وزارة الصحة: انطلاق وحدة الإسعاف والإنعاش المتنقلة لخدمة المواطنين بغار الدماء    قانون المالية 2026: البرلمان يواصل مناقشة الفصول الإضافية بعد المصادقة على 12 فصلًا جديدًا    مفزع.. إحصائيات صادمة عن حالات الزواج العرفي في هذا البلد..    قضية الأسمدة الفاسدة: 3 سنوات سجناً وغرامة مالية ضد رجل أعمال    نحو ارساء منظومة إسترسال ملائمة لنشاط الزربية والنسيج اليدوي في تونس    عاجل - كأس العرب: شوف مباريات اليوم و القنوات الناقلة    عاجل: مدينة العلوم بتونس تكشف موعد ''رمضان'' فلكيّا    اكتشاف الطفرة الجينية المسؤولة عن الإصابة بالأمراض العقلية..    عاجل/ هذا ما كشفته التحقيقات في حريق شركة النقل بساحل..    عاجل: 3 سنوات سجن لرجل أعمال من أجل هذه القضية..    المنستير تستعد لاحتضان الدورة 29 لمهرجان خليفة السطنبولي للمسرح من 6 إلى 13 ديسمبر الجاري    منوبة: تركيز فضاء للمطالعة الرقمية بالمكتبة العمومية بطبربة    كارثة: لبُؤة تأكل رجلا في حديقة الحيوانات    بدأ العد التنازلي..هذا موعد شهر رمضان فلكيا..#خبر_عاجل    تراجع أسعار لحوم الدجاج في تونس...علاش؟    عاجل: زعيم ميليشيات ليبي خطير جدا يتوقف قبل وصوله لتونس    هل يُعدّ بنك تونس العربي الدولي أفضل بنك في تونس؟    عاجل: موعد وصول التقلّبات الجوية الى تونس...ريح وأمطار وبرد    حركة لاعب سوريا بعد الهدف على تونس تثير الفضول ... شنوّا حكايتها ؟    إيهاب أبو جزر: تعاملنا مع المباراة أمام المنتخب القطري بذكاء والنتيجة دافع كبير لنا في البطولة    نسبة الزيادة في الأجور: خبير يكشف ويوضح..#خبر_عاجل    نسبة الفائدة تنخفض الى أدنى مستوى منذ 2023!    البرلمان يصوّت على دعم عاجل لإنقاذ شركة عجين الحلفاء والورق    الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية تكشف عن قائمة المسابقات الرسمية لسنة 2025    بطولة إسبانيا: رايو فاليكانو يتعادل مع فالنسيا 1-1    البريد التونسي يصدر سلسلة طوابع جديدة تحت عنوان "نباتات من تونس"    عاجل/ نواب بالبرلمان يقترحون هذه النسبة للزيادة في الأجور..    وزارة الصحة تبحث شراكة دوليّة لتحسين رعاية مرضى الهيموفيليا    "رويترز": ترامب أمهل مادورو حتى الجمعة ليغادر البلاد وفرض الحظر الجوي بعد رفض الأخير    فرنسا: منزل الرئيس الأسبق هولاند يتعرض للسرقة... التفاصيل    سيدي حسين: تفكيك شبكة خطيرة لترويج الأقراص المخدّرة ومواصلة الحرب على الجريمة المنظمة    هندوراس تتهم ترامب بالتدخل في انتخاباتها الرئاسية    وزير الإقتصاد يلتقي بالمستشارة الخاصة لنائب رئيس البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية.    نيجيريا: استقالة وزير الدفاع بعد موجة من عمليات الخطف    وزارة الثقافة تنعى صاحب دار سحر للنشر الأستاذ محمد صالح الرصّاع    كارثة الفيضانات في إندونيسيا: مقتل 613 ونزوح مليون شخصا    "لا نريد أحدا منهم".. وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية تقترح حظر سفر كامل على بعض الدول    الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية تكشف عن قائمة المسابقات الرسمية لسنة 2025    شراكة دوليّة لتحسين رعاية مرضى الهيموفيليا    الباحث والناقد المسرحي الكويتي يوسف الحمدان ...يجب أن يرتفع صوت المسرح دفاعا عن القضية الفلسطينية    بنزرت: مكتبة صوتية لفائدة ضعيفي وفاقدي البصر    المهدية ...في إطار البرنامج الوطني للتّرويج للمواقع التاريخيّة.. يوم سياحي بقصر الجم الأثري    أولا وأخيرا..«حابسة وتمركي»    كأس العرب: فلسطين تنتصر في أولى مبارياتها امام صاحب الأرض    الحرارة تصل 4 درجات هذه الليلة..    استقرار معدل الفائدة في السوق النقدية عند 7،49%    عدد السيارات الكهربائية التي تم ترويجها في تونس منذ بداية العام..#خبر_عاجل    عدد المتعايشين مع السيدا والخاضعين للعلاج في تونس يبلغ 2236 شخصا الى حدود ديسمبر 2024    عاجل: منخفضات قطبية تضرب المغرب العربي    الاكتئاب الشديد يعفي من قضاء الصلاة؟ التفاصيل هنا    القصرين: تقدّم بطيء في جني صابة الزيتون وسط نقص اليد العاملة وتراجع الأسعار (الإتحاد الجهوي للفلاحة)    إنتخاب سامي العوني رئيسا جديدا للجامعة التونسية للتايكواندو    كأس العرب 2025: مواجهة قوية بين السعودية وعمان في افتتاح مباريات المجموعة الثانية    هام/ تعرف على أنسب الأوقات لشرب الماء خلال اليوم…    وزير الشباب والرياضة يُشيد بدور الجالية التونسية بقطر في تعزيز الروابط بين البلدين    ابدأ الامتحانات بثقة: دعاء يحفظ المعلومات في عقلك وذاكرتك    الفروض التأليفية 2025-2026: التواريخ الرسمية لإنجاز وإصلاح الفروض    أولا وأخيرا .. نحن أفسد الفاسدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتجية القص في «المشهد والظل» لهيام الفرشيشي
نشر في الشروق يوم 24 - 11 - 2010

وأنا أقرأ مجموعة «المشهد والظل» لهيام الفرشيشي، حضرتني قولة تودوروف الشهيرة «القصة هي الحياة». تذكرت القولة لما في كل الأقاصيص التي تؤثثها هذه المجموعة من غوص في هواجس الشخصيات وأحاسيسها ورؤاها وسلوكها وبداياتها ومآلاتها.. ولما في انبناء السرد فيها على تتالي الأحداث لا على الوصف المسهب والتهويم بعيدا في ما لا علاقة له بهموم الشخصيات ومشاريعها وطموحاتها.
ولقد أبانت لنا قراءتنا لهذه الأقصوصات على أن السرد عند هيام الفرشيشي ينطلق دائما من شعور ثم إشعار باختلال وبعدم توازن ما ليسلك النص منذ سطوره الأولى مسلك البحث المستمر عن إعادة التوازن المفقود ولنكتشف أن الكتابة عند هذه القاصة ليست ترفا وليست هروبا من الواقع وليست إثارة رخيصة للغرائز إنما هي عمل متأن تتوزع وظيفته من التنبيه إلى صدع ما والانطلاق في رحلة البحث عن سبيل رأب ذلك الصدع بما يضمن إقحام القارئ في مجريات الأحداث وشده وبما يضمن تخصيصه بدور آخر غير دور القراءة يمكن أن نطلق عليه الميتا- قراءة.
إن من شأن ذلك أن يخرج القارئ من مجرد متقبل للمحمول السردي ومنفعل به إلى مفكر فيه مدرك لرؤى باثه ومغازيه فاعلا بعد الانفعال من خلال إعادة بناء النص وفق فهم مختلف قد يكون أثرى وأجدى وأقصر طريقا إلى رأب الصدع وتحقيق التوازن.
إن الانطلاق من وضعية اختلال ليست عند هيام الفرشيشي مصادفة عابرة التصقت بإحدى الأقصوصات إنما هو الإعلان عن الشعور بفقد أو بضياع وهو شعور وإدراك ينسحب على كل النصوص دون استثناء...
فكيف تجلت هذه الاستراتجية في أقاصيص هذه المجموعة؟
وإلى أي مدى وفقت صاحبتها في بناء نص قصصي يأتلف مع ضوابط القص المعتادة ويختلف عنها بتفرده في صياغة نسق السرد؟
ذلك ما سنسعى إلى كشفه من خلال النصوص الثلاثة التالية:
موكب صامت
يدرك القارئ منذ السطر الثالث أن «زياد الرافعي» قد انتحر، فينخرط مع السارد في البحث عن حقيقة ذلك الانتحار، وهل هو انتحار فعلا أم إنه موت بطريقة أخرى... وهو إلى ذلك يدرك منذ البداية أنه أمام وضعية اختلال يبرهن عليها افتقاد أستاذ جامعي مهتم بالأدب اسمه «زياد الرافعي». يتضح إذن أن قاصتنا اختارت استراتجية فيها عدول عما ألفناه في القص العادي، فعندها لا تسير الأقصوصة من الاكتمال إلى النقصان ولا من التوازن إلى عدمه ولا من الانتشاء إلى عكسه ولا من الوجود إلى التيه إنما هي تسير على خلاف ذلك فتنطلق دائما من حادثة ضياع قد يتعلق بما هو مادي ملموس... أو بما هو روحي لا يدرك بالعين ولا باللمس أو بما هو مجموع الإثنين: المادي والروحي.
ولعل الفقدان أو الضياع الذي انبنى عليه هذا النص يتجاوز «زياد الرافعي» إلى فقدان الحلم والحياة «لقد زال الحلم على وجه الأرض وانبرى الموت كملامح الأيام العصيبة»، «أين اختفت هذه الروح ؟»، وافتقاد الأبناء زينة الحياة الدنيا «حياتهما رتيبة إذ لم ينجبا أطفالا على زواجهما الذي امتد على عقد من الزمن»، ثم افتقاد حرية التعبير الفني ومحاولة تغييب الشاهد الوحيد على كل هذا الضياع.
