الجمهور التونسي أصبح ينتظر كل كلمة يحبرها أو يقولها الاعلاميون والفنيون عن المنتخب بعد كل خيبة.. حتى أصبح بعضنا «يتفنن» في فرم لحم المنتخب لكن هل تغيّر الحال..؟ الجواب طبعا ب«لا».. طالما الوجوه هي.. هي.. والأخطاء هي.. هي.. والقرارات هي.. هي.. والكلام هو.. هو.. وبالتالي كيف يغيّر اللّه ما بقوم لم يغيّروا ما بأنفسهم.. وكيف يستقيم ظل المنتخب وعوده أعوج..؟ بعضنا أشار إلى التداعيات الأخلاقية للاعبين وسهراتهم الماجنة سواء قبل أو بعد اللقاء.. والبعض الآخر أكد على أن هؤلاء «شبعوا» ولن يضيفوا شيئا طالما أنهم لا يشعرون برغبة في الأخذ والبعض الثالث ذهب الى أن اللاعب التونسي بصفة عامة «داخل في الربح.. خارج من الخسارة» وبالتالي لا غرابة ان نراه في احدى الزوايا الحمراء بعد كل مقابلة سواء انتهت بالربح أو الخسارة.. والبعض الرابع حاد بعض الشيء عن هذا النهج وأقر أننا نفتقر الى جيل كروي جيد يعيد لنا الأيام الزاهية وإن الموجود يدخل في اطار «عمشة في بلاد العميان».. وهناك رأي خامس وسادس وسابع عشر كلها تفسّر حالة الهذيان التي يعيشها الشارع الرياضي بسبب المغص الكروي الذي أصاب الكرة التونسية على مستوى المنتخب.. لكن هل أتى أحد بالحلّ..؟ الجواب مرة أخرى ب«لا».. وحتى «المائدة» المستديرة التي نظمتها منذ أيام جامعة الكرة لاستشراف غد المنتخب فإنها كانت مناسبة أخرى لكشف حقائق تعرفها «خالتك رمضانة» (أمي الغالية التي أستحي أن تذكر في هذا المقام). أما الحلول واقتلاع الخطإ من جذوره فلم تكن لتأخذ حظها بالكامل طالما أننا مازلنا نتعامل ب«كيمياء» العلاقات ونخشى الأسماء أكثر من ربّ السماء.. اليوم يجب أن نندب على المنتخب حتى ينكشف العظم.. واليوم يجب أن نندب اختياراتنا التي بحثنا فيها عن مدرب «بطّال» ولم نبحث عن مدرب «بطل».. واليوم يجب أن نندب ونلطم وجوهنا على معدن لاعبينا سواء الناشطين محليا أو المحترفين والمنحرفين.. واليوم لا يجب أن نخجل من وضعنا لأن الخجل لا يفيد بل لا بدّ أن نتحرك لنردّ الكرامة لكرتنا و«نبرّد» قلوب الجماهير التي تدفعها وسائل الاعلام في كل مرة الى إعادة علاقتها بالمنتخب ونتمنى ألاّ تكون هذه الخطوة من «الكبائر» التي سنحاسب عليها يوم الدين.. لن أتحدث عن اللاعبين هذه المرة لأني على يقين بأن ثلاثة أرباع لاعبي هذا الوطن ذهبوا الى الكرة صدفة.. وان الربع الأخير صنعه البخت وإلاّ ما معنى أن يكون عصام جمعة أفضل هداف للمنتخب التونسي لكل الأوقات في أوقات مرّ فيها مرعبون من أمثال شقرون والخويني وعظومة والمرحوم عقيد وحتى الركباوي والتواتي وعبد القادر بلحسن وغيرهم كثير.. وإلاّ ما معنى أن يشارك أشباه لاعبين في أكثر من مونديال ولا يكتمل هذا الحلم في مسيرة لاعبين لن يعيدهم الزمان مرة أخرى من أمثال خالد بن يحيى ونبيل معلول ولطفي الحسومي وحمدة بن دولات وعبد الحميد الهرقال وغيرهم أيضا كثير.. وإلاّ ما معنى أن لا تلمس أيادي طارق وعتوقة والعقربي والقاسمي وذويب وتميم والشايبي وجنيح والسويح أي كأس افريقية ويلهو بها من لم يكن يعرف حتى كيف يربط خيوط حذائه الكروي..؟ هي الظروف التي جعلتنا ننتظر العسل من لاعبي اليوم رغم أننا على اقتناع تام بأننا نطارد خيوط الدخان وعناقيد الوهم وسراب النجاح وإلا ما معنى أن نصطف بمجموع أربع نقاط في طابور يضم بوتسوانا (تبعد عنا بست نقاط.. يا للفضيحة) والتشاد والمالاوي.. فهل بعد هذا العار.. عار؟ على جناح الألم منذ أيام جدّت واقعة على مستوى الترجي كان بطلها مايكل اينرامو الذي قام بحركة لا رياضية تجاه المدرب المساعد ماهر الكنزاري.. ولحظتها نزل حمدي المدب وتخلى عن ذلك «البريستيج» السلبي ونزل الى حافة الميدان و«أمر» المدرب باخراج اينرامو الذي يمثل 50٪ من الفريق وكان أمره مقضيا بمباركة تامة من الجماهير الحمراء والصفراء. مساء السبت أتى عصام جمعة حركة لا أخلاقية تجاه الجمهور الحاضر بل تجاه كافة الشعب التونسي (لأننا على نفس الفكرة تجاه هذا اللاعب)، لكن لا أحد تحرك من المسؤولين من المدرب الى المساعد الى كل الجالسين على دكة الخجل بجانب الملعب.. لا لشيء إلاّ لكون عصام جمعة ممنوع من الصرف.. أليس هو هداف المنتخب لكل الأوقات؟ بين هيئة الترجي والمكتب الجامعي فوارق يحسبها بعضنا بحجم الكراسي ونحسبها نحن بحجم المآسي.. على جناح الأمل اليوم صدمنا الواقع.. وعلينا التعامل معه بعين ثاقبة بعيدا عن كل توتر.. واليوم لا نطالب بقرارات سريعة بقدر ما نطلب التأني والفحص الدقيق للأمور حتى تكون خطواتنا القادمة ثابتة حتى وإن كانت بطيئة.فالأهم أن تكون ذات جدوى وذات فاعلية فلا أحد منّا يطالب في هذا الظرف بالذات بالعودة السريعة الى الطريق السيارة ومجاراة النسق الجنوني للبقية لأننا تخلفنا عن الركب وعلينا قبول هذا الأمر الواقع مهما كانت مرارته.. أمّا عن نصيحة عدم السرعة والتسرع فلمصلحة الجميع خاصة أن المثل يقول «السلاحف أكثر خبرة بالطرق من الأرانب»..