يفرقهما عشر سنوات ومائة ميل ونيف ولاشيء غير ذلك، تواعدا على الحب والاحترام تواعدا على ان السير على مهل هو الحل الأنسب لكليهما، انها قصتك يا رجلا اظنته، انه كابوسك يا ابن آدم وحواء. عبر الأسلاك التقيتما الى أن أتت فرصة اللقاء انت صاحبة الثغر المبتسم وهي الريح الطيبة. جاء اللقاء فكان حارا بين مكرّ ومفرّ خشية الأنظار، كانت الأجواء كأنه حفل وبينهما عرس نظرات تنظر تارة الى العروس وتتمنى ان تجلس مكانها وتنظر تارة لمسات من تحت الطاولة، كانت تجلس بجانبه أخرى وتوهمه بحبها له وهو الصادق معها. أحبه من استقبله ومثلت عليه دور العاشقة المتيّمة والولهانة اغدقته بحب زائف حتى صارت كل حياته. التقيا من الغد في المدينة ليلا للسهر رفقة «العديل» و«العروس» ويا ليتها لم تكن انفردا في طاولة ليتجاذبا أطراف الحديث ويشعرا بشيء من الخصوصية ويالها من خصوصية. عريس رفقة عروسه ويتبع تحركات الآخرين مهملا عروسه... عريس بلا نفع.. بلا فائدة على طاولتهما وضعت رأسها على كتفه وراحت تستنشق عطره وتغدقه بأحلى كلمات الشوق طالبة الشوق، وضعت خدها على خده فحملها بين ذراعيه وأنفاسهما تتلاقيان وتقابلا في قبلة أولى ذابا فيها دون ان يدرك... ان البرج كان يراقب مهملا عروسه. تأخر الوقت وكان ينتظره طريق طويل فقرر ان ينهي سهرته ولكن أبت وبكلمة لطيفة ومداعبة اثنته عن العودة. وقاما ليرجعها الى بيتها وفي السيارة تحدثا... لمسها... قبلها.. احس بوجودها.. ونزلت لترحل ويكون اللقاء الأخير. تواصلت القصة لكنها عادت الى بدايتها الى الاسلاك بشتى انواعها وتواصلت المسرحية الإغريقية بكامل مشاهدها التراجيدية وكم صارت كلمة «أحبّك» بمستوى القذارة. ظل الرجل صبورا ومتحملا ومشتاقا وسأل نفسه هل للحب مواعيد ومواقيت كالصلاة؟ ... معها كان كذلك صبورا. تواصلت التراجيديا وكانت تؤدي دورها بكل حكمة وخبث وحنكة وهو الذي اعتبرها امرأة وما كانت إلا عابثة. كانت تبعده عن حياتها تدريجيا وكأنها تحضر لقصف وزرعت قنابلها في حقله وانتظرت لحظة التفجير. وملأت قلبها كرها وحقدا دون ان يعرف لذلك سببا. كتبت قصيدة زيفتها بكلمات كلها أشواك ثم أرسلتها: «الى الرجل الذي كذبت عليه وأعرف انه أحبني واحترمني أقول لك من على منبري هذا أني لست لك لأنك «أرقى مني بكثير ولأني أكن لك الاعجاب وليس الحب سأتركك ترحل الى ذراعيْ أخرى فهل تقبل صداقتي؟ امتلأ قلبه بالحقد والكره تجاهها... كم أحس بالاحتقار تجاه نفسه وتجاهها في تلك اللحظة وأنه اشبه بالروث فقط لأنها كذبت عليه... لأنها تنكرت لمشاعره الصادقة. اليوم وقد كان بين رفوف ذاكرته وجدها وعليها بعض الغبار تساءل هل يمحيها ام يتركها لينظر اليها و... يحتسي على ذكراها كأس النبيذ علها تنسيه مأساته.. ودارت الايام وملأ الحزن قلبه لأنه عاش حلما على وشك التحقق وفرح لأنه ترجى فبان الرجاء لينسيه ما حصل ويضمد جروحه. ورحل الريح الطيب وأتى الرجاء حاملا في طياته من أحلى ما يكون ليضمّد جروح الجندي مكسور الجناح . دخل بقوة وعنف، دون ان يستأذن حتى و ما كان للجناح الا ان يقبل فتاة سمراء حوراء المقلتين، مقلتين ابدع الله في رسمهما وتفانى في خطوطهما منها أرى العالم وهي من ارجعت الحياة. تسمى حبيبتي .. تسمى روحي.. وقد انتشلتني من تحت أنقاض الحزن والضياع حملتني كالرضيع وآوتني كالحبيب، ونظرت اليّ في عيناي وقالت: «كيف لهاته العيون الخضر ان تبقى بلا رفيق؟ كم بائسات هن اللاتي قذفنك من على مراكبهن ولم يلاحظن ما أراه؟ ولكن لا تخف يا حبيبي سأخبئك في قلبي وستلعب بقوانيني. وأغمض عينيه وتنهد تنهيدة تشبه زفير المحتضر لحظة لفظه أنفاسه الأخيرة الى ربه ودخل في سبات عميق لا يعرف له استيقاظا، بين يديها وجد راحة كبرى بين يديها شعر بالأمان الذي طالما بحث عنه في سابقاتها. راحت كالنحلة على زهرتها بفرحتها وبحنكتها تغزل حريرا وترعاه وبحنانها تسقيه كؤوسا وقوارير. تضمد جراحه وتسمع ما يشكوه قلبه من مآسي وتعيد نبضه وأنفاسه. أيام وأيام تتالت وبدأ الظبي بالشفاء من داء الريح الطيب وغزاله يغدق عليه حنانا وعناية. «أحبّك... أحبك.. تتساءلون من هي؟ وتجيبون لحالكم كالمجانين: «أنها كأي فتاة، انها كأيتها امرأة وأجيبكم أنها علت على من سبقنها وجلت على من سبقنها ومن سبقنها لسن سوى أشجار شوك كؤوس حنظل وأحيانا أفكر أن أكون ذاك المعتوه الذي نراه في الافلام من يعذب الناس ويريهم ما قدمت أيديهن الوسخة. حبيبتي أنا الآن هي ملكي وأنا ملكها قطعت عهدا على أن لا تتركني عصفورة قلبي الآن. غزالي ليس كمثله غزال شمل مواهب لا تحصى ولا تعدّ فصيحة اللسان رقيقة الإحساس غزال في شكلها نحيفة ولبؤة في شهامتها. أنت يا من أنسيتني ايام الشوك انت يا من ركعت أمامي وعاهدتني على الإخلاص أنت يا من تمنيت ان تثأري لي من سابقاتك وتخفيني في دهليز حتى لا تكون لك لاحقات أنت من أنت أنت منى اليوم وأمل الغد يا فتاة ما بين القصرين... قصور تاريخها شامخ وحكاياتها صامدة أنت اليوم مُلكي وحدي وسأكشر عن أنيابي وسأقاتل ان لزم الأمر سأقول لسابقاتك: «مع ألف سلامة ولن أقول الى اللقاء» لأني لا أبتغيه ومن عواء الذئب سأنتقل الى زئير الأسد يا غزالي ويا لبؤتي «... لن أخشى العالم ولن أخجل في أن أقول لك: «احبك... أحبك... احبك». ٭ بسام الغطاسي (12 سبتمبر 2010)