مجلس الشيوخ الأمريكي يصوت لصالح إنهاء الإغلاق الحكومي    الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض    السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة اللبنانية: مجرّد «حرب كلامية»... أم تسخين ل «فتنة مذهبية»؟
نشر في الشروق يوم 22 - 09 - 2010

يعيش لبنان على إيقاع جدل سياسي محتدم بين فريقي الحكم على خلفية موضوع شهود الزور في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وسط أجواء تنذر بعودة لبنان الى المربع الأول خاصة في ضوء تصاعد غير مسبوق في وتيرة الشحن السياسي والمذهبي واستنفار إعلامي من الجانبين..
هذا التشنّج السياسي اللبناني الذي استؤنف في الحقيقة بعد فترة «الهدنة» خلال كامل شهر رمضان ينطوي علي مخاطر جمّة ويبعث على الخوف من مغبة انزلاق الأوضاع الى مستنقع الفتنة التي اكتوى بنارها اللبنانيون خلال السنوات السابقة.. وذلك رغم محاولات الاستقرار التي تدفع باتجاهها بالخصوص الرياض ودمشق ورغم المساعي التي أعادت الى لبنان في الفترة الأخيرة «رشده السياسي» ووضعه الطبيعي من خلال القمة الثلاثية الأخيرة التي احتضنتها بيروت في الأشهر القليلة الماضية وكذلك مؤتمر الدوحة الأخير الذي جاء ليعطي للقوى اللبنانية فرصة جديدة لاستئناف الحوار والتهدئة ولدفن خلافاتهم.. فما إن انتهى شهر رمضان حتى أنهى اللبنانيون صومهم السياسي وعاد السجال السياسي عالي النبرة ليحتل العناوين الرئيسة للصحف اليومية.. كما عادت التصريحات النارية والحرب الكلامية مجددا الى الواجهة باعثة بإشارات حمراء حول احتمالات حدوث انفجار كبير بلبنان.. فهل أن ما يحدث اليوم بهذا البلد يشكل فعلا مقدمة لجولة جديدة من الفوضى والفلتان.. أم أنه مجرد زوبعة في فنجان؟..
شخصيات سياسية وفكرية لبنانية تجيب عن هذا السؤال في هذا العدد الجديد من «الملف السياسي».. ويتحدث ل«الشروق» في هذا العدد السادة:
إعداد: النوري الصّل
السياسي اللبناني كمال شاتيلا: محكمة الحريري«غرفة عمليات» ل «عدوان أطلسي» على لبنان
تونس (الشروق):
وصف الأستاذ كمال شاتيلا، زعيم المؤتمر الشعبي اللبناني في لقاء مع «الشروق» ما يجري في لبنان بأنه عدوان أطلسي يتم شنّه عبر ما نعتها ب«غرفة العمليات» الممثلة في محكمة سعد الحريري..
السيد كمال شاتيلا حذّر الأطراف اللبنانية من مغبة الانجرار الى فتنة مذهبية داعيا الى التحلي بالتهدئة والى معالجة عربية للوضع اللبناني.. وفي ما يلي هذا الحوار:
كيف تقرأون الجدل المتصاعد هذه الأيام في لبنان... ما هي أبعاده وخلفياته برأيكم؟
من وجهة نظري أن لبنان لازال تحت الوصاية الدولية التي ترتكز على حوالي 10 قرارات دولية صدرت عام 2003 وذلك لوضع اليد الأطلسية على لبنان وأبرزها القرار 1559 الذي ينصّ على إلغاء حق مقاومة العدو الصهيوني وتغليب النهج الفيدرالي التقسيمي على حساب لبنان.. نحن لازلنا اليوم نعيش في ظل هذه الأجواء التي يطغى فيها الحديث عن المحكمة الدولية وموضوع الكشف عن قتلة الحريري..
موضوع المحكمة الدولية هذا أية تداعيات يمكن أن تنجرّ عنه على صعيد المناخ السياسي خاصة في ضوء ما ينطوي عليه من شبهات تسييسية.. وفي ضوء ما يجري من «مبارزة إعلامية» بين فريقي الحكم؟
نحن طالبنا منذ البداية بمحكمة عربية تستعين بخبراء دوليين لكن حكومة اللون الواحد حوّلتها الى محكمة دولية وفق الفصل السابع الذي يستبيح سيادة لبنان بشكل كامل.. وقد أنشئت هذه المحكمة دون قرار من مجلس النواب اللبناني حول النظام الذي يحكمها.. وقد ظهر من خلال التحقيقات التي أجريت أن هناك شبهات تسييسية حول المحكمة منها مثلا قضية شهود الزور.. واستبعاد العامل الاسرائيلي كفرضية اتهامية ومنها مثلا ان جون بولتون، عضو الايباك الصهيونية في أمريكا، هو الذي هندس المحكمة.. وقد ظهر تقرير ميليس أنه اعتبر اسرائيل أحد مصادر الحقيقة في المعلومات التي سيكون على أساسها القرار الظني الاتهامي.. هذه الشبهات أدّت الى التباس حول طبيعة المحكمة وصار التفكير الوطني يتجه الى اعتبارها غرفة عمليات لتطبيق القرارات الدولية الخارقة للسيادة اللبنانية والتي ترجمها عدوان تموز في 2006 ومحاولات إعادة تفكيك لبنان على أساس فيدرالي.. كما تمّت إثارة نعرات مذهبية وطائفية..
