22 سبتمبر الجاري: "يوم فرص الأعمال مع تونس" ببوخارست    "البنية التحتية الصناعية ومنظومة النقل،ركيزتان أساسيتان لدفع الاستثمار" محور ملتقى جهوي بسوسة    جلسة عمل ببلدية تونس للنظر في مختلف المشاكل والنقائص المتعلقة بدائرتي الحرايرية والسيجومي    وزارة الصحة: 4 عمليات زرع اعضاء ناجحة من متبرع واحد    عجز الميزان الطاقي يتراجع ب5% إلى 6414 مليون دينار موفى جويلية 2025    تونس تسجل ارتفاعا في انتاج الكهرباء مع موفى جويلية الفارط ب4 بالمائة    الطلب على الطاقة يرتفع ب10% مع موفى جويلية 2025    من صدفة طريفة إلى دعوة رسمية.... السائحتان الأمريكيتان تعودان لاكتشاف تونس    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة السادسة    معرض "تأملات فيدال سبادافورا" من 14 إلى 28 سبتمبر بدار سيبستيان    من قياس الأثر إلى صنع القرار: ورشة عمل حول تنفيذ مؤشرات الثقافة 2030 لليونسكو    اجتماع تحضيري للقمة العربية الإسلامية في الدوحة    طقس اليوم: الرصد الجوي يتوقّع ارتفاعا طفيفا في الحرارة    وزير الخارجية الأمريكي يصل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة    تصعيد في لندن: إصابات خطيرة بين الشرطة واعتقالات جماعية في احتجاجات اليمين    منظمة شنغهاي للتعاون تدين الغارات الجوية الإسرائيلية على قطر    وزير الخارجية المصري يوجه انتقادا لاذعا لدول غربية    وزيرة الأسرة تشرف على فعاليّات الحفل السنويّ للكشافة التونسيّة    قائمة الأكثر كسبا للأرباح.. رونالدو الأول ورام يتفوق على ميسي    كرة القدم العالمية : برنامج أبرز مباريات الأحد و النقل التلفزي    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي أمام امتحان صعب    الشركة التونسية للملاحة .. إلغاء سفرة تونس مرسيليا المبرمجة اليوم على متن السفينة «قرطاج»    طقس الليلة    حادث مرور قاتل بهذه المنطقة..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء .. تونس ماضية بخطى ثابتة نحو الأمام    الرابطة الاولى.. نتائج الدفعة الاولى من مواجهات الجولة 5 للبطولة    "مواسم الريح" للأمين السعيدي رواية الإعترافات والبحث في أعماق الذات البشرية    «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية في قاعاتنا ..صوت الطفلة الغزّاوية الذي فضح صمت العالم    في اختتام المهرجان الجهوي لنوادي المسرح بولاية المنستير .. ترشح شباب المكنين ، سيدي عامر والمنستير للمسابقة الإقليمية    عاجل: نشرة خاصة لأسطول الصمود...رياح قوية وأمواج عالبة    بطولة اسبانيا:مبابي يتألق في فوز ريال مدريد بعشرة لاعبين 2-1 على سوسييداد    ليلة منعشة بانتظار التونسيين    السينما التونسية تسجل حضورها في المهرجان الدولي للفيلم الفرنكوفوني بنامور    الإنفلونزا ليست موسمية فقط.. قد تدمّر رئتيك من الداخل!    