كشفت تقارير صحفية أمس عن وجود صراع مكتوم بين «رأسي» طاقم المفاوضات الفلسطيني: الدكتور صائب عريقات والدكتور نبيل شعث. والصراع وفق تقديرات البعض لا يتعدى حرب تصريحات بين الرجلين، لكن لا يوجد ما يمنع تصاعده، خاصة أن الساحة الفلسطينية أصبحت من بين كبرى عللها الخصومات والانقسامات السياسية. و«الصراع» حسب ما سرّب من معلومات يقسم فريق التفاوض وأعضاء القيادة الفلسطينية إلى شقّين: شقّ يناصر عريقات وآخر يناصر شعث. ولا أحد يجزم بأن الصراع قد يتجاوز حرب التصريحات، لكن لا أحد أيضا يضمن عدم تطوره إلى انقسام سياسي في صلب حركة «فتح». وتشير التقارير الصحفية إلى أن أعضاء القيادة الفلسطينية منقسمون حول أيهما (أي عريقات وشعث) أولى بترؤس الوفد الفلسطيني المفاوض الذي من المقرر أن ينتقل إلى منتجع مدينة شرم الشيخ المصرية للمشاركة في جولة جديدة من المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي تحت رعاية مصر. تصريحات وتصريحات مضادة وفي ظلّ غياب الرئيس محمود عباس عن جلسات المفاوضات المرتقبة يومي الثلاثاء والاربعاء القادمين يبقى اختيار رئيس الوفد الفلسطيني محلّ جدل. وسبق للدكتور نبيل شعث أن تحدث عن لقاء سرّي تمهيدي يسبق جولة المفاوضات الأولى، لكن صائب عريقات نفى جملة وتفصيلا ما جاء على لسان شعث، فعاد الأخير ليؤكد ان جولات المفاوضات فيها ما هو علني وفيها ما هو سرّي، ليردّ عليه الأول بالقول إن الرئيس عباس هو من سيرأس الفريق المفاوض. وفي ردّ عريقات أو تعقيبه على تصريحات «غريمه» محاولة لقطع الطريق على أصحاب الرأي القائل بأحقية شعث في رئاسة الوفد الفلسطيني. ومع ان احتمال ترؤس محمود عباس للجولة الأولى من المفاوضات أمر صعب، إلا أن عريقات صرّح بعكس ذلك. مفاوضان وللقياديين خبرة في التفاوض وكلاهما من أبرز الشخصيات الفلسطينية التي عايشت بداية المفاوضات من أوسلو (التي جاءت بالسلطة الوطنية وأعادت قيادات في المنفى إلى الضفة والقطاع) إلى الآن، ولكن لكل منهما أسلوبه. ولا أحد ينكر أن الدكتور صائب عريقات أصبح متخصّصا في إدارة المفاوضات أجاءت بنتيجة أم لا فقد ساهم في عقد اتفاقية أوسلو (عام 1993) وكان طرفا رئيسيا في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ولقب ب«كبير المفاوضين». والرجل حاصل على درجة علمية عالية في دراسات السلام. وأصدر عريقات أيضا كتابا بعنوان «الحياة مفاوضات» حاول من خلاله طرح سبل تطوير مهارات التفاوض. أما الدكتور نبيل شعث فلا تقلّ خبرته عن عريقات، بل إن البعض يراه أكثر خبرة لأنه سبق له أن قاد أكثر من وفد مفاوض، وشغل مناصب وزارية (وزيرا للتخطيط ووزيرا للاعلام ومستشارا للراحل ياسر عرفات). إضافة إلى ذلك قام شعث بإدارة الأزمة مع حركة «حماس» وقاد فريق المفاوضات في محادثات المصالحة والحوار الوطني. وأبدى نبيل شعث مرونة في التفاوض مع «حماس»، لأنه مؤمن بأن أي مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي لن تثمر شيئا يذكر طالما أن الساحة مشغولة بالانقسام الداخلي، فيما تستمر اسرائيل في عدوانها وفي مشاريع تهويد القدسالمحتلة. والموقف ذاته يتبناه صائب عريقات، لكن لكل أسلوبه ورؤيته لحل الخلافات الداخلية وادارة المفاوضات مع العدو الاسرائيلي. صراع طبيعي والصراع على رئاسة وفد التفاوض قد يكون أمرا طبيعيا لأن الانتماء إلى نفس الحركة أو الحزب لا يعني بالضرورة تطابق الرؤى وأساليب المعالجة، يضاف الى ذلك أن كلا منهما يرى في نفسه (وفقا لسجله) أكثر أهلية لإدارة المفاوضات. الصراع المكتوم بين عريقات وشعث قد يكون سحابة صيف عابرة، وقد يكون خلافا عميقا يزيد من حدة الانقسام الداخلي، يبقى أن على القيادة الفلسطينية ان تحسم الامر لأن الوضع ليس في حاجة الى جرعات زائدة من التوتر.