البعد المذهبي في هذا الملف وإن كان قد نفاه كثيرون فإنه بات حقيقة لا يمكن طمسها في ملامح الواقع اللبناني الناشئ.. ما هو تفسيركم أستاذ كمال لاتجاهات التصعيد هذه في هذا المشهد.. وماذا عن حجمها ومداها؟
أعتقد أن هناك اليوم مسعى غربيا مكشوفا لتحويل المحكمة الدولية الى أداة تسلّط بهدف إثارة الاشكاليات المذهبية في اطار المتابعة الأمريكية لمشروع الشرق الأوسط الكبير.. ونحن طالبنا لهذا الغرض بضرورة أن تسرع الجامعة العربية الى وضع اليد العربية على لبنان لأن مسيرة التدويل أنتجت خرابا في لبنان لذلك لا بد من الحل العربي الذي يظل وحده قادرا على تحييد العامل الأجنبي.. الحل العربي يظلّ هو الخيار الضروري اليوم من أجل إنقاذ لبنان مما يدبّر له..
واضح طبعا أن الصراع في لبنان سياسي لكن هناك أطراف تريد دائما تحويل هذا الصراع الى صراع مذهبي.. هذا في رأيي يعبّر عن ضعف الاتجاه.. جميل السيد اليوم يعتبر نفسه مظلوما لأنه سجن 4 سنوات مع رفاقه فاتّضح في ما بعد أنه بريء لكن السيد أخطأ في الحقيقة حين تهجّم شخصيا على رئيس الحكومة لأن التهجم استخدمه الفريق الآخر كذريعة لتصعيد هجومه.. إذن الموضوع هو في الأصل سياسي لكنهم حوّلوه الى موضوع مذهبي.. وفي لبنان عادة الرئاسات الثلاث التي تعبّر عن السنّة والشيعة والمسيحيين لها حسابات خاصة.
هناك في لبنان من قرأ تحذير «حزب اللّه» من اندلاع «أمّ الفتن» على أنه تهديد ونذير هجوم متقدم وإن كان لا يزال حتى الآن في إطاره السياسي.. هل أن الصورة هي فعلا كذلك من وجهة نظركم؟
لا شكّ أنه ليس من مصلحة المقاومة أن تستدرج الى صراع مذهبي لأن ذلك يلهيها عن مقاومة العدو.. ولكن ما يخشى منه هو أن المناخ السياسي الاعلامي ذا التوتر العالي يسمح للصهاينة بالنفاذ الى الجبهة الداخلية للقيام بعمليات تفجير هنا أو هناك وكذلك الأمر بالنسبة الى التطرّف الديني ولكن أقول ان هناك قوى معتبرة قوية وفاعلة تضع ثقلها لمنع أية صراعات مذهبية.
الوزير اللبناني السابق الدكتور عصام نعمان يكتب: بداية انكشاف المستور... في «مؤامرة شهود الزور»!؟
أدهش سعد الحريري أصدقاءه وأعداءه على السواء بتصريحاته الأخيرة.
الجديد في تصريحات الحريري قوله «ان كثيرين حكوا عن موضوع شهود الزور. هناك أشخاص ضللوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان، وألحقوا الأذى بنا كعائلة الرئيس الشهيد. لقد خربوا العلاقة بين البلدين وسيّسوا الاغتيال. ونحن في لبنان، نتعامل مع الأمر قضائيا».
كان الحريري وحلفاؤه قد رفضوا طيلة السنوات الخمس الماضية الاقرار بوجود شهود زور وبالتالي رفضوا التحقيق مع الموقوفين منهم. فجأة، ومن دون مقدمات أقرّ الحريري بوجود هؤلاء وأدان فعلتهم، لكنه لم يدعُ الى التحقيق معهم. لماذا؟
ثمة تفسيرات عدّة. أولها، أنه ما زال يعارض ذلك لأن من شأنه المسّ بشخصيات من أعضاء فريقه أو من حلفائه. ثانيها، أنه يأمل أن تأتي ملاحقة هؤلاء والتحقيق معهم من طرف وزير العدل والمدعي العام لدى محكمة التمييز، فيتفادى احراج نفسه أمام فريقه وحلفائه. ثالثها، أن الأمر ربما ينطوي على صفقة قد تفضي، بشكل أو بآخر، الى انهاء مهمة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فلا تبقى ثمة حاجة للتحقيق مع شهود زور ولا لمن يحققون ويشهدون.
