اشتدّ الخلاف بين بعض المحامين حول بث بعض المسلسلات التي تجسّد شخصيات أنبياء، وهو ما أدى الى انتقال الجدل لدى الرأي العام، بين من يعتقد بتنافي التجسيد مع الدين والأخلاق وبين من يرى بأن ذلك يدخل في اطار حرية الابداع والخلق. لفهم مواقف أطراف القضية اتصلنا بالأستاذ سيف الدين مخلوف الذي دعا مفتي الجمهورية صحبة ثلاثة من زملائه الى منع بث تلك المسلسلات على قنوات تونسية مثل «حنبعل» و«نسمة تي في» كما اتصلنا بالأستاذ منير بن صالحة الذي وجه هو أيضا رسالة الى مفتي الجمهورية يعبّر له فيها عن تمسكه بحرية العمل الابداعي، كما اتصلنا بمكتب مفتي الجمهورية، وطرحنا أسئلة على الجميع. إعداد: منجي الخضراوي الأستاذ سيف الدين مخلوف: المسلسلات تروّج للكذب والافتراء على الانبياء... وإيران تزيد الاختراق ما هي خلفية رسالتكم الى مفتي الجمهورية، ولماذا تطالبون من مؤسسة دينية منع وتحريم أعمال فنية يفترض أن تتوفر لها شروط الحرية؟ لقد كان تحرّكنا تحرّكا عاطفيا، بعد أن شعرنا بأن هناك بعض الأشخاص يشخصون أدوار الأنبياء، فلم نقبل ذلك في وجداننا، لذلك قمنا ببحث فوجدنا اجماعا عند السنة برفض تجسيد الأنبياء، إذ لا يحق لأي شخص أن يتقمص شخصية النبي، لأنها فكرة مقدسة عن أشخاص اصطفاهم الله وهم معصومون من الخطإ. وأكثر من ذلك فجلّ المسلسلات هي محض كذب وافتراء على الانبياء، خاصة وأن سيرتهم مازالت محلّ خلاف إضافة إلى أنها غير معلومة، فمن أين لهم بكل تفاصيل حياة يعقوب مثلا.. إضافة الى ذلك فإن القانون في الفصل 48 من مجلة الصحافة يحرّم المساس بالمقدسات. ألا ترى بأنكم تؤسّسون، من خلال رسالتكم، لعقلية التحريم والتجريم ووضع حدود غير معلومة لحرية الابداع والتعبير؟ حرية الابداع والعمل الفني، يجب أن تكون لها حدود، إذ لا يعقل انجاز عمل فني يتضمن كفرا باللّه أو يصور أشخاصا عراة، هناك أشياء ما فوق البشر، إذ لا بدّ من احترام الأنبياء والرسل، من يتحدثون عن حرية الابداع، أتحداهم أن يمارسوا تلك الحرية في تجسيد بعض الأشخاص مثل الرؤساء العرب، لكن أرى أنهم يؤمنون بها فقط عندما يتعلق الأمر بمقدسات المسلمين. ما هو ردّكم على رسالة الأستاذ منير بن صالحة الى مفتي الجمهورية لطلب إباحة بث تلك المسلسلات؟ ما قام به الزميل منير بن صالحة يدخل في خانة دفاعه عن مصالحه مع تلك القنوات التلفزية، فكلنا يعلم ذلك هدفه الدفاع عن فضائيات يتعامل معها وليس قناعة بالدفاع عن حرية التعبير والرأي فنحن عندما توجهنا الى المفتي، توجهنا اليه باعتباره مختصا فهو من سيقرر المنع او الاباحة وليس الزميل بن صالحة، وحتى تهديده باللجوء الى القضاء، لن يخيفنا لأننا لم نرغب في الذهاب الى القضاء منذ البداية، فنحن مازلنا ننتظر موقف المفتي وبعد ذلك سوف نقرر اي الخطوات نقوم بها. يرى البعض ان ما قمتم به يدخل في خانة الاشهار وهو ما يتناقض مع أخلاقيات مهنة المحاماة فضلا عن تضمن موقفكم تسريبا سياسيا ما ردكم؟ آخرما نفكر فيه هو طلب الشهرة على حساب عرض صورة الانبياء، فنحن لسنا بطالبي شهرة ولو أردنا ذلك لذهبنا مباشرة الى القضاء ولدعونا الى ندوة صحفية مثلما فعل غيرنا ممن ينتقدنا اليوم. لا يمكن للموضوع ان يكون ذا صبغة سياسية لأنه لو قصدنا هدفا سياسيا لفضحنا الدور الايراني وراء هذه المسلسلات، ولقلنا انها تأتي في اطار الغزو الثقافي الايراني، وهي كذلك، فالمسلسل بالنسبة الى ايران افضل من فيلق من الدبابات ومن عشرين أسبوعا ثقافيا ومن الكتب التي تروجها مجانا... واذا قبلنا اليوم بهذه الاعمال فإنه يجب ان ننتظر غدا مسلسلات عن علي بن أبي طالب وعن الحسين وعن «بطولات» الخميني... التي تدعو للتشيّع. الاستاذ منير بن صالحة: مواقف مستوردة من الخارج أصحابها يبحثون عن الشهرة ما الغاية من توجيهكم رسالة الى مفتي الجمهورية؟ ألا تعتبر أنكم بصدد العناد في قضية غير محسومة؟ ما دعاني الى مراسلة مفتي الجمهورية هو خطورة ما أقدم عليه الزملاء، لأن لموقفهم آثارا خطيرة، فما أقدم عليه الزملاء يقسّم الناس الى ملل وطوائف وهذا موقف هجين ودخيل علينا فهو منطق مستورد وغير أصيل ودخيل علينا، انه لم تطرح عندنا من قبل الخلافات السنية والشيعية، ومنطقهم هذا يدعو الى التكفير والى المنع وهو منطق قمعي، واذا تم السكوت عنه فإنه سوف يتطور ويصير كل عمل فني او ابداعي في حاجة مسبقا الى مصادقة من هؤلاء الذين يدعون بأنهم يملكون مفاتيح الجنة وصكوك الغفران. إن ما لا نقبله هو التخفي خلف عباءة المحاماة، فلماذا يخاطبون المفتي بصفتهم محامين والحال ان لهم صفة المواطنة التي تسمح لهم بمراسلته، ان هذا توظيف سيء وخطير لمهنة المحاماة فهؤلاء لم يرفعوا الدعاوى ضد مرتكبي مجازر غزة ولا ضد من هاجم أسطول الحرية، ولم يناصروا الشعب العراقي ولم نسمع لهم صوت أصلا، ولكنهم تحركوا بقوة لا مثيل لها ضد عمل ابداعي يحكي قصص الانبياء. ألا ترى بأنكم أدخلتهم مؤسسة دينية في خلافات فنية أو قانونية. لم أخاطب المفتي من تلقاء نفسي ولكن موقفي كان ردّة فعل على موقفهم، حتى تكون أمام المفتي كل الآراء والرؤى، ولكنني لن أتوقف عند مؤسسة الافتاء بل سوف أتوجه الى مؤسسات أخرى حتى تتصدى لهذا التيار التكفيري الغريب عنّا وعن محيطنا الاجتماعي، فمنطقهم مبني على أن كل شيء حرام وأنّ الاستثناء هو الحلال وقائمة الكبائر لديهم أكثر بكثير من قائمة الاباحة. أنت متهم بالدفاع عن مصالحك الشخصية، من خلال مراسلة المفتي، وذلك لارتباطك ببعض القنوات التلفزية في تونس. ما ردّك؟ إنّ تعاملي مع العديد من المؤسسات الاعلامية الوطنية أمر يشرفني، وهذه تهمة لا أنفيها وخير لي أن أنتمي الى هذه المؤسسات الوطنية على أن أستلهم أفكاري من فضائيات أجنبية. علما وأنني لست بحاجة إلى إشهار ويبدو أن من هو محتاج الى ذلك هو من أمضى العريضة وطلب التجريم والتحريم وبالتالي الاستثناء. إنهم يلهثون وراء الشهرة لأنه لا أحد يعرفهم وقد غاب عنهم أن المحامي الناجح تصنعه قاعات المحاكم وليست قاعات المنع والتحريم والاضطهاد. إنّ الاسلام دين قابل بأن يعيش مع كل العصور وهؤلاء يريدونه دين الخيام والنوق والصحراء والسيوف. في حين ديننا قادر على التأقلم مع كل العصور، ونحن اليوم بحاجة لاستعمال جميع الوسائل التكنولوجية لتقريب صورة الأنبياء منا. ألا تعتقد فعلا بأن تلك المسلسلات تمس من صور الأنبياء، خاصة وأنهم يقولون بأن كل مصادر الافتاء في السنة تمنع تشخيصهم، ويقولون ان ايران تقف وراء ذلك. من يقبل القمع والمنع باسم الدين اليوم، فإنه سيقبل بسهولة نفس القمع باسم السياسة، لذلك منطق هؤلاء يسهّل جميع أنواع التحريم. أما نحن فإننا سوف نتصدى لأي خطاب يحمل ذرّة من المنع والتحريم والقمع وضرب حرية الابداع. نحن ندعو الى حرية العمل الابداعي مهما كان موضوعها دينيا أو سياسيا.. ولن أدخل هنا في نقاش فقهي وديني لأن مسألة تشخيص الأنبياء مازالت محلّ جدل وأنا أدعو الى الوقوف أمام التيار التكفيري الجديد، أنا لا أعتقد بفن ايراني أو فنزويلي أو أمريكي.. بل إنّ الفن انساني وهؤلاء لا يمكن أن تكون لهم ذائقة فنية طالما أنهم محكومون بحدود جغرافية وضوابط طائفية وما أريد أن أقوله. إن المحاماة مهنة الحرية والابداع والمحامي لا يمكنه أن يعيش في أطر التحريم. مكتب مفتي الجمهورية: قضية شخصية سنجيب عنها أصحابها بعد دراستها تونس (الشروق): قال مصدر مأذون بمكتب مفتي الجمهورية ل«الشروق» إن سماحة المفتي حاليا بصدد دراسة كل المطالب والوسائل التي وردت عليه، وقال بالنسبة الى الرسالة المتعلقة بطلب منع بث مسلسلات على قنوات تلفزية تونسية، أو الدفاع عن بثها بلغت سماحته، ونحن نعتقد أنها رسائل تهم الاشخاص الذين توجهوا بها وسوف نعلمهم في الابان بالموقف ويتم الرد على مطالبهم ومواقفهم بعد دراستها من جميع جوانبها، ونحن نعتبر أنه موضوع شخصي، رغم أن القضية يمكن أن تهم الرأي العام. من جهة أخرى علمنا من بعض المصادر المطلعة أنه من المرجح أن يصدر موقف عن مفتي الجمهورية والمجلس الاسلامي الاعلى، بخصوص اعتبار تشخيص الانبياء وبث شخوص تمثل صورتهم عبر شاشات الفضائيات، أمرا محرّما وبالتالي منع بثها، أو اعتبارها أمرا متاحا ومباحا يسمح للناس بمشاهدتها عبر أجهزة التلفزة وعلى فضائيات تونسية.