بلغت بلاد الجريد من الحضارة وسعة العمران واستحكام التمدن غاية قصوىفلقد ذكر ولي الدين ابن خلدون ان بلاد الجريد قبلة تونس وهي نفطة وتوزر وتقيوس وقفصة وبلاد نفزاوة وهي تسمّى كلها قسطيلة مستبحرة العمران مستحكمة الحضارة ومشتملة على التحيل والأنهار وقطر الجريد يشتمل على عدّة مدن وهي بلاد الوديان وتوزر ونفطة والحامة وبلدان نفزاوة وقفصة. فبلد الوديان تيمنا بذكر أصحاب الكهف الذين ذكرهم ا& في كتابه العزيز الذين يسمونهم الآن بالسبعة الرقود ولكونها عاصمة بلاد الجريد في أول أطواره واهتم بها الرومانيون كما يدلّ عليه وجود الهياكل وبقايا القصور التي تدل على قوّة الاعتناء بهذه البلاد وتسمى الآن بالوديان مشتملة على عدّة بلدان وقرى أشهرها بلاد كريز ودقاش لكونها محل سكنى الولاة اما بلاد كريز فهي البلد العتيق وتشتمل على الزرقان وأولاد ماجد التي هي فرع من الزرقان وانما تفرّقوا بسبب الشحناء الناشئة غالبا بين الاجوار وبلاد كريز هي التي بها قصر الامارة وتمتد عمارة هذه البلاد الى بلد سدادة واسمها القديم البربري تقيوس باسم أميرها البربري والذي بلغ من الشهرة وضخامة الملك ما خلد له ذكرا فبعد استيلاء الرومان نهائيا على الدولة القرطاجنية سنة 146 ق.م قويت شوكة هذا الامير البربري وادّعى الربوبية وكان له سبعة وزراء ورئيسهم يسمّى يمليخا لم يؤمنوا به واختفوا عنه في كهف فألقى ا& عليهم النوم لمدة ثلاثمائة سنة ومعهم كلبهم في هذا الكهف وبعث ا& أثناء فترة مكوثهم بالكهف سيدنا عيسى عليه السلام فانتشر دين النصرانية ولما بعثهم ا& من جديد الى الحياة خشوا ان يوشى بهم الى الملك تقيوس وحين دخل أحدهم المدينة التبس عليه أمرها وعرفت قصتهم وبقي أمرهم مجهولا وبعد ان فتح العرب شمال افريقيا على يد أحد عمّال سيّدنا عثمان بن عفان سنة 27 ه / 647م تواردت على افريقيا الغزوات من لدن خلفاء الاسلام الى أن وقعت غزوة حسان بن النعمان الغساني الاولى وهزيمة الأميرة الكاهنة فخربت مدينتي كريز ودقاش اللتين هما قرب تبسة فانتقل بعض سكّان هاتين المدينتين بحثا عن الأمن فبلغهم ان أهالي الجريد لم تطرق بلادهم جيوش الكاهنة لأنهم استأمنوا الامير حسّان ودخلوا تحت كنفه واعتنق اغلبهم الاسلام. فأما أهل دقاش فإنهم لم يتحققوا من موت الكاهنة ورجعوا الى أوطانهم ودخل بقية القبائل البربرية في دين الاسلام وفي أواسط القرن العاشر الهجري وفد بعض الافاضل من العرب المهاذبة وسكنها وهو العارف با& سيدي عبد ا& أبو رويس وكان من العلماء الزاهدين ونما عدد ذريته ثم بعد ذلك وفد بعض أولاد خيار ونما نسلهم ايضا في دقاش. أما أهل كريز فإنهم امتزجوا في أهالي البلد وتصاهروا معهم وكذلك بلد الزرڤان وأولاد ماجد فإنهم من أهالي البلاد الاصلية مثل بلاد سدادة وقد وفد على هذه البلد الشيخ الولي الصالح أبو هلال من ناحية القيروان في القرن السابع الهجري. وأما زاوية العرب فإنهم وفدوا على بلاد الجريد في القرن الثاني عشر هجري من ناحية الكاف وفد جدهم الشيخ سيدي أبو ناب وهم ينتسبون الى عرب أولاد يعقوب ووصلوا أمرهم بالقطب الاكبر الشيخ ابراهيم خريّف وأخذوا طريقته وأخذ في إرشادهم وارتبطوا به ارتباطا كبيرا.