كل هذه الاحتمالات واردة في الساحة اللبنانية. كل شيء قابل للتغيير والتبديل في هذا البلد الغريب العجيب، ولا يبقى الاّ وجه ربك ذو الجلال والاكرام .
مع ذلك يمكن التساؤل: الى أين سيذهب الحريري من هنا؟
يقتضي التنبّه، أولا، الى أن الحريري تخلّى عمليا عن ذلك الجناح من فريقه وحلفائه الذي كان يسعى دائما الى اتهام سوريا و«حزب الله» وتحميلهما مسؤولية اغتيال الرئيس رفيق الحريري رغم علمه أن لا علاقة لهما بذلك. هؤلاء متضررون فعلا من موقف الحريري الابن بصرف النظر عما اذا كان بعضهم متورطا شخصيا في عملية فبركة الشهود أم متورطا فقط بفبركة اتهامات خاطئة ومغرضة ضد سوريا و«حزب الله». واللافت أن النائب السابق ناصر قنديل عقد مؤتمرا صحافيا جزم فيه بأن رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط قرر رفع الغطاء عن عضو كتلته مروان حمادة ليأخذ التحقيق مجراه. جنبلاط لم يؤكد ولم ينفِ ما صدر عن قنديل، كذلك حمادة. السبب؟ ربما لأن الاثنين يعلمان أن ثمة «ضمانات» بابقاء حمادة بمنأى عن التحقيق، أو ربما لأن الحريري وجنبلاط قررا التضحية بزميلهما القديم على أن يتدبر هو أمره باللجوء الى فرنسا حيث يمكنه توفير الحماية لنفسه .
يمكن الافتراض أيضا أن الحريري وجنبلاط تأكدا من وزير العدل والمدعي العام لدى محكمة التمييز أن محاضر التحقيق مع شاهدي الزور الموقوفين في لبنان، أكرم شكيب مراد وأحمد مرعي، لا تشير الى دور لحمادة في فبركة شهود الزور الأمر الذي يبقيه بمأمن من التحقيق. أما «الشاهد الملك» زهير الصديق فهو متوارٍ عن الأنظار ولا سبيل في الوقت الحاضر على الأقل للتحقيق معه .
أما أن تكون ثمة صفقة مع جهة أو جهات لانهاء دور المحكمة الدولية فهو أمر غير مستبعد البتة، وقد يجري إظهاره لاحقا بوسائل شتى. ولعل أبرز أسباب رجاحة هذا الاحتمال أن الولايات المتحدة لن توافق على التحقيق مع مسؤولين «اسرائيليين» لمعرفة مدى ضلوعهم في عملية الاغتيال، وأن الحريري غير قادر على تحمّل عبء التحقيق مع أعضاء في «حزب الله» عن دورٍ لهم مزعوم في الاغتيال ناهيك عن محاكمتهم، وأن سوريا وحلفاءها اللبنانيين لا يسمحون بالمسّ بالمقاومة من قريب أو بعيد، وأن كل الذين تواطأوا على انشاء المحكمة الدولية لا يهون عليهم، بعد كل ما صرفوه عليها من جهد ومال ومخالفات دستورية واراقة ماء وجه، أن يقف مدعيها العام دانيال بلمار ليعلن عدم وجود أدلة تدين سوريا أو «حزب الله» أو أيا من حلفائهما اللبنانيين .
لعل أهم من كل ما تقدّم بيانه أن الحريري، قد اختار طريقه في الحاضر والمستقبل. انه طريق التفاهم مع سوريا (ولاحقا مع حلفائها اللبنانيين وفي مقدمتهم «حزب الله») بغية ضمان بقائه في رئاسة الحكومة. ذلك كان نهج أبيه من قبله، ولن يلومه أحد ان هو كان وفيا لأبيه وسائرا على خطاه!
ما انعكاس ذلك على المشهد السياسي؟
لا شك في أن اصطفافا جديدا للقوى سيعقب موقف الحريري الأخير. ستتوسع قاعدة حلفاء سوريا والمقاومة في الداخل، وقد يتحول لبنان، الى صف دول الممانعة وقوى المقاومة في المنطقة من دون أن يسيء الى علاقاته الجيدة مع السعودية وسائر دول «الاعتدال» العربية .
