هل تقبل أن تعتمد على التكنولوجيا للمعايدة وبمعنى آخر هل تجوز المعايدة عن بعد، اجتماعيا وأخلاقيا ودينيا؟ لكن كيف يقسّم المرء وقته لمعايدة الأهل والأقارب والأصدقاء في ظل تباعد المسافات والطقس الحار وضعف النقل العمومي؟ ومن جهة أخرى فإن عيدي الفطر والاضحى ليسا مجرّد مناسبتين عاديتين مثل كل المناسبات الاحتفالية إذ لهما قداسة خاصة تفرض ربط صلة الرحم والتزاور ونبذ الخلافات والبغضاء وتجسيم التسامح وهي قيم وسنن لا يمكن أن تتم عن بعد مهما تطورت التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة التي قربت المسافة وغيرت مفاهيم البعد الجغرافي. «الشروق» اثارت هذه المسألة عبر شبكة مكانتها ومراسليها في عديد جهات البلاد ورصدت اراء المواطنين فلاقت تمسكا بالمعايدة والتزاور وقبولا لاعتماد التكنولوجيا مع الأصدقاء. القيروان: التواصل المباشر أكثر حميمية وبرود الإرساليات القصيرة لا يحقق صلة الرحم القيروان «الشروق»: تبادل التهاني وإشاعة فرحة العيد بين أفراد المجتمع لا يتحقق وبالشكل الحميمي بالنسبة الى البعض سوى بتبادل الزيارات والمصافحة التي تحافظ على صلة الرحم بينما لا يرى البعض الآخر حرجا في الاكتفاء بإرسالية قصيرة للتهنئة بالعيد مستغلا تقنية سريعة ومعاصرة لكنها متهمة بالبرود والعزل. عصر السرعة وتقول صبرين (طالبة) إن تبادل التهاني بالإرساليات القصيرة عبر الهاتف الجوال هو أسرع وأكثر تطورا في زمن السرعة وكثرة الشواغل، وتتيح بالتالي التواصل مع أكثر من شخص في وقت قصير خصوصا عندما تكون محلات سكن الأصدقاء والأقارب بعيدة علاوة على أنها أقل تكلفة وتكفي عناء التنقل من منزل إلى منزل ومن مدينة إلى أخرى، ونفت أن تكون الإرساليات باردة وفاقدة للحميمية موضحة أن تلك المشاعر تتغير حسب الأشخاص كما في التواصل المباشر. الهاتف أفضل أما المكالمة الهاتفية فتظل أفضل في نظر السيدة الشابة ليلى الهنداوي، خصوصا عندما يكون الصديق أو القريب بعيدا «فيقرب المسافات» مستشهدة بوسائل التواصل الأخرى بالصوت والصورة عبر الانترنيت (سكايب مثلا) ورأت أنها تفضل التزام الصمت في انتظار أن تسنح فرصة التواصل المباشر والالتقاء على تمرير إرسالية يتداول الجميع نصها أو ترسل إلى أكثر من شخص بشكل آلي وشبهت الموقف بالتواصل بين الأجهزة. وفي هذا الموقف يشاطرها السيد نزار القروي (موظف) وهو كهل يرى أن التهاني عبر الهاتف أحسن وتبلغ المقصد مؤكدا وجود فرق بين المكالمة الهاتفية والاكتفاء بالإرسالية القصيرة التي رأى فيها تأثيرا سلبيا على المشاعر والعواطف بين أفراد العائلة والمجتمع، وأكد أن صدق المشاعر يخرج من القلب خلال التواصل المباشر بينما تخرج الإرساليات من أطراف الأصابع مضيف أنها «تهاني استعجالية» الغاية منها إيصال المحتوى إلى الآخر عن مضض وللتخلص من ملامة الآخر. صلة الرحم «ملاقاة بعضنا البعض مباشرة أفضل لأنه يقوي اللحمة ومن شأنه أن يحافظ على استمرار قيم التآزر وصلة الرحم» بهذه العبارات يفتتح السيد علي الوحيشي (قائد كشفي) حديثه وبين أن لذة زيارة الأقارب والمصافحة وقبل التهاني بين الأقارب والأصدقاء تعمق وشائج القربى وتحافظ على تماسك المجتمع