مازالت ذاكرة العالم تحمل تفاصيل ذلك اللقاء الثاني في منتجع كامب ديفيد والذي جمع الرئيس بيل كلينتون وياسر عرفات وايهود باراك وقد قيل قبل وحتى خلال انعقاده بأن المنطقة أصبحت على قاب خطوة واحدة من سلام شامل وأن المصالحة بين ذرية ابراهيم كما كان يحلو لكلينتون القول على مسافة ساعات. ثم فشل الاجتماع برمّته وذهب شارون الى باحة الحرم القدسي وقامت الانتفاضة الثانية واغتيل عرفات وقامت اسرائيل بحربين شاملتين عدا عملياتها العسكرية المحدودة الأخرى اليومية. وعندما يعود هذا الترويج للقاء ثان لا شيء على الارض ولا في النفوس يؤكد إلا عدم نجاحه فإن لا أحد سوف يصدّق أن الجبل لن يلد فأرا هذه المرة أيضا وأن الحكاية برمّتها لا تخرج عن سياسات تحريك لمسألة اختارت الولاياتالمتحدة منذ عقود أن لا تجد حلاّ لها ووضعت لها نظرية تقول بإدارتها فقط أي بوضوح مسألة تدار ولا تحل وهي المسألة الفلسطينية التي سوف تزداد تراجعا وانتكاسا والتي لن تتقدم خطوة واحدة الى الأمام سواء تفاوضت الأطراف المعنية أو لم تتفاوض، فقد بلغت من التعقيد ما لا يمكن فكّ عقده وبلغت من الضعف والوهن ما جعلها بلا سبب واحد للقوة وبلغت من الهوان على العرب وعلى القوى الدولية ما جعلها قضية تصيب بالصداع وتثير القلق ليس إلا. إن مثل هذه المفاوضات لا يمكن ان تبحث في الأصل إلا ما يصفّي القضية الفلسطينية وما يفرغها من محتواها وما يجعلها بلا معنى.