كاس ديفيس للتنس (المجموعة الاولى) تونس تنهزم امام السويد 2-0 في مباراة الزوجي    بنزرت: إعادة ضخ 21 طنا من الخضر والغلال في المسالك القانونية اثر حملة رقابية مشتركة    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم وغدا بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل: هذا ما قرره القضاء في حق صاحب مؤسسة أنستالينغو    عاجل: إبحار أول سفينة من أسطول الصمود من بنزرت نحو غزة    تمتيع 120 ألف تلميذ من العائلات المعوزة ببرنامج المساعدات المدرسية    محمد الجبالي يوضح: لم أتهم فضل شاكر بالسرقة والتشابه موجود    8 دول عربية تتأثر بالأمطار الرعدية والبَرَد هذا الأسبوع    عند سوء الاستخدام.. بعض الأدوية قد تصبح قاتلة...شنيا هي؟    كيفاش البصل يحميك من الأمراض والبرد؟    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    زلزال بقوة 7.5 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    وزارة الصحة تطلق خطة وطنية للتكفل بمرضى الجلطة الدماغية    السبت: حالة الطقس ودرجات الحرارة    الديوانة: حجز بضائع مهرّبة تفوق قيمتها 19 مليون دينار خلال الأسابيع الفارطة    وزارة الصحة تحذر    عاجل/ فرنسا تمنح تونس 3 قروض وهبتين.. وهذه قيمتها    تحت شعار "نعدو من أجل تونس أكثر خضرة ": هذا موعد الدورة 38 لماراطون كومار تونس قرطاج الدولي..    تونس: حجز أكثر من 15 ألف كرّاس مدرسي    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    أبراج 12 سبتمبر: يوم يحمل فرصًا جديدة لكل برج    مهرجان المناطيد الدولي يرجع لتونس في التاريخ هذا...وهذه تفاصيله والأماكن المخصصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«باب الذّاكرة « لسلوى الرّاشدي (1-2) أو قصص الحنين إلى الأمس البعيد
نشر في الشروق يوم 23 - 09 - 2010

قصص مجموعة «باب الذّاكرة» لصاحبتها الأستاذة سلوى الرّاشدي قصص مغرية بالتّناول النّقدي متعدّد الجوانب والزّوايا. يمكن أن نتّخذها أنموذجا للحديث عن تداخل جنسي السّرد والشّعر في الأقصوصة أو أنموذجا لتناول التّكثيف وطرئقه و أثره في النصّ وفي المتلقّي أو أنموذجا للحديث عن الوضوح والإغماض وما يتوسّل به لفهم الأوّل وتأويل الثّاني أو أنموذجا لدراسة توظيف التّراث في السّرد العربيّ الحديث أو مثالا لتقصّي مواطن الإبداع باللّغة في اللّغة... كلّ ذلك ممكن جدّا لما في هذه الأقاصيص من ثراء ومن حرفيّة ومن ذوق يفرض سلطته على القارئ العادي وعلى الباحث الأكاديمي، ولكنّنا سنحيد عن كلّ ذلك آملين أن نفرغ له في مناسبات أخرى أو ينتبه إليه غيرنا ويدرسه ويثري بدرسه النّقد والقصّة التونسيين لنبحث في جانب آخر رأيناه قد طال أغلب نصوص المجموعة وانسحب عليها : إنّه باب حضور الماضي بكلّ ألوانه ما تعلّق منه بساردي النّصوص أو ما تعلّق منه بالمحيطين بهم.
ولعلّ العنوان الذي هو عتبة الكتاب الرّئيسيّة لا يخاتلنا ولا يراوغنا ولا يقف أمامنا حاجزا عنيدا يستعصي تجاوزه ولا طلسما يصعب حلّه ولا لغزا يعزّ تأويله إنّما هو محيلنا منذ البدء إلى العودة إلى الماضي أو إلى الأمس البعيد أو إلى النّبش في حكايا وأحداث ووقائع طواها التّاريخ وأعادتها إلينا سلوى الرّاشدي في أسلوب قصصيّ شيّق وطريف. ولا يبدو العود إلى الأمس منافيا للقصّ موضوعا وأسلوبا وتقنية ولا غريبا عنه إنّما هو من صميم السّرد ومن ركائن الحكي. ألسنا نستهلّ حكاياتنا دائما ب: كان يا مكان و يحكى أنّ وذات مرّة وذات عام وبلغني أنّ و ... Il était autrefois.
