مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى، فإن السلوك الاستهلاكي في تونس مازال معتدلا كما ان المستهلك التونسي يعتبر غير مفرط في الاستهلاك مقارنة بالمستهلك في دول أخرى مثل دول الشرق الأوسط والخليج العربي وأوروبا... وحتى إن ظهرت عليه بعض مظاهر التبذير والإسراف والاستهلاك غير الرشيد، فإنها محدودة في الزمان والمكان اي تقتصر على بعض المناطق وعلى بعض المواسم.. وبالتالي فإن اصلاحه ممكن.. ذلك ما اتفق عليه المشاركون في ورشة تفكير وعمل نظمها أول أمس المعهد الوطني للاستهلاك بدار المصدّر حول تأثر السلوكات الاستهلاكية والانفاق الأسري بتلاقي المواسم.. وقال السيد علي الغربي مدير المعهد الوطني للاستهلاك في كلمته الافتتاحية ان السلوكات الاستهلاكية والانفاق الأسري متأثرة بطبعها بتعصير التجارة وبظهور أساليب جديدة في التسويق والإشهار.. وانضافت الى كل ذلك في السنتين الاخيرتين ظاهرة تتالي المواسم الاستهلاكية وانحصارها في ظرف زمني وجيز (6 مواسم في شهرين).. وسيتواصل الأمر على هذا النحو خلال السبع سنوات القادمة، وهو ما يتطلب استنباط مزيد من الحلول للتوفيق بين الحاجيات الاستهلاكية والميزانية العائلية... وأضاف الغربي ان المستهلك التونسي لم يبق مكتوف الأيدي تجاه هذه الظاهرة «الفلكية» (تتالي المواسم القمرية) بل انخرط في جملة من الحلول والسلوكات الجديدة التي كشف عنها استبيان انجزه المعهد مؤخرا بجهات الشمال الغربي والوسط والساحل، لكن رغم ذلك فإنه مازال في حاجة الى مزيد من التوعية والتحسيس ومن الآن وعلى مدى السنوات القادمة. معتدل أكد الخبير الاقتصادي السيد فتحي النوري في مداخلة ألقاها بالمناسبة انه عكس ما هو شائع بين الناس وعكس ما تذكره وسائل الاعلام أحيانا، فإن السلوك الاستهلاكي للتونسي يعتبر معتدلا مقارنة بدول أخرى فالأوروبيون مثلا لهم مواسم استهلاكية يفرطون خلالها في الاستهلاك بشكل ملحوظ مثل رأس السنة الميلادية ونوال وحتى خلال سائر الأيام... اما دول الشرق الأوسط والخليج وغيرها من الدول العربية فإنها تشهد بدورها ارتفاعا كبيرا في نسق الاستهلاك وسلوكا استهلاكيا غير رشيد خلال بعض المواسم مثل رمضان وأيضا خلال الايام العادية عكس التونسي الذي لا يرفّع من استهلاكه الا في المواسم المعروفة أما في باقي الايام فسلوكه الاستهلاكي عادي.. العاصمة من جهة أخرى تحدث الخبير الاقتصادي عن اختلاف السلوك الاستهلاكي للتونسيين من مدينة الى أخرى.. وقال ان العاصمة وبعض المدن الكبرى هي التي تشهد فقط مظاهر استهلاك مفرط وتدافعا ولهفة وتبذيرا. اما داخل البلاد فإن المواطنين مازالوا يتسمون بسلوك استهلاكي عادي ورشيد خاصة في الأرياف والقرى وحتى ببعض المدن الصغرى... وبالتالي فإن الاكتفاء بالعاصمة (بالنسبة الى وسائل الاعلام) غير كاف ليعطينا فكرة واضحة عن السلوك الاستهلاكي للتونسي. نفسية.. و«غربيّة» تم خلال هذا اللقاء التعرض الى النواحي النفسانية للتونسي ومدى تأثيرها على الاستهلاك... وقال الدكتور عماد الرقيق (طبيب نفساني) في هذا المجال ان الافراط في الشراء والإدمان عليه سواء في رمضان او في غيره يكون أحيانا لدى البعض بمثابة ردّة فعل على حالة الكآبة والتأثر التي قد يمرّ بها الفرد.. وأضاف السيد فتحي النوري أن السوق يتحول احيانا الى هوس لدى كثيرين ويكون مرفوقا بالترف والتبذير وهو ما يمكن اعتباره حالة مرضية إضافة الى الجانب النفسي، تحدث المختصون عن جانب التأثر بالسلوكات الاستهلاكية الغربية بحكم قربنا من الغرب.. بعض المقولات تؤكد ان الغرب مجتمعات استهلاكية بامتياز مثل «وُلد الامريكي لكي يشتري» او «أنا موجود أنا أملك واستهلك» أو «أنا أستهلك أنا سعيد» او «اشتري الى أن تسقط».. هذه السلوكات وجدت في رمضان أرضية مهيأة حتى تنتقل الى التونسي والى المواطن العربي المسلم بشكل عام وهو ما قد يؤدي الى ارساء قاعدة استهلاك تونسية او عربية «أنا في رمضان إذن أنا استهلك».. ذكاء في رمضان يرتفع الاستهلاك رغم ان الأجور ثابتة والمداخيل لا تتغيّر.. وفي هذا الصدد، يقول الدكتور عماد الرقيق ان التونسي ذكي ويعرف كيف يتجاوز الصعوبات والأزمات.. وأظهرت نتائج استبيان معهد الاستهلاك ان عدة حلول يلجأ إليها التونسي في رمضان مثل الاقتراض والادخار والاعتماد على «العولة».. غير ان السيد فتحي النوري اعتبر ان التونسي عليه توظيف الذكاء ليس للخروج من ازمات كثرة الانفاق والاستهلاك بل في كيفية تجنب تلك الأزمات وتجنب الانفاق والاستهلاك المفرط.