لن يروق لأمريكا و«اسرائيل» بالطبع اصطفاف القوى الجديدة المنحازة الى سوريا والمقاومة. الأولى ستحاول تهدئة الثانية بالعودة الى اثارة مسألة استئناف المفاوضات، المباشرة أو غير المباشرة، بين دمشق وتل أبيب تأكيدا لسياستها المستجدة حول ضرورة توطيد «السلام الشامل» في كل أرجاء المنطقة. أما الثانية فستزداد وتيرة عدائها للبنان والمقاومة وسعيها لدى واشنطن لاعتبارهما جزءا من مشكلتها المتفاقمة مع ايران، وبالتالي الضغط عليها للتشدد مع طهران بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك اعتماد خيار الحرب.
وفي هذه الأثناء، يبقى لبنان ساحة مفتوحة على حوادث وأحداث وتحولات و.. مسرحيات مبكية حينا ومضحكة حينا آخر.
محلل سياسي: نخشى «عرقنة» لبنان... و«الطائف» صمّام الأمان
تونس (الشروق) حوار أمين بن مسعود:
عبّر الأستاذ عدنان برجي مدير المركز الوطني للدراسات عن خشيته من نشوب حرب أهلية في لبنان من خلال تفجيرات مذهبية مثل الحاصلة حاليا في العراق، مؤكدا أن اتفاق الطائف «1989» والذي تحوّل دستورا للجمهورية اللبنانية لا يمكن أن ينقلب عليه أي طرف من الأطراف السياسية في البلاد.
وقال برجي في حوار مع «الشروق» «إنه لمن المؤسف أن تُحوّل الخلافات السياسية الى مذهبية» مشيرا الى أن ما يحصل حاليا هو أن السياسيين يتخفون وراء مذاهبهم وطوائفهم بطريقة تجعل كل سياسي يعتبر نفسه الممثل الشرعي لطائفته ومذهبه وهو أمر خاطئ فقد يكون من السنّة من يختلف أو من يؤيّد سعد الحريري وتيار المستقبل وقد يوجد من «الشيعة» من يناصر أو يختلف مع «حزب اللّه».
لبنان... لكل مواطنيه
واعتبر أنه لا بد أن تكون المراكز الرئيسية في البلاد «مجلس الوزراء، المجلس النيابي، رئاسة الجمهورية» لكافة المواطنين، موضحا أنه إذا استمرّ الخلاف السياسي وتواصلت معه التعبئة المذهبية فإن المستفيد سيكون الكيان الصهيوني.
ودعا في هذا السياق، الى ضرورة التفرقة بين الخلاف السياسي والمذهبي مضيفا أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري اختار التحالف مع دمشق في ظل التوافق الحاصل بين السعودية وسوريا وصرّح بأن شهود الزور ضلّلوا التحقيق ولذلك فبإمكانه تنفيس الاحتقان السياسي بتحويل شهود الزور الى المحاكمة للقضاء اللبناني ويكون بالتالي منسجما مع خطابه السياسي أولا ويجنّب البلاد أزمة خطيرة ثانيا.
ورأى أنه لا يمكن للحريري أن يواصل سياسته التحالفية مع دمشق وهو لا يزال محافظا بذات المسؤولين (على المستوى القضائي والسياسي) الذين كانوا جزءا من مكونات المشهد اللبناني الذي أخرج القوات السورية من لبنان في 2005 وغيّر رجال الأمن وزجّ بالضباط الأربعة في السجون.
خارطة طريق
ورسم برجي «خارطة طريق» لإنقاذ البلاد من الأزمة الحالية تقوم على دخول الرياض ودمشق على الخط لتهدئة الأمور والضغط باتجاه تنفيس الاحتقان الحاصل وعلى اتخاذ مجلس الوزراء اللبناني قرارات سريعة بمحاكمة شهود الزور وإعفاء بعض رجال القضاء.
وأضاف أنه في حال لم تتخذ هذه القرارات فإن مآل الأمور ستكون وبالا على كافة الأطراف و«بلا استثناء».
وحذّر برجي من مغبات القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان متهما إياها بالعمل على تحويل الصراع السياسي الى اقتتال طائفي بين السنّة والشيعة في لبنان وسحب هذا «النموذج الاحترابي» على كافة أقطار الشرق الأوسط.
وتوقّع أن يرفض «حزب اللّه» اتهام المحكمة الدولية له باغتيال رفيق الحريري وأن ينتج عن هذا القرار شلل في الحكومة وفي عملها يفضي بدوره الى تفجيرات مذهبية، ما لم تتدخل الحكومة سريعا وتتّخذ قرارات شجاعة تُرجع الأمور الى نصابها الطبيعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.