عدد قليل من التونسيين أتيحت لهم فرصة زيارتها أو بالأحرى اجتهدوا للاطلاع على هذه المدينة الضاربة في القدم التي يعرفها المؤرخون على أنها احدى أهم المدن التاريخية في افريقيا، حيدرة النوميدية ذات الكنوز التاريخية النادرة. حيدرة أو أميدرة العتيقة التي خلبت لب المستكشفين والرحالة والعابرين واحتفظت بالكثير من أسرارها التاريخية التي كشفت الحفريات عن جزء بسيط منها، ومنها أكبر لوحة فسيفساء في بلادنا تجسد أربع عشرة جزيرة يونانية مما زاد تأكيد الحظوة التاريخية لمدينة لم يخدمها موقعها الجغرافي كي تحافظ على ألقها الغابر وبريقها القديم وهي التي تبعد قرابة الثمانين كيلومترا عن مدينة القصرين، فندرت الرحلات السياحية إليها خاصة مع عدم وجود مسلك سياحي واضح المعالم في جهة الوسط الغربي رغم وجود أهم مقوماته من جبال شاهقة وآثار وتراث. تأسيس مهرجان صيفي في حيدرة، وعلى محدودية امكاناته جلب انتباهنا مجددا الى هذه القلعة التي لا يجب أن نهول المسافة التي تفصلها عنا، إذ لا تتطلب زيارتها أن نصبح «كناترية» فالأرض أرضنا والمسارب سالكة الى ما وراء المحيط. فتى حيدرة.. جلاد المسيح منذ سنتين (سنة 2004) عرض فيلم «آلام المسيح» في كبريات دور العرض في العالم وقدم في الفقرتين السينمائيتين لمهرجاني قرطاج والحمامات وشدت انتباهنا ملامح فتى كان يجلد المسيح حتى تصطك أسنانه في مشهد شديد الدموية من رائعة ميل جيبسون تلك، انه عادل بكري الفنان التونسي المهاجر الذي شارك في عديد الأعمال الفنية العربية والايطالية، انه فتى حيدرة الذي يعشقها حد الجنون وصور فيها مشاهد شريطه الوثائقي «شاعرا سأصير» الذي أنتجته احدى الشركات الايطالية السنة الفارطة. عادل بكري كان على هيئة مهرجان حيدرة ان تتصل به لبرمجة فيلمه أو تكريمه في مهرجان المدينة الثقافي، والحقيقة أن هيئةهذه التظاهرة الطموحة تحتاج أمثال عادل بكري من أبناء المدينة الغيورين عليها والذين بإمكانهم تقديم اضافة ثقافية نظرا الى موهبتهم وشبكة علاقاتهم المتطورة وتطوعهم اللامشروط ولنا في ذلك أمثلة جميلة كعلاقة زرن بجرجيس. نصيب من الفرح ندوة فكرية حول خصوصية المنطقة الأثرية بحيدرة، وسهرة مع سعيدة الهاني، وألعاب فروسية بملعب الولي الصالح سيدي علي بن ابراهيم، وسهرة مسرحية، وخيمة لتراث المدينة وسهرة لموسيقى الشباب هي مختلف فقرات المهرجان التي كانت حسب ما أتيح من امكانات مادية والمهم أن سكان المدينة نالوا نصيبا من الفرح في انتظار فرحة أكبر في قادم الدورات لمهرجان حالم لا يزال في خطاه التأسيسية. أما إذا كان أهالي حيدرة سعداء بفقرات مهرجانهم فلن نتجرأ على اقناعهم بحلم مهرجاني تافه يمجد بعض المغنين الذين لا يؤدّون إلا البلاي باك وعلى الركح يقهقهون فقط (لأن الحيلة تنطلي كل صيف علينا).. حيدرة أقرب الى عليسة عمقا وحضارة منها الى اليسا ونتمنى أن تختص لنفسها بحراك ثقافي في مستوى أمجادها لا أن تهتم للتهافت الفني والتكالب الثقافي المناسباتي الأجوف و«طبابلية» بولحناش أولى بالمال الوطني المهدور من دمى الفضائيات. الجائزة العالمية للحفريات.. وخجل المدير حيدرة تحتاج من يرسل إلينا بصورها وصور احتفالياتها خاصة وأن حفريات كبيرة تقام بها منذ ما يقارب العشريتين توجت في الربيع الفارط بجائزة عالمية للحفريات، جائزة ترأس لجنة تحكيمها الأستاذ بيار سيلفان فيليورا رئيس الأكاديمية الفرنسية لعلوم النقائش والآثار والآداب. وقد تم نشر نتائج هذه الحفريات في مجلدين من قبل المدرسة الفرنسية بروما علما أن مجلدا ثالثا هو الآن قيد الطبع.. إنها معطيات بالغة الأهمية وما خفي أهم وهو ما يمكن أن يثري ورقة المهرجان، لكن مدير المهرجان ورغم اتصالنا به مرتين أظهر «خجلا اعلاميا» مفرطا ولولا حصولنا على معلومات عن التظاهرة من خلال الكتيب الأنيق الذي أعدته مندوبية الثقافة والمحافظة على التراث بالقصرين لما تسنى لنا معرفة ما يدور هناك في حين أن دور المهرجان هو أن يفك عزلة المدينة بفضل الوسائل المتاحة من فاكس وانترنات.. وحتى ارساليات «أس.أم. أس».. انتهازية أردنا أن ننتهز فرصة التئام مهرجان حيدرة الصيفي كي نتحدث قليلا عن المدينة ككل لا عن السهرات والفقرات المقترحة فقط، وكل صيف وأهالي حيدرة المدينة وسكان أريافها «الدشرة» و«بنماقطة» و«الطباقة» و«عنازة» و«الجوى» في حبور.