وزير الشباب والرياضة يعلق على أحداث الدربي: وصلنا للقاع    عمال الحضائر دون 45 سنة يطالبون رئيس الدولة بالتدخّل العاجل لحل الملف    منزل منصف المرزوقي بالقنطاوي يتعرض للسرقة    عاجل/ الإحتلال يوقّع صفقة مع أمريكا لشراء 25 طائرة "آف 35"    المدينة المنوّرة تسجل ثالث أعلى درجة حرارة على وجه الأرض الاثنين    تفاصيل الدورة 48 لمهرجان دقة الدولي: انماط متنوّعة في دورة التأكيد    منوبة: الإحتفاظ بشخص محكوم بالسجن 21 عاما    ديوكوفيتش ينسحب من فرنسا المفتوحة للتنس بسبب إصابة في الركبة    عاجل/ حريق يلتهم 23 هكتارا من صابة القمح بهذه الجهة    عاجل/ إعلان سعر الأضاحي بشركة اللحوم وموعد انطلاق البيع    قابس : منهم فتاة ...القبض على 3 أشخاص متهمون بترويج المخدرات    "اتحاد الفلاحين" يطالب باصدار مقرر اسعار قبول الحبوب والمحافظة على المنحة الاستثنائية    القصرين : أضرار بزراعات الطماطم، والبطاطا، والفلفل، والزيتون بسبب ''التبروري    رفض الافراج عن نور الدين البحيري    حصة تونس السنوية من صيد التن الاحمر تقدّر ب3 آلاف طن    أكثر من 140 ألف مترشح يتقدمون لاجتياز اختبارات البكالوريا غدا    عاجل/ مصر: إنهيار مبنى من 5 طوابق على رؤوس ساكنيه    هذا موعد رصد هلال شهر ذو الحجة    برلمان سويسرا يصوت ضد مشروع قانون للاعتراف بدولة فلسطين    4 نصائح لمحبي اللحوم    تنويع نشاط النّقل الجوّي محور اجتماع المجلس الوطني للطيران المدني    كرة اليد: طارق بن علي مديرا فنيّا مؤقّتا للجامعة    عاجل/ هذا موعد رصد هلال ذو الحجة..    جريمة مروعة: قتلوا ''والدهم'' ودفنوه بجدار المنزل منذ سنة 2018!    مبارة النادي الافريقي – الترجي التونسي 1-2 – احداث شغب – خسائر قدرت بحوالي 100 ألف دينار    مركز التربية المختصّة لإعانة الأشخاص القاصرين ذهنيا بالزهراء: حفل فني وثقافي في اختتام السنة المدرسية    وزارة التعليم العالي تخصص منحا جامعية للدراسة بفرنسا وألمانيا والمعهد التحضيري للدراسات العلمية والتقنية بتونس    سليانة: تنفيذ 2234 عملية رقابة خلال شهر ماي    درّة زرّوق تطلق علامة أزياء مستوحاة من جدّتها    الدورة 19 للمهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف: مشاركة 4 أفلام تونسية 2 منها في المسابقة الرسمية    مُشاركة 4 أفلام تونسية في الدورة 19 للمهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف    فظيع/ كلاب سائبة تنهش مترجل حتى الموت أثناء عودته إلى منزله بعد صلاة الفجر..#خبر_عاجل    ليبيا: العثور على جثّة الشاب محمد الشنطة في قلب الصحراء    المنتخب التونسي لكرة القدم : هيثم الجويني يعوض سيف الجزيري    إصدار سلسلة من ثلاثة طوابع بريدية حول النظم الغذائية المبتكرة    رئيس الحكومة يلقي كلمة تونس في افتتاح أشغال القمة الأولى الكورية الافريقية    عاجل : اكتشاف سلالة شديدة العدوى من إنفلونزا الطيور    مجلس النواب: انطلاق أشغال الجلسة العامة للنظر في مقترح القانون عدد 30 لسنة 2023    الرئيس المدير العام لشركة اللحوم يفجرها ويكشف ما فعله "القشارة" بأضاحي العيد..    ربع نهائي بطولة رولان غاروس : من هي منافسة أنس جابر ؟    اليوم..