مائةٌ مرّتْ.. أعمَى في سِيرْكِ النارِ على بابِ الشعْرِ الدوّارِ وعتْبَتِهِ الزلِقةْ جسدي يتقطَّعُ بالأسبابِ فلا أنا أبلغُ خدَّ البابِ ولا أنا أَلْحَقُ بِالحَلَقَةْ.. أدعوكَ إلى جذعي. أنا ذا شجرةْ أتهجّى الوحشة مزدحمًا بالعالم تحت لحائي. أقرأُ في عينيِّ الذئب الساكنِ في أحشائي. أمْحُو عن فكّيهِ سُطورًا من دمِ طفلي (طفلٌ أنْصُلُ فيه وعنهُ، كأنْ لا ينجُو شيءٌ منّي إنْ لم يَهْلَكْ شيءٌ منهُ) وأكتبُ: لَحْمِي ينْصُلُ في لحْمِ الورقةْ.. مائةٌ مرَّتْ، وكأنَّا يُتْمٌ يُسْنِدُ آخَرَ.. عِشْ ما شئتَ صديقي. عشْ ما شِئْتَ وحدّثْنِي. هل عشْنا غيرَ حديثٍ معسولٍ يتدلّى مِثْلَ الحبْلِ البائدِ في بئرٍ عطلتْ؟ هل كُنّا طيلةَ هذا الحبْلِ سوى نمْلٍ لزِقٍ بضفيرتِهِ اللزقةْ؟ أدعُوكَ إلى كهفٍ قُرْبَ الميناءِ، نُشَيِّبُ فيه الليلَ مع الغُرَباءِ، ونلعنُ كلْبَ الوقتِ النابحِ في الظلْماءِ، ونبكي حتى نسْمع قُطْبَ الحكْمةِ ينزفُ أشْعارًا عَبِقَةْ من رأسِ خروفٍ مصليٍّ، ونرى البقدونُسِ يرقصُ درويشًا دوّارًا في صحْنِ المَرَقةْ.. أنا ذا شجرةْ أتنفّضُ من أوراقي المَيْتَةِ. أغمسُ جذعي في ناريِ لأُحبّكَ. كم قتلوني بعدَكَ. صاحٍ أنتَ وتقرأ أسْرَاري أم نمتَ؟ أُحِبُّكَ. نَمْ يا طفلَ الدَقْلَةِ والكِنْتَا والهِيصَةِ والعَمّارِي. حُزنُكَ أخضرُ يا ابنَ شُباط الأمواه الشبقةْ لحياةٍ أكبر ممّا نكتُبُهُ فيها.. حدّثني عمّا بعد الشعر وبعد الموتِ. أتختلفُ الأحوالُ هناكَ لنُلْقِيَ في سَيْحان الشعر ببعض خسائرنا، أم أنّ جميعَ دروب الشعر إلى الخسرانْ، كي نبدُو أجملَ مكسورينَ وأقرب منفيّين وأعْقلَ معْقُولينَ وأثقل مدعوّين إلينا في حفلات الذكرى والشُكرانْ؟ مائةٌ مرّتْ وكأنّك في العشرينْ.. عِش بعدكَ. ماذا نصنعُ بالعشرينَ إذا لمْ نسرقْ نارَ بروميثيوسَ ولمْ نهزأ بالداءِ وبالأعداءِ ولمْ نحلُمْ بحقولِ النورِ ولمْ نطْرَبْ لجناحِ الطيْرِ يُمَوْسِقُ فلسفة الثُعبانْ؟ حدّثني عنكَ. تُناغي حوريّات النُورِ؟ وتهزأ مثل النسْر بأحجار الفُلتاء؟ سعيدٌ أنتَ؟ سَعِيدٌ أنْتَ وتكتُبُ؟ هل تحتاج الأرضُ إلى ما يكْتُبُهُ السُعداءْ؟ ولماذا يكتُبُ من لا جرعةَ لاقْمِي في شفتيهِ، ولا أصحابَ عليهِ ولا أعداءْ؟ لا نايَ لنَفْخِ المُوسيقَى في الماءْ؟ لا فأسَ ليهْويَ من علياء الشعْر على شعبٍ ميْتٍ وجذوعٍ هامدةٍ صمّاءْ؟ حدّثني عن أحبابكَ: ماذا يفعلُ لامارتينْ؟ هلْ خَضَّ بُحَيْرَتَهَ بِيَدٍ وقصِيدَتَهُ بِيَدٍ؟ هل ترجم جبرانٌ موسيقى الرمل إلى زبدٍ؟ هل أبصر عازفُك الأعمى إيليَّا في أُوليسْ؟ حدّثني كيفَ الشعرُ بِلاَ شيطان الشعر؟ أَمَ انَّ شياطين الشعراء عتاةٌ حرّاقونَ ويسترقون مسالكَ يجهلُها البوليسْ؟ حدّثني عن أحبابي: كيفَ لبودليرٍ أنْ يكتُبَ في ليلٍ لا قطّة فيهِ ولا باريسْ؟ من أينَ لرامبو أن يعتادَ الغربةَ في فردوسٍ لا حبشيّة فيه ولا بوهامَ ولا بَاخُوسْ؟ حدّثْنِي عَنْها وهي تذبُّ شواردها، هل كُنْتَ كما يهْذُونَ تنامُ لأسْهَرَ جرّاهَا؟ وتجيئُكَ طيِّعةً وأطاردها لا أعرف ما هي حتى حين أراها؟ هل يتسَاوَى الشَّاعِرُ والمَهْوُوسْ؟ حدّثني عنك وعنّي. كُلٌ في طرفٍ. تتأرجحُ مثل الطفلةِ بيني هذي الأرضُ وبينكَ. نُمْسِكُها كُلٌّ بيدٍ ونُطيّرُها في الجوّ. تَحُفُّ بها كملاكِ من نُورٍ وأراودُها مثل الكابُوسْ. من أينَ يجيءُ الشعرُ مكانًا لا تُفّاحةَ فيهِ ولا إبليسْ؟ مائةٌ مَرّتْ، خمسونَ إلى خمسين. وما الخمْسُونَ؟ أدورُ على نفسي مثل الكلْبِ المعقولِ إلى كلبٍ مجنونْ. آهٍ لَوْ أعرفُ كيف أعضُّ على ذَيْلِي! لو أعرف كيفَ أعضُّ على ذيل الشعر الملعون ابْنِ الملْعُونْ!!