اعتبر المحلل السياسي الدكتور ابراهيم علوش ان الازمة السياسية التي يعيشها لبنان اليوم لا تخرج عن المخطط الأمريكي الصهيوني على المنطقة وتدخل في إطار الاستعدادات التي تجريها امريكا لضرب ايران مشيرا الى أن ما يحصل اليوم هو محاولة لتركيع وتدجين «حزب الله» لكي لا يتمكن من التحرّك في صورة تنفيذ الهجوم المرتقب وإبعاده عن دائرة الصراع العربي الاسرائيلي. وقال الدكتور علوش في حديث مع «الشروق» ان كل احتمالات تطور الاوضاع تشير الى ان الأذرع الصهيونية في لبنان تدفع به نحو حرب أهلية جديدة مشيرا الى أن موقف رئيس الوزراء سعد الحريري الذي طالب فيه بمحاسبة شهود الزور هو مسرحية سياسية ستجعل ممن استعملوا في الماضي لتوريط سوريا اكباش فداء اليوم على مذبح العلاقات مع دمشق مؤكدا انه ستقع تصفيتهم قريبا. وفي ما يلي نص الحوار: ٭ هل يمكن الجزم بأن الأدلة التي كشف عنها «حزب الله» حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري هي سبب الأزمة السياسية التي يعشها لبنان؟ لا أعتقد ان الأدلة التي كشف عنها السيد حسن نصر الله هي السبب وراء تأزم العلاقة بين سعد والحزب. في البداية علينا ان نتذكّر أن كل قصة المحكمة الدولية الخاصة بالحريري تستهدف اشعال نيران الفتنة بين السنّة والشيعة في لبنان ووضع لبنان تحت الوصاية الدولية كمدخل لنزع سيادته وعروبته وهو ما يتمم مشروع التشكيك والوصاية الدولية الذي باتت معالمه واضحة من السودان الى العراق الى اليمن وصولا الى الصحراء الغربية. نحن لا نتحدث عن خلاف شخصي بين شخصين ولو كانا رمزين او قائدين بل نتحدث عن مشروع دولي يتعلق بلبنان ولهذا المشروع أدوات اقليمية ومحلية. الأدوات الاقليمية هي ما يسمى دول الاعتلال العربي (الاعتدال) وهناك أدوات محلية تتمثل في قوى 14 آذار وعلى رأسها رموزها المعروفون مثل الدكتور سمير جعجع ومن ثمة سعد الحريري. ونلاحظ هنا ان هناك وزراء ونوابا صادقين تم اغتيالهم مثل رشيد كرامي ولم يؤد ذلك الى محكمة دولية تستهدف سوريا في البداية ثم حزب الله الذي يفهم ان هذه المحكمة تستهدفه لذلك عندما بلغ الى مسامعه ان المحكمة ستوجه اتهامها الى (عناصر غير منضبطة من الحزب) فقد فهم تماما ان هذه التهمة إما أن تؤدي الى جرّ كوادر الحزب وقياداته الى السجون والمحاكمة في لبنان أو في الخارج وإما ان يساوم الحزب على سلاحه وبالتالي تصبح المعادلة تخلي الحزب عن السلاح مقابل عدم إدانته في قتل الحريري وأشير هنا الى الأنباء المتواترة بأن الرئيس عمر البشير تم ابلاغه بأن القضية ضده قد تسقط بعرضها على مجلس الأمن او تؤجل مقابل موافقته على انفصال جنوب السودان. إذن هذا الأمر يجب ان يقرأ ضمن المعادلة اللبنانية التي تشكل العوامل الاقليمية والدولية أجزاء منها ولا يقرأ هذا الأمر كسوء فهم بين اثنين كانا يسيران في الشارع السياسي فارتطما ببعضهما البعض صدفة ونشأت بسبب ذلك مشكلة بينهما. ٭ هل يمكن ان نعتبر ان موقف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أعفى سوريا و«حزب الله» من التهم الموجهة اليهما باغتيال رفيق الحريري؟ أنا لا أفهم كيف ان موقف الحريري لا يتهم «حزب الله» بل ما يجري هو تحويل التهمة من سوريا وعناصر الجيش اللبناني خاصة الضباط الاربعة وبالمقابل يتم التركيز على الحزب. لم تسقط التهمة بل تم تحويل الاتجاه والمقصود هو اتهام الحزب بشكل غير مباشر وإذا قبل الحزب فإن هؤلاء سيشعرون أنهم ضحايا ولسوف يشهدون ضد حزبهم الذي سلمهم أكباش محرقة اما اذا رفض الحزب ان يسلم عناصره فيصبح حينئذ متورطا بذريعة ان لديه ما يخفيه ولو لم يكن الأمر هكذا لما خاف من تسليمهم. الحزب يفهم جيدا ما يجري. ٭ هل هناك علاقة بين ما يحدث في لبنان وما يجري في الإقليم وخاصة بالنسبة الى إيران؟ ما يجري يرتبط بشكل وثيق بموضوع الصراع مع إيران على الهيمنة على الإقليم، ومن الطبيعي ان الطرف الأمريكي الصهيوني وحلفاءه يرون بأن لا بد من تقليم ما يعتبرونه أدوات ايرانية في المنطقة واهمها حزب الله فلابدّ من نزع سلاح الحزب وتدجينه وهو ما يسهم في إضعاف إيران إقليميا ويهيئ للسيطرة على لبنان ومحاصرة سوريا لأن لبنان هو خاصرة سوريا وقد فهم الرئيس بشار الأسد هذه القضية جيدا ولذلك تواترت أنباء صحفية بأنه ابلغ الحريري الصغير بأن اتهام «حزب الله» يعادل اتهام سوريا. وبالتالي تم تحويل الاتهام باتجاه «حزب الله» ولو على شكل طعم اسمه «عناصر غير منضبطة» وتستهدف مساومة «حزب الله» على سلاحه وهو ما يضعف لبنان ويسهل الهيمنة الأمريكية عليه ويقوي قوى 14 آذار التي تعتقد بناء على معطيات الانتخابات النيابية اللبنانية في الصيف الماضي بأنها لولا سلاح «حزب الله» فإن شيئا لا يستطيع ان يقف في وجه هيمنتها على لبنان. نحن نتحدث عن معادلة داخلية تدخل فيها معطيات إقليمية عربية وايرانية كما تدخل فيها متغيّرات غربية. ويجري الصراع على اتجاهات متعارضة لأن كل تأثير يحاول ان يحجم أو يلغي التأثيرات الأخرى. والنتيجة تكون في كثير من الاحيان فقدان كافة الأطراف لسيطرتها على الموقف ودخول لبنان في أتون الفتنة والحرب الأهلية. ومن هنا نفهم الزيارة المشتركة التي قام بها الرئيس الأسد والملك عبد الله بشكل مشترك الى لبنان حرصا على عدم خروج الموقف عن السيطرة. ٭ كيف تفسرون تبني سعد الحريري لموقف «حزب الله» في مسألة شهود الزور؟ أنا لا أعتقد ان ما قاله الحريري عن شهود الزور هو أمر صادق خاصة ان بعضهم كانت قد رشحت معلومات بأنهم مرتبطون به، أعتقد ان هذا التصريح يهدف الى تبرير الهجمات السابقة على سوريا. الحريري حاول ان يجد له مخرجا من خلال هؤلاء الشهود الذين استخدمهم في الفترة السابقة وحاول ان يضحي بهم على مذبح العلاقات السورية. وأشير هنا الى ان هذا لا يأتي الا بتوافق سوري سعودي على هذه المسألة لذلك هذا كلام لا آخذه بجدية ولا أعتقد ان «حزب الله» يأخذه بجدية لذلك عندما حاول الحزب ان يحول الكلام الى موقف حقيقي برزت المطالب من 14 آذار بنزع سلاح الحزب وهو ما يصب في النتيجة نفسها كما أشرنا في البداية بأن كل موضوع اتهام يستهدف اجبار الحزب على التخلي عن سلاحه. كل ذلك مسرحية اعلامية وشهود الزور سيطيحون برؤوس 14 آذار مما يجعلنا متأكدين من أنه ستتم تصفيتهم قريبا. ٭ ما هي التطوّرات التي يمكن ان يشهدها لبنان في الفترة المقبلة في ظل هذه المؤامرة؟ أعتقد ان الوضع في لبنان أخطر بكثير مما نرى خاصة في ظل احتمال ضرب إيران. لو كنت مكان المخططين الاستراتيجيين الامريكيين والصهاينة فإننا لن نقدم على ضرب إيران دون التخلص من الأدوات التي يمكن ان ترد بها إيران على أي ضربة. هنا يأتي الانسحاب المعجل من العراق وفي لبنان حاولوا عبر 14 آذار وفشلوا وهنا تم تحريك قضية المحكمة والآن احتمالات الضربة على لبنان واردة بمقدار ما يصرّ «حزب الله» على رفض المؤامرة السياسية وبالمقابل قد يؤدي تصعيد الموقف السياسي (نحن بصدد فتح احتمالات) من هذا المنطلق قد يكبل حزب الله سياسيا بالمعادلة الداخلية بما يمنعه من الردّ لو ضربت إيران وفي كل الحالات الطرف الأمريكي الصهيوني سيكون المستفيد مما يجري. ٭ كيف تتصوّرون ان يتصرف «حزب الله» أمام هذه الاحتمالات؟ «حزب الله» لا يملك خيارا بالمضي في اي من الاتجاهات المذكورة لأن ذلك يعني تحجيمه سياسيا وعسكريا ولا أظنه يقبل ولن يكون لديه خيار غير المضي في القتال. وفي المقابل لنا ان نتخيل موقف «حزب الله» لو تمت الضربة المحتملة على ايران.