بقلم: د.فيصل جلول (مفكر قومي عربي) لا بد من حصيلة اولية للغزو الامريكي للعراق مع رحيل القسم الاعظم للقوات المسلحة الامريكية من هذا البلد. والحصيلة تبدأ بإلقاء الضوء على الادعاءات والمزاعم التي روجت للاحتلال ومن بينها الحديث عن أسلحة الدمار الشامل وقد سقطت هذه الحجة في غرة الاحتلال. والحديث عن امتناع العراق عن تطبيق قرارات الاممالمتحدة بالتفتيش عن تلك الاسلحة وقد قامت الحرب اثناء عمل لجان التفتيش في هذا البلد.!! والحديث عن ارتباط النظام العراقي السابق بمنظمة «القاعدة» ومنظمات ارهابية اخرى «تشكل خطرا على السلام العالمي» وقد سقطت هذه الحجة قبل سقوط بغداد. والحديث عن تهديد النظام العراقي للاستقرار الاقليمي والدولي وقد سقطت هذه الحجة اثناء الغزو حيث لم تنفذ اعمال عراقية انتقامية ضد الدول التي ساندت الغزو وانحصرت اعمال المقاومة داخل العراق وضد القوات الغازية حصرا. وقيل ان الغزو يتناسب مع القانون الدولي وانه شرعي بدليل اشتراك 48 دولة في القوات التي اجتاحت العراق وقد سقطت هذه الحجة عبر رفض مجلس الامن السماح بالغزو وعبر تصريح الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان الذي قال بأن الغزو غير شرعي وغير قانوني. وقيل ان الغزو يهدف الى نشر الافكار الديموقراطية في الشرق الاوسط. والصحيح ان انتشار هذه الافكار قد تراجع الى حد كبير منذ سقوط بغداد ولربما يظهر هذا التراجع بصورة جلية في مباركة السيد سعد الدين ابراهيم ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية في مصر وهو الذي كان يناهض «التوريث» في بلاده وينسق مع الادارة الامريكية لنشر الافكار الديموقراطية في العالم العربي عبر الغزو الخارجي. لم تغر هذه الحجج الزائفة في حينه الرأي العام العربي وشطرا واسعا من الرأي العام الدولي لذا لم يتسبب سقوطها بذهول عندنا وعند غيرنا علما ان الرئيس السابق جورج بوش لم يترك فرصا كثيرة للشك في صلاحية هذه الحجج إذ صرح بوقاحة ما بعدها وقاحة في 2 أوت عام 2004 بقوله: «... حتى لو كنت اعرف ما اعرفه الان عن خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل فانني كنت سأدخل الى العراق». ولعل هذا التصريح يقفل صفحة مبررات الغزو ويمهر أكاذيب الغازي بخاتم رسمي من اعلى سلطة في الولاياتالمتحدة. بيد أن الغازي الامريكي الذي فشل في تسويق حجج اخلاقية وقانونية لغزو بلاد الرافدين طفق يربط الغزو بحجج داخلية عراقية من بينها إقامة نظام ديمقراطي وفرض احترام حقوق الانسان والقضاء على الارهاب ومكافحة التهديد العراقي لدول الجوار واعادة اعمار العراق..الخ. والواضح ان هذه الحجج تهاوت الحجة بعد الاخرى وبايقاع مشابه لايقاع الحجج المزيفة قبل واثناء الغزو. فالنظام الذي اقامه الغزاة على المحاصصة الطائفية يولد ازمات حكم بنيوية والدليل ان الانتخابات النيابية تطيح بفرص تشكيل الحكومة وتجمد الحكم لاشهر طويلة وتستدرج تدخلات دولية واقليمية لتوزير هذا او ذاك. ناهيك عن ان الحكام الذين جاء بهم الغزاة بددوا مليارات الدولارات في صفقات فاسدة ومفسدة دون رقيب او حسيب. وفي السياق لم يتمكن الحكام الجدد من توفير الامن والراحة للمواطنين ناهيك عن تردي الخدمات الاساسية وانتشار المعازل الطائفية والعرقية في بلد كانت نسبة الاندماج الاجتماعي فيه من اعلى النسب في منطقته اضف الى ذلك سقوط مئات الالاف من العراقيين في ظل الاحتلال بين جرحى وقتلى ومفقودين فضلا عن ملايين المهجرين والمهاجرين داخل وخارج البلاد. وسط هذا الدمار الشامل يشق على المرء الحديث عن احترام حقوق الانسان في العراق وخاصة عن احترام حق السكن وحق التنقل وحق الامن وحق التعليم وحق العمل اما حق التعبير فقد صار سقفه قاصرا على حكام العراق «الجدد» هذا اذا أردنا طي صفحة «أبو غريب» وتصريحات وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد عن تكوين وسائل اعلام عراقية على قاعدة الرشوة ومديح الاحتلال وعملائه. يبقى الحديث عن الارهاب وقد صار العراق من ابرز الدول المصدرة له بعد افغانستان اما عن تهديد البلد لجيرانه فقد انقلبت الاية وصار العراق مسرحا لتدخل كل دول الجوار في كل شؤونه بل في تفاصيل حياته اليومية وقد تم ذلك بفضل المحتل الامريكي وربما عن سابق تصور وتصميم ذلك ان هدم الدولة والجيش العراقي بقرار من بول بريمر ما كان يمكن ان يؤدي الى نتيجة أخرى. اما عن اعادة اعمار العراق فلا حاجة فعلا للمطارحة والجدل ليس فقط لان المحتل لم يتمكن او لم يرغب في حل ابسط المشاكل في حياة العراقيين اليومية بل لان الحديث اصلا عن اعادة اعمار بلد محتل يتحدى المنطق والعقل والتفكير السليم فالاعمار يتم في بلدان سيدة ومستقلة ويعبر عن تطلع شعب نحو المستقبل ويأتي كمحصلة منطقية لمشروع سياسي واجتماعي وطني معبر عن طموحات اهل البلد. في هذه اللحظات التي نشهد فيها رحيل القسم الاعظم من القوات الامريكيةالمحتلة عن بلاد الرافدين يبدو أن الحصيلة العراقية التي تفرض نفسها لسنوات الاحتلال المستمرة هي ان المحتل نجح في نشر الخراب في بلد عربي كان عامرا وحيويا ومستقلا ورافع الرأس وقاعدة مهمة لمقاومة وردع التسلط الاجنبي في العالم العربي ولعل هذا الخراب هو ذاك الذي وعد به جيمس بيكر طارق عزيز في ذلك اللقاء الشهير قبيل حرب الخليج الاولى.