صحيح ان امر المفاوضات الحالية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، يبدو محسوما مسبقا، وموعودا بالفشل، رغم الحضور القوي للمسؤولين الامريكيين في ادارة هذه المفاوضات، الا ان كل ذلك لا يبرر الاستقالة العربية ازاء ما يحدث. والاستقالة العربية يتم التعبير عنها، خاصة، في المواقف المتكررة التي يعلن عنها هؤلاء، دون ان تكون مصحوبة بإرادة حقيقية للفعل والتأثير. وآخر تلك المواقف، ما تم الاعلان عنه اثر الاجتماع الوزاري العربي، والمتمثل في التهديد مجددا بنقل المفاوضات إلى مجلس الأمن الدولي، باعتبار ان فشل المفاوضات وتدهور الأوضاع في الاراضي المحتلة يبرر الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي. كما يأتي هذا الموقف متزامنا مع الدعوة الموجهة إلى واشنطن، والمتكررة هي ايضا، بعدم استخدام حق النقض، وبالالتزام بالمواقف المبدئية المعلنة من الحقوق الفلسطينية ... الاستقالة تبدو على مستوى، التناقض الواضح بين هذه الدعوات، و حقيقة التجاذبات والرهانات على طاولة المفاوضات، والتي تتسم خاصة بانهيار تام لسقف المطالب العربية والفلسطينية، بما يجعل من التهديد بنقل الملف الى مجلس الامن الدولي، مجرد «ادارة» للحظة سياسية حرجة، بما انه سبق للعرب وان هددوا بنقل ملف الصراع العربي الاسرائيلي إلى مجلس الأمن الدولي ولم يفعلوا. كما سبق لهم بأن أعلنوا وفاة مبادرة السلام العربية، وعادوا الى طرحها مجددا. الاستقالة تبدو ايضا في التناقض بين مواقفهم الحائرة تلك، وقبولهم قبل ذلك باستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، في وقت كان كل منصف في العالم سيدعم رفضهم العودة الى المفاوضات وتشبثهم بالحقوق العربية، على الاقل كما ضبطتها قرارا ت الشرعية الدولية . هرولة العرب... الى الخلف، جعلت سقف المطالب العربية يقف عند تجميد الاستيطان في مستواه الحالي، في موقف قد لا يستمر طويلا في مواجهة تصميم اسرائيل على ان السلام يعني، الأمن والأرض لها، وللفلسطينيين مجرد معازل منزوعة الحقوق السياسية والوطنية. وطالما لم يتغير الموقف العربي باتجاه موقف حاسم، واضح ، وصارم من التعنت الاسرائيلي ومن سياسات المماطلة والتسويف و«البلطجة»، وكذلك من المواقف الامريكية المنحازة، فإن اسرائيل لن ترتدع ولن تتراجع عن فرض «السلام» الذي تريد، والذي يكون فيه العرب إما عبيدا او في العالم الآخر.