أسرا وأفرادا. كما بين السيد علي أن وسائل الاتصال الحديثة أصابت المجتمع بالبرود العاطفي والأسري وأدت إلى تصدع الأسر كما عمقت الفرقة بين أفراد العائلة الواحدة لأنها وسائل خشبية وبين أنه على الاباء أن يعودوا أبناءهم على زيارة الأقارب منددا بالتعويل على الإرساليات والمكالمات الهاتفية وإن كان يرى فيها حلولا لبعض الحالات لكنها لا تحقق فرحة العيد لأنها «لغة خشبية» حسب قوله ساهمت في برود العلاقات وتنافر الأفراد وعزلتهم. ناجح الزغدودي المهدية: المعايدة التقليدية رمز حاضر في مجتمعنا مكتب الساحل «الشروق»: تتنوع طرق تبادل التهاني بالعيد بين العائلات والافراد، داخل وخارج حدود البلاد، لما اتسمت به روح التونسي من محافظة على تقاليد هي من أسمى المعاني ويحث عليها ديننا الحنيف قصد التصافي والتحابب والسمو عن الضغائن ليطغى جو الفرح والانشراح لدى الكبير والصغير.. لكن ومع كل مناسبة معايدة، تكاد بعض العادات الخاصة تنقرض، خاصة في المدن الكبرى على غرار المعايدة وزيارة الاهل والاحباء يوم العيد وذلك بحسب الاستطلاع الذي قامت به «الشروق» في جهة المهدية، لتقف من خلال المستجوبين على بعض النقاط، أهمها لدى الحاجة آمنة التي قالت إنها لا تقبل الا بالطريقة القديمة لما فيها من حركة هي بركة باقية بقاء المناسبات الجميلة، ولا شيء يعوض الزيارات العائلية وتوافد الصغار وتواصلهم مع الكبار قصد التهنئة بالعيد... هذا ما اتفق عليه معها السيد «حسن بوخريص» قائلا «لم يعد للفرحة بعيد المسلمين اي معنى بعد ان استحوذت الرسائل القصيرة على أسلوب التهاني، حيث يكتفي الفرد منا بارسال كلمات باستعمال تقنية ال«أس. أم. أس» ليبارك ويهنئ أحبابه بالعيد، بل وهناك من يرسل نفس العبارات والكلمات لعدة أشخاص في وقت واحد ليحل الخطاب الخطي محل الزيارة وتكون بذلك سببا رئيسيا في جفاف المشاعر وقطع صلة الرحم. أما الآنسة «نجاح» فترى عكس ذلك وهي من مناصري استعمال التقنيات الحديثة خصوصا في هذا الوقت الذي يتسم بحرارة مرتفعة، مضيفة أن التعامل مع العصر ومتطلباته، واتساع رقعة المعارف والصداقة والتقارب حتى بين الشعوب، حتم استعمال الوسائل الحديثة للمعايدة، فيكفي تضمين ارساليات قصيرة بنص واحد والضغط على زر الجوال، لتقوم بالواجب الذي هو حركة بسيطة تنم عن شعور عميق بالتهنئة للطرف المقابل الذي يبادلك نفس الشعور بارسالية أو بمكالمة هاتفية لينتهي الامر هنا دون عناء ولا تكاليف تذكر، لكن السيد «عبد الكريم المانع» له رأي آخر في هذا الجانب، اذ يرى ان العادات الجديدة التي تطفلت علينا في مثل هذه المناسبات الجميلة قطعت حبل الود والتواصل وصلة الرحم مع الافراد وقبرت معها آخر شعور بنخوة الانتماء لهذا الوطن العربي الاسلامي الذي ما فتئ يفقد هويته شيئا فشيئا بسبب العولمة والحداثة والتكنولوجيا وغيرها، أين نحن من تلكم الايام التي لا ترى أعيننا فيها النوم ليلة العيد ونحن ننتظر الصباح على أحر من الجمر قصد الخروج لزيارة العائلة والقيام بالواجب؟؟ أما «جيهان» فترى أن مشاغل الحياة وتسارع أحداثها حرمتنا من دفء العائلة ولم يعد هناك مجال للحديث عن زيارة الاهل والمعايدة على الطريقة القديمة والتي للأسف افتقدناها وبتنا نحن اليها اليوم ونروم عودتها فوسائل الاتصال الحديثة أصبحت الحل الأسهل فهي تقرب المسافات وتختصر الوقت بأقل التكاليف، هي لقطة معبرة... لكنها لا يمكن أن تضاهي زيارة الاهل والاحباب... فالبقاء للأصل حركة وبركة وان كنا لا ننكر فضل تكنولوجيا الهاتف النقال والانترنيت في صناعة الاتصال بين الافراد والجماعات. أيمن بن رحومة قابس : تمسّك بالتزاور... والارساليات للضرورة ٭ مكتب قابس «الشروق»: «عيد... بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد» ويبدو ان التجديد في السنوات الأخيرة طال طريقة «المعايدة» عبر الوسائط التكنولوجية المتعددة من الارساليات القصيرة الى الانترنات ومواقعها الاجتماعية من «فايس بوك» و«سكايب» و«ماسنجر» و«أوفو» وغيرها من المواقع التي قلصت المسافات وربطت العالم صوتا وصورة وقضت في المقابل على حميمية «المعايدة» المباشرة وأثرها الاجتماعي والديني... تلك أبرز مواقف أهالي مدينة قابس من استعمال وسائل الاتصال الحديثة للمباركة بالعيد. الأستاذ علي القابسي انطلق في حديثه معتبرا ان لكل ظاهرة اجتماعية سلبياتها وايجابياتها «ومن ايجابيات المعايدة عن بعد ان صحت العبارة اختزالها للمسافات وخاصة بين البلدان والدول فتشاهد الأم ولدها وتسمعه مباشرة وإن كان في أقصى الارض وفي هذه الحالة تكون الانترنات خاصة وسيلة لصلة الرحم والتقريب بين الأهل والأصحاب وبالمقابل فإن استعمال هذه الوسائل داخل البلد الواحد يصبح ضربا من العقوق وينزع عن العيد جوهره وروحه باعتباره فرصة للتزاور والتسامح ونبذ الخلافات وهو ما لا تقدمه وسائل الاتصال الرقمية مهما تطوّرت وتنوّعت خدماتها». حميمية العيد ولا برودة الارساليات ابراز الجوانب السلبية «للمعايدة» عن بعد طغى على كلام نورهان بوعبد الله اذ تقول «العيد لا يكون عيدا حسب رأيي ان لم يتنقل فيه الواحد منا الى منزل والديه ليلتقي هنالك كل الاخوة والأخوات ممن حكمت عليهم ظروف العمل او الدراسة بالإقامة بعيدا عن الجهة فتتقارب الأنفس ويذوب التشاحن والحسد وهو جوهر العيد وأتعجب ممن يترك هذه المناسبة الدينية الحميمية ليعوضها بكلمات باردة يرسلها عبر الهاتف او الانترنات فأين صلة الرحم والتقارب من كل هذا؟ العيد... فرصة للتلاقي سؤال يبدو مشروعا وله ما يبرره لدى جمال الحمروني الموظف باحدى الشركات الخاصة ويضيف متعجبا «فأي ميزة ليوم العيد عن غيره من ايام السنة إذا حصرنا علاقاتنا ومعاملاتنا في بعض الرسائل النمطية والمتكررة من هاتف الى آخر والتي غالبا ما يكتبون نصها من مواقع الكترونية متخصصة في تنميق الكلام ولكنه يكون بلا روح ولا يعبّر عن دواخل وأحاسيس صاحب الرسالة ورغم انني أعمل في تونس العاصمة فإنني لا أفوّت فرصة العيد للعودة الى الديار ولقاء الأحباب والعائلة خاصة بعد وفاة والدي منذ أشهر وهو ما يجعلني أصرّ على قضاء أيام العيد بين أهلي وخلاني بل إني غالبا ما آخذ عطلة قصيرة في العشر الأواخر من رمضان». مكره أخاك لا بطل محمود عبيدي كهل في الاربعين من عمره يشتغل عاملا في مؤسسة بترولية اجنبية يؤكد انه يحبذ اللمة العائلية والأجواء الحميمية للعيد «ولكن ظروف العمل تحتّم عليك البقاء بعيدا عن الأهل لتوفير لقمة العيش ويكتفي في مقابل ذلك بمكالمات هاتفية او ارساليات قصيرة لا غير فبعض المؤسسات وخاصة منها الأجنبية لا تراعي خصوصية هذه المناسبة الدينية ولا تضع في اعتبارها الا اساسيات العمل لتجد نفسك امام خيارين إما العودة لتمضية العيد بين العائلة وحينها عليك ان تجد موطن شغل آخر وهو امر شبه مستحيل لمن هو في سني او ان تواصل عملك وتضحي بهذه المناسبة الدينية وتمني النفس بتعويضها في فرصة أخرى لأن العمل قد لا تعوضه مطلقا». التزاور قبل الرسائل «وسائل الاتصال الحديثة أعطتنا حلولا للتواصل والمعايدة» بهذه الكلمات بدأت ليلى دبيش حديثها معتبرة ان «ظروف الحياة وصعوبتها وسرعة النسق الذي بات الواحد منا يعيشه جعلت وسائل الاتصال الحديثة تعوض التواصل المباشر في عديد الأحيان لضيق الوقت او بعد المسافة وبالنسبة إليّ فإنني اتصل بصورة شبه يومية ومع ذلك فكلما سنحت لي الفرصة بالذهاب فإني لا أفوتها فضلا عن العيد الذي يبقى مقدسا الى أبعد الحدود». نبيل العمامي توزر : الزيارة والتهنئة للأقرباء والتواصل الالكتروني مع الأصدقاء تونس الشروق : التطور التكنولوجي وصل حتى المعايدات ففي السنوات الأخيرة أصبحت الارساليات القصيرة عبر الهاتف الجوال الوسيلة الاكثر شيوعا لتقديم معايدة للأصدقاء والأقارب. والأكيد ان التواصل مازال قائما رغم تغيير الطريقة وبعد ان عوض «س.م.س» و«م.م.س» التنقل الشخصي لتقديم المعايدات. البعض يرى ان في المسألة ايجابيات لأن التطور التكنولوجي ساهم في المحافظة على العلاقات الأسرية وبين الاصدقاء رغم البعد الجغرافي في حين ان الطرف المعارض يقول ان هذا يسبب القطيعة بين الاشخاص. السيد حميدة الرويسي يقول ان الارساليات القصيرة لا يمكنها تعويض التواصل البشري ولقاء الأحبّة بمناسبة الاعياد، ويشير محدثنا ان تبادل التهاني والمعيادات بطبعه شهد تقلصا بسبب تغير العلاقات الاجتماعية وتقلص في دائرة الاسرة، أما الآنسة فتحية فقد أكدت انها ما تزال الى غاية اللحظة ورغم التطور التكنولوجي تنتقل شخصيا الى أفراد أسرتها الموسعة في دقاش والمتلوي وقفصة لتقديم التهنئة بالعيد، وبخصوص الأصدقاء فالطريقة الافضل هي تبادل الارساليات القصيرة او الهاتف للتهنئة بالعيد. ويضيف مبروك العمري على ما سبق ان وصول ارسالية قصيرة الى شاشة هاتفك تعني ان الاصدقاء لم ينسوك ويتذكرونك في كل المناسبات لأن مثل هذه الارساليات «تقضي الحاجة» وقال: «ان التواصل الالكتروني أثر سلبا على التواصل البشري لكنه في المقابل حافظ على بعض العلاقات خاصة ان التواصل الأسري اقتصر في السنوات الاخيرة على وجود الوالدين فقط للم شمل العائلة التي تتباعد بمجرد وفاتهما. الاعياد فرصة للتواصل والتقارب على حد قول السيدة منجية لكنها ترى أن في التواصل الالكتروني سلبيات وايجابيات. القريب يمكن زيارته وتهنئته، أما البعيد فيمكن مهاتفته او ارسال تهنئة عبر الجوال. ويرى شق آخر ان المناسبات الدينية هي احياء صلة الرحم وتكثيف الزيارات يعزز التلاحم والترابط وان تحولت العلاقات الى ارساليات قصيرة فتكون عكسية على العلاقات الأسرية والاجتماعية.