تنبؤنا العتبة الأولى أنّنا سنسافر إلى زمن مضى أو أزمان مضت أو أنّنا سندفع بابا وسنلج لنجد أنفسنا داخل صندوق عجب أو أنّه سيسرى بنا إلى أمكنة أخرى لنتعرّف فيها على حكايات بدأت ذاكراتنا تتلفها وعلى شخوص لم يعد الحاضر يحتفظ بغير ظلال باهتة لهم وعلى حياة تختلف عن حياتنا وعلى دنيا لم تعد دنيانا تشبهها. ويؤكّد ما يذهب إليه العنوان هذا الانسجام القائم بينه وبين عناوين داخليّة أخرى، فباب الذّاكرة الذي هو باب الكتاب والذي هو أحد عناوين النّصوص يلتقي دلاليّا ومضمونيّا وتأويليّا مع «من ذاكرة النّسيان» و «من ذاكرة عجوز» و «دنيا معمّر» و «دع الباب مفتوحا» و «حديث الحجارة» و «بائع الكعك». فكيف استعادت الأستاذة الرّاشدي ماضيها وماضينا وماضي ذوات أخرى و ما هي أهميّة هذه الاستعادة أدبيّا و حضاريّا وعلى مستويي الفنّ و التّوثيق ؟
ذلك ما سنتقصّاه من خلال وقوفنا عند النّماذج التالية واحدا واحدا:
1- من ذاكرة النّسيان: ص ص 25 -28 :
يتبيّن منذ السّطور الأولى للأقصوصة اختيار السّاردة الماضي ملجأ ومهربا وفضاء للإحتماء ولاستعادة الأمل والسّكن. يتبيّن ذلك منذ وجود الشخصيّة الرّئيسيّة بين الحافلة رقم 28 من جهة والمدينة العتيقة من جهة أخرى ثمّ اختيارها دون تردّد ولا تفكير فضاء المدينة.
فضاء المدينة العتيقة بروائحه المميّزة وأسواقه وسلعه وعطوره وأشيائه القديمة هو فضاء الماضي الذي لم تستطع المغازات الحديثة رغم علوّها وبهرجتها وأشكال سلعها وفتنة بائعاتها وبضائعها المستوردة أن تمحوه من ذاكرة العباد ودائرة اهتماماتهم, ذلك أنّ الحضارة الحديثة لم تستطع أن تأتي بما يتوفّر فيه و أنّ الذّوق الجديد لم يرق إليه : « ... قد تتعثّر أحيانا في بضاعة مصنوعة بتايوان أو باليابان أو إيطاليا فتحثّ الخطى كأنّما تنشد المدينة العتيقة التي لم نبلغها بعد ...» ص 27 .
هكذا يستمرّ الهروب من الحافلة رقم 28 رمز المواصلات الحديثة والسّلع المستوردة والاكتظاظ والانتظار والفوضى إلى دنيا المدينة العتيقة ومن سلع مستحدثة جاءت من كلّ أنحاء العالم إلى أخرى مازالت تحتفظ بروائح القديم وجماله وقدسيّته. إنّه هروب يبرّره البحث عن السّكينة والبحث عن الذّات والبحث عن الذّاكرة في تجاويف النّسيان.إنّه الهروب من الواقع الحديث فرارا إلى الذّاكرة وإلى الماضي وإلى الذّات . إنّ الهروب من الواقع الرّاهن إلى الماضي البعيد هو هروب من المرض و من الأوبئة ومن الرّداءة و إنّ الإرتماء في أحضان الأمس هو طلب للشّفاء و للتّخلّص من الأوبئة و الأدران : «كانت تخرج من المدينة العتيقة وكأنّها تخرج من حمّام استشفائيّ» ص 29.
لم يصرّح النصّ بمقارنة أو مقارنات بين زمنين ، زمن مضى لا يزال عبقه فينا ولا نزال نحتاجه لنتداوى ولنحيا ولنكون وزمن آخر جديد حديث مبنيّ على الاتّكاء على الغير وعلى الفوضى وعلى التّيه ، غير أنّ الانتباه إلى الفرق أو الفوارق متاح لكلّ قارئ حصيف تمكّنه قراءته من أن يذهب من السّطور إلى ما خلف السّطور ومن الظّاهر إلى الباطن ومن الكلام إلى مقاصد الكلام.
٭ مجموعة قصصيّة، الشّركة التونسيّة للنّشر وتنمية فنون الرّسم، تونس 2004.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.