صدر الجزء الثاني بعد الأول من مؤلف بنات أفكاري للكاتب الصحفي سليمان بن يوسف الأمين في نسخة عن المطبعة العصرية. الكاتب الأمين عودنا بكتابة ينزاح فيها عن التجنيس المحدد المنمط فهذا الكتاب خواطر وآراء وأفكار حول التاريخ والعصر وهو أيضا أدب انشائي على صلة بالفن والرومنسية والذوق الأصيل الرفيع والكاتب خلال كل هذا يمزج بين هذا وذاك في أسلوب لا هو مباشر خطابي ولا هو سردي خبري لذلك قلت انه نمط في الكتابة فريد وملفت لا سيما وقد عقد الكاتب الأمين لقاءات مع رؤوس الفن لذلك جاءت سيرة الملحن الموجي ومرسيل خليفة ونجيب محفوظ والموسيقار محمد عبد الوهاب وغيرهم كثر. عقد سليمان بن يوسف الأمين فصلا كاملا بعنوان سوسيولوجيا علمية جادة ومناسبة للتاريخ والدين والمجتمع بما يجمع هذه المكونات الثلاثة مستندا في ذلك الى الدروس الأكاديمية سواء في الجامعة التونسية أو بالرجوع الى قراءاته الخاصة مثل مراجع ما كس فيبر أو محمد عابد الجابري ومحمد أركون هذا الذي أثار اشكالية المقدس المدنس مع اعتبار أن محمد أركون قد نظر في دور المقدس في نظام الكون أو بوصفه ظاهرة تاريخية والحقيقة أن أركون قد اعتبر أن أم الاشكاليات في المسألة الدينية هو العقل الدوغمائي الذي أغلق ما كان مفتوحا ومنفتحا وحول ما كان يمكن التفكير فيه بما أتاح وجود مسلمات معرفية ذاكرا أن الفلسفة السياسية قد تشكلت بعد الحملة الفلسفية الحديثة التي حصلت في أوروبا ضد السياج الدوغمائي المغلف الذي شكله اللاهوت المسيحي أما المسألة الثانية التي أثارها سليمان بن يوسف الأمين فهي جدلية اللغة والفكر وهل يتسع المجال للبحث في هذه الثنائية التي لطالما اعتبرت من مشاغل الفكر العلمي النقلي والتي تتقدم النظر في القرآن والسنة عن طريق علم النحو وذلك أن استنباط الأحكام الشرعية متوقف عليه والاجتهاد يعود اليه وقد أدرك الفقهاء أهمية النحو واللغة فجعلوهما شرطا يجب توافره في الفقيه فقد ذكر ابن حزم في كتابه الاحكام أنه لابد للفقيه أن يكون نحويا لغويا والا فهو ناقص ولا محل له أن يفتي لجهله بمعاني الأسماء وبعده عن فهم الاخبار بقي أنه في الألسنية الحديثة ربط علماء اللسانيات اللغة بالايماء وتساءلوا ان كان ثمة لغة للايماءات وأجابوا بأن كل فرد منا يعبر عن نفسه شعوريا أولا شعوريا وسواء أراد أن يتواصل مع الآخرين أم لا من خلال الايماءات فكل حالة انفعالية تترك في داخلنا تأثيرات معينة تظل موجودة داخل ذاكرتنا هذا الموضع الذي ستتحول فيه الاندفاعات والدوافع الى ايماءات واتجاهات وحركات منظمة وهكذا فإننا نعبر عن الموقف أو الحالة الواحدة بعدة ايماءات والعكس ممكن جدا. هكذا ألقى سليمان بن يوسف الأمين الينا بثورة نفسه على حد تعبير الشابي وتناسلت الاشكاليات في غير تفاوت قيمي فكل المسائل حقيقة وبالنظر والبحث والتأويل في تجاذب وعن البقية الباقية مما لم أذكر أقول انها كتبت بالفعل وبالقوة لتقرأ.