توفير المزيد من الحماية لاسرائيل. وكما قال سعد الحريري، فهو رئيس الحكومة، وهو أيضا «ولي الدم»، أي انه الجهة المعنية أكثر من أي جهة أخرى بمعرفة الحقيقة كاملة في قضية الاغتيال تلك. وموقفه هذا يقطع الطريق امام كل محاولات التهرب من امكانية طرح فرضية ضلوع اسرائيل في عملية الاغتيال، كمسلك جدي يتم البحث فيه. فالمحكمة الدولية جاءت في سياق من «التعاطف» الدولي مع لبنان، ولكن المسار الذي اتبعته لم يخل من التسييس من ناحية أو التحامل من ناحية أخرى (حماية شهود الزور، واتهامات جزافية لسوريا، ومطالب بمثول ضباط سوريين امام التحقيق، والتلميح الى «حزب الله» في ما يسمى بالقرار الظني...) وهي مواقف تلقي بظلال الشك على مدى مصداقية هذه المحكمة. وانفتاح المحكمة كما يريد لها أصحاب الشأن في لبنان، على كل فرضيات التحقيق، لا يخدم الحقيقة او لبنان فقط، انما يخدم التحكيم الدولي خاصة ويعزز الثقة في القضاء الدولي وفي القائمين عليه. فحيادية هذه المحكمة و مهنيتها وموضوعيتها، تفرض عليها التعاطي مع كل الفرضيات المطروحة، كما تفرض عليها خاصة تلافي شبهة محاباة اسرائيل. فهذا الكيان دأب على التصرف باعتباره فوق المساءلة و المحاكمة او حتى الشك. والواجب يحتم على الهيآت الدولية، الحذر ازاء محاولات فرض الامر الواقع الاسرائيلي، باعتبار هذا الكيان «دولة ذات امتياز خاص»، أو توظيف تلك الهيئات في التغطية على اسرائيل وعلى جرائمها. واذا كانت اسرائيل قد نجحت في تدجين الهيآت السياسية الدولية بما توفره لها الولاياتالمتحدةالأمريكية من دعم، فإن الأمل لا يزال معقودا على انتصار الهيآت القضائية الدولية لهيبتها ولقدسية القضاء الذي تتعاطى فيه.