عندما تعلن اسرائيل ان فيتو أمريكا اضطرها للتراجع عن ضرب سوريا قبل اشهر، فانما الضمير المستتر في هذه الرسالة هو توجيه انذار الى السوريين مفاده ان فكرة الضربة قائمة وان عليهم الا يغضبوا الأمريكيين كي لا يرفع الفيتو ويحصل المحظور. واذ ياتي هذا الاعلان في سياق اتهام جديد بتهريب سوريا اسلحة الى حزب الله في لبنان، عبر القول ان غوغل استطاع ان يرصد موقعا بالقرب من دمشق، يتدرب فيه مقاتلون على صواريخ سكود، وخلصت التقديرات الاسرائيلية الى انهم مقاتلون من حزب الله. فان الطريف في الامر ان غوغل الذي يستطيع فعلا ان يرصد اي موقع ارضي يستطيع ان يرصد هوية وانتماء الشخص الذي راه يتدرب. اذن المسالة مسالة ضغط من نوع ثان، تلتقي مع اقتراب صدور القرار الظني، وقبله موعد تسليم وزير العدل اللبناني لمذكرته الخاصة بشهود الزور. وكما كل شيء في لبنان، فان بنود مذكرة الوزير اللبناني قد اصبحت على صفحات الصحف قبل ان تصل ايدي الوزراء المطلوب منهم مناقشتها في الاسبوع القادم. لتخلص تلك الصحف، الى ان اقرار الوزير بصلاحية المحاكم اللبنانية للنظر في محاكمة هؤلاء، ستكون ارضية لاطلاق عملية المحاكمة، لكنها لن تكون الا عملية طويلة جدا ومعقدة جدا، سواء بسبب طبيعة الاجراءات القانونية، او بسبب ان هذه الاجراءات ستتم غيابيا بحق اهم هؤلاء الشهود وبالتالي لن تؤدي الى ما يراد من محاكمتهم، اي كشف من كان وراءهم، من صنعهم ومن حرضهم ودعمهم. لذلك لن تؤثر مسالة المحاكمة كثيرا على مفاعيل القرار الظني. وهنا مربط الفرس. فسوريا قد اعلنت انها ضد ما سيحمله هذا القرار من اتهام لعناصر من حزب الله، بل وتجاوزت الى الاعلان عن عدم قبولها بشرعية المحكمة الدولية بعد ان اصبحت محكمة مسيسة. وعليه فان جميع حلفاء سوريا في لبنان قد اتخذوا الموقف نفسه بمن فيهم الحليف الجديد، وليد جنبلاط. وامام هذا التشكيك في المصداقية، فان الخطوة التالية لمحاكمة شهود الزور ستكون انتقال فريق 8 اذار الى الضغط باتجاه الفرضية الاسرائيلية، واخذ المحكمة بها، وستدعمه سوريا في ذلك، وسيجد المجتمع الدولي الداعم للمحكمة نفسه محرجا في عدم القبول بهذه الفرضية. مع ما سيعنيه ذلك من انعكاس على الفرقاء المحليين في 14 اذار. وعلى الهدف الاول والاخير في كل هذا العرس الماساوي : نزع سلاح المقاومة. اذن لا بد من العودة الى الضغط على دمشق باتهامات قديمة – جديدة، وبتهديدات مبطنة جديدة. اما كون هذه التهديدات تتعلق بالرضى الأمريكي، فان بعدها يتمثل في امرين عدا لبنان : فلسطين والعراق. ففي مسالة الاولى، ها هي المفاوضات المباشرة تكشف العورة عن فشلها، مما يعني العبور الى استحقاقات ما بعدها. وفي موضوع العراق، ستظل المعادلة المطروحة ضمنيا على سوريا هي: عدم التعرض او دعم التعرض للمصالح الأمريكية في بلاد ثروات الرافدين، مقابل اطلاق اليد في لبنان، معادلة تكررت منذ 1991 وان بنسب مختلفة، وبتطورات تختلف بحسب التطورات الاخرى. وهنا يدخل العنصر الايراني، الذي يعيش هو الاخر معادلة مشابهة: تركه يمارس نفوذا سياسيا في العراق مقابل عدم تعرضه للمصالح الأمريكية الاقتصادية هناك. وهذا ما يفسر الأمريكيين ودول الاعتدال وحتى سوريا، عن اياد علاوي لصالح نوري المالكي. امام هذه المعادلات الأمريكية الاقليمية، تقف اسرائيل مطالبة بحصتها، والحصة اكبر بكثير من مجرد رسائل ضمانات او قروض، فحكومة نتنياهو اقوى من ان ترضى بالفتات. واقوى من ان تقبل بما يقبل به محمود عباس وغيره من الحكام العرب الموظفين في دائرة العلاقات العامة في البيت الابيض. لذلك تعود الى إصدار التقارير التي تشكل فضائح وتهديدات، على طريق تحقيق خطوات على طريق التخلص من سلاح المقاومة اللبنانية، وجر سوريا الى مفاوضات بديلة عن الفشل مع الفلسطينيين، وربما الى مواقف لا تعطل مفاعيل هذا الفشل على الارض الفلسطينية كما تم التصميم لهذه المفاعيل من قبل الاسرائيلي والأمريكي، وربما بمعرفة السلطة أيضا. والنتيجة. ان التجزئة في تناول القضايا القومية، وادارتها بشكل متناقض، لا يؤدي الا الى الخسارة، حيث لا يكون الربح في ساحة ما الا بثمن خسارة في موقع آخر.