شكلت حادثة العثور على الطفلة سارة وعودتها الى حضن أمها مناسبة هامة لاختبار كيفية التعاطي الاعلامي مع هذه الواقعة التي شغلت الرأي العام ردحا من الزمن، وللأسف الشديد تعثّرت صاحبة الجلالة وتمرّغ رداؤها الأنيق بغبار اللهث وراء السبق الصحفي وتنافس المتنافسون على السباحة في شبر ماء فكان ضحايا الضرب بالمرفق اكثر من الغرقى. بدأت الحكاية يوم 29 جويلية 2010 حينما نشرت «الشروق» بصفحات القضايا حادثة اختفاء رضيعة من مستشفى الأطفال بالعاصمة، وبعد نحو أسبوعين نشرت وبثت وسائل إعلام أخرى مكتوبة ومرئية الحادثة وتم التوسع في تفاصيلها وساهمت الصورة التلفزية وخاصة برنامج «المسامح كريم» في إشاعة القضية حتى كادت تتحول الى قضية رأي عام. وسط كل ذلك نشرت الزميلة «التونسية» يوم 4 سبتمبر خبر ايقاف خاطفة سارة والحقيقة ان هذا التاريخ وافق إعلام السلط الأمنية بالمشتبه بها حيث اختفت الخاطفة بعد ذلك عن أنظار جيرانها الى أن تم القبض عليها يوم 7 سبتمبر على الساعة الثانية صباحا. الى هنا تبدو الأمور عادية وبدا أداء الاعلام متوازنا وجديا الا ان ما حدث يوم العثور على سارة كان يوما غير سارّ في حياة صاحبة الجلالة. هنا وهناك... على شاشة التلفزات وعلى صفحات «الواب» وعلى «مونشتات» الصحف اليومية والأسبوعية الصادرة يومها وعلى الهواء وفي الجرائد الالكترونية صدرت نوعية غير صدقية من العناوين البرّاقة من نوع «ما ننفرد به» و«خاص» و«مواكبة لحظة بلحظة لعودة سارة» و«... عندنا فقط» كان المشهد الاعلامي يومها مثل سوق ودلاّل، ولو تركنا جانبا صخب وفوضى العناوين هذه وعدنا الى مستشفى الولادات ببنزرت صبيحة الحادثة لوجدنا واقعا آخر ولفهمنا ان البعض كان يلوي عنق الخبر ليّا ويجرّه من شعره جرّا في محاولة محمومة وبائسة لادعاء السبق الصحفي... أمام مستشفى الولادات ببنزرت ومنذ الساعة الثامنة صباحا كان يرابط مراسلو جريدة «الشروق» وإذاعة «موزاييك» فقط... نعم فقط وتمكنوا من دخول المستشفى والقيام بعمليات التصوير الى أن جاءت «الأم» وقاموا باستجوابها بصورة برقية خصوصا وقد كانت محاطة باجراءات أمنية مشددة وغادرت بسرعة في حدود منتصف النهار و20 دقيقة، بعد ذلك تتابع وصول عدد مهم من وسائل الاعلام بما فيهم قناة «حنبعل» (الساعة الثانية والنصف) التي توجهت بعد ذلك خطأ الى «عين بيطار» وبمساعدة «الشروق» تم تصويب وجهة الفريق الصحفي لهذه القناة الى «بئر مسيوغة» العنوان الصحيح لمقر إقامة عائلة «سارة». كان هذا هو الترتيب الكرونولوجي للأحداث غير ان عناوين بعض الصحف والمضمون الاعلامي وخصوصا التلفزي جنح الى الادعاءات الوهمية بالسبق الصحفي ونسف جهود الذين أثروا المشهد الاعلامي في هذه الحادثة ليتأكد مرة أخرى ان السبق الصحفي يجب ان يكون انفرادا حقيقيا بالخبر والجهد وليس بالدوس على رقاب الآخرين... ان بعض وسائل اعلامنا في حاجة أكبر الى التحلي بأخلاقيات المهنة.