لعل ارتداء الأقنعة اصبح ضرورة لا مناص منها في يومنا هذا حتى يتمكن الفرد من العيش بسلام دون ان يمنح المتطفلين على حياة الغير الفرصة للاطلاع على ما يعانيه وقراءة ذلك من خلال تفاصيل ملامح وجهه او لتفادي مشكلات اضافية هو في غنى عنها او حتى يحافظ على مكانته الاجتماعية وما يتطلبه عمله من مظهر وملمح معيّن لا يمكن ان يتخلى عنه الفرد مهما كانت حالته النفسية، عندها يجد الواحد منا نفسه امام سؤال يومي وروتيني يتعلق بأي قناع سيضعه اليوم على وجهه؟ باعتبار انه لا يستطيع الخروج من منزله ووجهه مترعا بالاحزان والآلام جراء الكم الهائل من المشاكل اليومية التي يواجهها. «الشروق» طرحت موضوع ارتداء الاقنعة وبحثت في الاسباب التي تدفع الفرد لفعل ذلك وتساءلت عن الحالة التي يمكن ان نضع فيها اصحاب الأقنعة وهل يمكن اعتبارهم منافقون أم اذكياء؟ السيد بشير كهل شارف على الستين موظف باحدى الوزارات بدا لنا مستعدّا للحديث مطوّلا عن براعة التونسي في ارتداء الأقنعة المختلفة والمتماشية مع كل المناسبات مضيفا انه غالبا ما يلجأ البعض الى ارتداء قناع الذل والمسكنة حتى يبلغوا مرماهم وقد ازداد عدد هؤلاء بصفة لافتة للانتباه، كما ان وضع قناع على الوجه يمكن ان يكون لغاية ايجابية ولصالح المجموعة حسب رأي السيد بشير مشيرا الى ان الطبيب مثلا مضطر الى اخفاء حالته النفسية المتأزمة واظهار اخرى اكثر انشراحا وبهجة لأن المريض متعب ويحتاج الى الشعور بالراحة والطمأنينة وهذا لن يحدث الا اذا تحكّم الطبيب في احاسيسه وانفعالاته واستطاع اخفاء قلقه وحزنه الذي يتسرّب بسرعة الى المريض ويزيد حالته سوءا. **لكل المناسبات يقرّ وسام انه عادة ما يستخدم قناع الفرح والسرور عندما يكون مثقلا بالهموم والمشاكل لانه لا يريد ان يظهر بمظهر الضعف امام الناس مضيفا انه ليس من المعقول ان يجلس طوال الوقت للحديث عن مشكلاته وهمومه وبالتالي اقحام الآخرين ما يعانيه قصد اقتلاع مشاعر الشفقة من الآخرين. اما احمد فقد تحدّث عن بعض من معارفه الذين برعوا في استخدام الاقنعة لإخفاء مشاعر حزنهم وآلامهم ولكن للحصول على تعاطف الآخرين معهم حيث يعمد البعض منهم الى الظهور بمظهر درامي مؤثر ويشرّع في تهويل مجمل الكوارث التي دمّرت حياته حتى يحظى بتعاطف الآخرين معه واعانته ماديا. واردف احمد قائلا بعض الناس لا يترددون ابدا في النفاق فهم يختارون لكل مناسبة قناعها الخاص بها فإن ذهبوا الى مأتم كانوا حزانى وغاية في التأثر وان قصدوا فرحا اقتلعوا الشعوب بالفرح والسرور لكن عندما يختلون بأنفسهم وحين يكونون بمنازلهم تزول كل بوادر الموت والتودد وينكشف الوجه الحقيقي الذي لا يخلو من الشرّ والنفاق البيّن. اسماء لها رأي في الموضوع وترى ان فئة لا بأس بها من الرجال والنساء اصبحت الاقنعة لعبتهم المفضلة حيث يظهر لبقا محبا لزوجته وأولاده عندما يكون خارج المنزل ومتسلطا وعنيفا عندما تغيب عنه الرقابة الخارجية داخل البيت. وقد يتظاهر بعض الرجال باحترامهم الشديد للمرأة ومناصرتهم لحريتهم وتفتحها الى ان يبلغ مبتغاهم وبعدها ينقلبون الى الضدّ ويديرون ظهورهم لمن وثقت بهم ويحاولون البحث من جديد عن ضحية اخرى وكذا الشأن بالنسبة للفتيات اللاتي يرتدين قناع القناعة والتساهل مع الخطيب واذا ما تمكّن من الوصول الى مرادهن انقلبن الى الضد وأصبحت شروطهن مجحفة ومشطة لينكشف الوجه الحقيقي. **اسلوب حياة يعتبر الطب النفسي ارتداء الاقنعة ليست مرضا وانما يمكن تسميتها باسلوب حياة ويوضح الطب النفسي انه هناك اشخاص يستطيعون التعبير عن مشاعرهم ومشاكلهم وهذا راجع الى طبيعتهم الشخصية كما يعمد البعض الآخر الى اخفاء جزء من مشاعرهم ويظهر جزءا آخر. اما النوعية الثالثة من الاشخاص فإنهم يخفون انكسارهم او قلقهم. والاجدر بالافراد حسب الطب النفسي ان يخرجوا ما بداخلهم ويعبّروا عما يشغلهم لأن ذلك سيساهم في التخفيف عنهم والتنفيس عن غضبهم وبالتالي يحسّ براحة نفسية كبرى. ويرى الاستاذ منذر جعفر مختص نفساني ان الاقنعة تلازم طبيعتنا كبشر وخاصة في ما يتعلق بمهنتنا فليس من المعقول ان يحمل الاستاذ او المعلّم مشاكله الى القسم او ان يذهب الطبيب الى عيادته محمّلا بهمومه لان التلميذ يحتاج الى من هو متمتع بالطمأنينة حتى يتمكن من استيعاب درسه وكذلك المريض الذي أتى باحثا عن الراحة النفسية والطمأنينة. وعموما لا يمكن اعتبار المسألة مرضية او نفاق اجتماعي وانما هي مسألة عادية تدخل في طبيعتنا كبشر.