انطلاق الدورة الثالثة من الأيام التونسية للملكية الأدبية والفنية    "كاف" يعلن مواعيد انطلاق النسخة الجديدة لمسابقتي رابطة الأبطال والكونفدرالية    في المعهد العالي للفنون والحرف بتطاوين ...7 آلاف كتاب هبة لمكتبة المعهد    عاجل : راصد الزلازل الهولندي يحذر من زلزال قوي في هذه الفترة    اكتشاف سلالة شديدة العدوى من إنفلونزا الطيور في أستراليا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    قيس سعيد يسدي تعليماته بتذليل كل العقبات أمام باعثي الشركات الأهلية    رئيس الدولة يطالب بالقطع نهائيا مع النظام الحالي للتعامل بالشيكات..    منها مخزون المياه بالسدود: هذه محاور لقاء رئيس الجمهورية بوزير الفلاحة    رسميا.. جوائز "الأفضل" في دوري أبطال أوروبا    صواريخ حزب الله تحرق "كريات شمونة"    الملتقى الوطني لفنون الصّورة والسّينما والفنون التّشكيلية بالمهدية .. عروض ثريّة للإبداعات والمواهب التلمذيّة    بيت الحكمة يُصدر كتابا بعنوان "رحلة اليوسي" لمحمّد العيّاشي بن الحسن اليوسي عن تحقيق الباحث التونسي أحمد الباهي    الاستعداد للحج .. "شوق" وعادات وفيه "منافع للناس"    عاجل - تونس : ارتفاع استهلاك السجائر لدى اليافعين والأطفال تزداد أكثر فأكثر    نقص أدوية وطول إجراءات...مرضى السرطان يعانون في صمت!    لأول مرة في الكويت: نجوم مصريون يحيون 'ليلة النكد'    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرايا: الغجر والشرطي الأول
نشر في الشروق يوم 31 - 08 - 2010

أكثر من حالة مشاعر متناقضة تتناوب على المرء وهو يتابع مسالة ترحيل الغجر من فرنسا.. فالقراءة الاولى لصورتهم، تختلف لدى المواطن العربي عنها لدى اي اخر، اذ لا يمكن ان يكون حديث عن الترحيل الجماعي الا وان يحضر الرحيل الكبير، الفلسطيني.. لكن مزارعي حيفا وتجار يافا لم يكونوا غجرا، ولم يكونوا رحلا.. كانوا شعبا متحضرا متجذرا، واحدا من تلك الشعوب القليلة التي تحمل في سجل الحضارة الانسانية صفة «الالفية». وترحيلهم لم يتم بالتراضي والحسنى، ولم يقبلوا به لقاء مبلغ خمسة آلاف أورو تعطى لكل منهم، ولم يكن الذي رحلهم ابن فرنسا الاصلي الذي يرسلهم الى بلدانهم الاصلية. رغم ذلك لم يتحرك العالم لأجلهم كما يفعل الان مع الروم. اي نفاق !
القراءة الثانية تنبع من ردات الفعل المؤسساتية، فالاسلاميون يدقون الطبول عاليا لانهم يريدون تسجيل موقف على الغرب، والبابوية ترفع الصوت معترضة لانها ترى في ذلك موقفا يتعارض مع الاخوة الانسانية بحسب الناطق باسمها، وهي انما تفعل اضافة لذلك من باب حرصها على صورة الابنة البكر للكنيسة. العرب يتبنون القضية وكانها قضيتهم، خاصة في دول المغرب العربي، استجابة لحساسيات مهاجريهم ازاء سياسات الترحيل. وأوروبا كلها تتململ لان في هذه العملية ما يذكرها بسياسات هتلر ازاء الغجر، لكن احدا لا يثير هذا الموضوع بقوة، لانه لو حصل، لأعيدت الى الاذهان اكذوبة فرادة الهولوكوست اليهودي، فتلك الاسطورة يجب ان تبقى وحدها في ساحة عقدة ذنب الحرب العالمية الثانية، ولذلك لا يجوز التذكير بان الغجر وغيرهم قد لاقوا من النازية اكثر مما لاقاه اليهود. واخيرا الامم المتحدة تتحرك وتشكل لجنة وتصدر قرارا، لكن ساركوزي الذي تربى على يد جده اليهودي «الذي يعبده»، بحسب قوله، ربما يكون قد تعلم منه طريقة اهمال قرارات الامم المتحدة او الالتفاف عليها.
