مع بدء الانسحاب الأمريكي من العراق قفزت الى الأذهان صور لن تمّحي من الذاكرة الإنسانية أبدا. صور أكدّها خبراء البيئة في العراق وخبراء دوليون بدؤوا يدلون بتصريحات على استحياء حول التلوّث الاشعاعي الذي خلّفته وتخلّفه قوات الاحتلال الأمريكي في العراق. الوفيات جراء الاشعاع النووي في العراق يقول الأطباء ارتفعت الى معدل 7 أشخاص يوميا... وهذه جريمة تستوفي كل أركانها بلا ريب... والحقيقة دقّت عديد الهيئات الحقوقية والإنسانية والعلمية في العراق وخارجه، ناقوس الخطر منذ أواسط التسعينات حين بدأ الوضع البيئي في العراق يتجه نحو الكارثة الى أن وصل الأمر الآن الى مرحلة المجزرة والجريمة... جراء استعمال الأمريكيين أسلحة محرّمة دوليا في العراق. اليوم، يحاول الاحتلال الامريكي أن يجنّد الآلة الاعلامية، كما عوّدنا من قبل، لكي يغطّي على جريمة العصر... جريمة فاقت تداعياتها وانعكاساتها كل الآثار التي سببتها جريمتي «ناكازاكي» و«هيروشيما»... وذلك بأن تُكثر وسائل الاعلام حديثها وتغطياتها حول مسألة الانسحاب، لتخفي الجريمة التي تعرّض لها ولا يزال شعب العراق جراء الأسلحة المحرّمة التي استعملها الاحتلال الأمريكي. لذلك تعمل وسائل الاعلام القوية والمؤثرة على اغفال جانب القصاص والعقاب الذي تستحقه هكذا جريمة. الولاياتالمتحدةالأمريكية، كقوة احتلال للعراق، منذ سبع سنوات ونيف تغادر اليوم العراق وفق تفاصيل مازال فيها من الاحتلال ما يجعلنا ننأى وبشدة عن الادعاء بأن في الأمر انسحابا فعليا واستقلالا فعليا للعراق لكن رغم هذا لا بدّ من إثارة موضوع الجريمة الاستعمارية في العراق ومحاسبتها انطلاقا من المشهد الذي خلّفته وتسببت فيه، موتا وتشوّهات وأمراضا وكوارث في العراق. هذه المرة لا بدّ وأن تتظافر جهود الحقوقيين إن هم فعلا كانوا من المؤمنين بحقوق الانسان وجهود الأطباء إن هم فعلا كانوا من المؤمنين بحق الانسان في بيئة سليمة وصحة جيدة، وجهود المناضلين إن هم كانوا من المؤمنين بحق الشعوب في تقرير مصيرها وذلك حتى لا تسقط الجريمة الاستعمارية بمجرد ان تنسحب الجيوش من البلد الواقع تحت الاحتلال، والعمل بمقولة مجحفة في حق «معذّبي الأرض» من شعوب الأرض التي تعرضت الى نير الاستعمار ونقصد : «عفا ا& عمّا سلف»... الجريمة الاستعمارية هي أشد الجرائم فتكا بالانسان، وبالتالي لا بدّ لها من محاسبة. وهي الآن مناسبة تطرح أمام الانسانية، لكي يعاد النظر والتمحيص في الفكر الانساني، بحيث يُقام الحدّ بين الجريمة الاستعمارية والانسحاب من البلد الواقع تحت الاستعمار. ذلك أن الذين يعتبرون انسحاب قوات الاحتلال هو عقاب للاحتلال هم مخطئون... لأن الانسحاب ليس منّة بل هو نتيجة تحرّك ونشاط مقاومة رأى الاحتلال بعد عمليات ميدانية شرعية أن مصلحته تكمن في الانسحاب. أما المحاسبة والقصاص فتلك مرحلة لا مناص منها إن كانت الانسانية تتجه فعلا الى تصفية فكر الهيمنة والاستعمار.