القراءة الثالثة تتجه الى داخل فرنسا، بلد حقوق الانسان، ووزير خارجيتها الذي بنى مجده على العمل «الانساني»، حتى ولو كان الجميع يعلم انه كان عملا مخابراتيا بعباءة انسانية، عباءة لم يجد الوزير الطبيب مشكلة في قلبها على الوجه الاخر لينتقل من صفوف اليسار الاشتراكي الى حكومة الرئيس اليميني الذي يراهن على اجتذاب اقصى اليمين، اكثر من مراهنته على يمين الوسط.
فرنسا هذه لا تتحرك طبقتها السياسية في العمق، لا بدوافع حقوق الانسان ولا باية دوافع انسانية، كما انها لا تتحرك لا بدافع الكراهية للغجر ولا بدافع الحرص على امتار الأرض التي كانوا يقيمون عليها مخيماتهم. اما اذا تحدثنا عن ثقل المهاجرين، فقد يكون الغجر الأقل عددا والأقل خطرا.
لكن فرنسا تقف على بعد سنتين من الانتخابات الرئاسية التي تبدو انها ستكون من اكثر المعارك حدة في تاريخ البلد. اليمين منقسم كما لم يكن يوما، وانقساماته وليدة عداء محكم لا مجرد اختلاف في الراي (لم يسبق ان قاد رئيس الدولة اليميني رئيس وزراء من حزبه الى امام المحاكم كما فعل ساركوزي مع دوفيلوبان) دوفيلوبان انشق واعلن حزبه، وفرانسوا بورلو اصبح لديه حزبه الوسطي القوي، والعلاقات بين ساركوزي وفييون رئيس وزرائه ليست متينة. لذا فان الرئيس بحاجة، اكثر من اي وقت مضى، الى استمالة ناخبي اليمين المتطرف. وليس افضل لذلك من توجيه اجراء ضد الاجانب.
لا يمكن ان يقع الاختيار على العرب، أو على الآسيويين، بالجملة، لانك عندها تتحدث عن ملايين لهم من القوة ما يستطيع ان يهز البلاد، وتتحدث عن دول لساركوزي معها مصالح غير قابلة للتهديد. ولذلك سيتخذ اجراءات محدودة ضد افراد وضد جماعات، وربما سيعمد الى دس عناصر المخابرات لتحريك الضواحي، ويرحل بعض الافراد بحجة ضلوعهم في التحريض أو الارهاب، وهذا ما علينا ان ننتظره. اما الغجر فهم أوروبيون يتم ترتيب ترحيلهم داخل الدائرة الاوروبية.
الرئيس الذي وجه ضربته الموفقة الى صفوف اليمين، كان يوجهها في الوقت نفسه، وربما بحدة اكبر في وجه اليسار، الذي يستعد لمواجهته في الانتخابات الرئاسية اما بدومينيك ستروس كان، واما بفرانسوا هولاند، وكلاهما ليس سيغولين رويال، كلاهما في صف من يوصفون بفيلة اليسار الفرنسي. واذا كانت ميزة الفيل الاول في وجه ساركوزي انه فرنسي ابن فرنسي ابا عن جد (وهذا هو المسكوت عنه الأكثر اهمية من كل ما يقال في دوائر الاعلام)، وهو لا يحتاج بالتالي الى اثبات نفسه امام الفرنسيين، كالمهاجر الهنغاري الذي يحتل الاليزيه. فان ميزة الفيل الثاني، انه، وبالاضافة الى قوته كسياسي مخضرم، احد اقطاب اللوبي اليهودي في فرنسا، وفي العالم، خاصة بعد ان تولى رئاسة البنك الدولي في موازاة تولي ساركوزي رئاسة الدولة.
غير ان العنصر الرئيسي الذي يحرك خيارات الناخب الفرنسي هو الأمن، بعد البطالة، وبما ان الرئيس عاجز عن مداواة موضوع البطالة، فانه عاد الى حقل خياره السابق يوم كان وزيرا للداخلية يراهن على الرئاسة : الأمن.
وجه ضربته الاولى، ليخرج ابواقه باطلاق لقب: «الشرطي الاول» عليه. ولن يهمه ما يثار حولها.
وسيوجه ضربات أخرى، ثانية وثالثة والى..الانتخابات. فلننتظر.
القراءة الاخيرة، الانسانية المرة، هي التي تجعلك تتساءل: ترى لو لم يكن هؤلاء الغجر من اصل هندي، فهل كانت اوضاعهم ستظل كما هي رغم كل هذه القرون التي مضت عليهم في أوروبا ؟
ولماذا تعجز معدة هذه القارة العجوز عن هضم ما يدخل الى نسيجها الاجتماعي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.