تعود الأقصوصة إلى توازنها بوصول البحث أو السرد إلى نتيجة مفادها أنه من قيل إنه انتحر قد مات مقتولا ليبرز الغياب أو الانتحار على طريقة أبشع من الانتحار وأشنع من أي موت آخر...
بين إعلان الفقدان وتأكيده، بين ما شاع وحدث حقيقة، بين التهديد قولا، وتنفيذه فعلا، يسير القص مركزا على الحدث مبتعدا عن الاستطرادات التي يخفى حضورها أهمية خطب خطير وخسارة فادحة متمثلين في فقدان أستاذ جامعي يشتغل بالتدريس ويهتم بكتابة الرواية ومراوحا بين الإشارات التي طواها الماضي والحقائق التي تجسدت حاضراً.
حيرة نرجسية
«من منكم رأى عم عمر؟» بهذه الجملة الواردة في منتصف الصفحة الأولى للأقصوصة . ما أن يأخذ القارئ في استيعابها حتى تلحق به وبصاحبتها (الفتاة المجنونة في القصة) حالة ضياع وفقدان واختلال إذ تهوى في الماء مخلفة صرخة فقدان أخرى متعلقة بمن سألت عن «عم عمر». سرعان ما ضاعت وتلاشت هي الأخرى، وبين إعلان فقدان عم عمر وضياع الفتاة يضمن النص إعلان اختلال آخر هو هذه المرة فقدان العقل. ظاهر ذلك في نعت الباحثة عنه وباطنه في دفع الشاب صاحب الضيعة الفتاة إلى الموت ثم لامبالاته التامة بغيابها وبحياتها التي ضاعت.
من سؤال عن عمر إلى إجابة قادت السائلة إلى الموت إلى سؤال لا جواب له عن سبب الزج بالفتاة في نهاية مأسوية... من هناك إلى هنا يتردد الضياع، ويتردد الفقدان وتنساب الأقصوصة من حالة اختلال متمثلة في الاختفاء وفي الجنون إلى حالة شبه توازن متمثلة في الموت المحيل هنا على راحة أبدية وخلاص من حالة فقدان العقل.
ركض وراء الذاكرة
لا تشذ هذه الأقصوصة عن سابقتيها في تصدر حالة فقدان واختلال السرد، فالمسألة تتعلق بشخص «يحلم بزوجة تمنحه الوهج، وتفتح أبواب داره وتشرع النوافذ ...» بما يعني أن النص سيبنى على حالة افتقاد عاطفي، وبما كنا أشرنا إليه من اختلال اجتماعي وبما يؤكد ما كنا أشرنا إليه إلى أن استراتجية القص عند هيام الفرشيشي ليست مصادفة وإنما هي اختيار لم تشذ عنه أقصوصة واحدة من أقاصيص هذه المجموعة . ثم إن حالة ضياع أخرى تعلن إثر الأولى مباشرة لتزيد من تعميق حالة الاختلال . فالإعلان عن افتقاد الزوجة يتبع مباشرة بإعلان اختلال آخر هو أشد وطأة وأكثر حفرا في الروح . هو السند العائلي ليواجه مصيره المبهم، « وحولت من غيابها سرا مازال عاجزا عن كشفه ...» هو إذن افتقاد أشد خطورة لأنه يتعلق بالأم والنسب.
ويتواصل تأكيد الضياع عبر حالة اختلال أخرى ظاهرها عدم امتلاك عبد الحميد معولا يعيره جيرانه وباطنه افتقاده الفحولة أو الذكورة وهو الافتقار الذي ستفصح عنه الأقصوصة عند بلوغها منتهاها.
بادرت الفتاة:
أبي يطلب منك المعول
المعول؟
نعم المعول، ألا تملك معولا؟
ذكره هذا الحوار «عبد الحميد» بحالة فقدان أخرى متمثلة هذه المرة في وفاة المربية التي احتضنته وعوضت أمه حينا من الزمن لتصل إلى حالات الضياع المتسببة في الاختلال بأنواعه المختلفة إلى خمسة: الزوجة والأم والنسب والمربية والذكورة. « مخلفا وراءه كلمات الطبيب المحذرة من الزواج والمواسية في الآن نفسه بأن الحياة متواصلة»...
إنها حالات اختلال عديدة لعل وقعها على القارئ يصبح أشد وأدعى إلى الخوف عندما يتبين له أن ضحيتها معلم مهمته تنشئة الأجيال على التوازن والاتزان.
على سبيل الخاتمة
إن نصوص هيام الفرشيشي نصوص تحث على التفكير بما يعني أن قراءة عادية عابرة تبدو تكفي لفك رموزها والتنبيه إلى ما تضمره صاحبتها وإلى ما تبغي الوصول إليه، تبدو الحادثة بسيطة غير أن العمق يكمن في تلك البساطة وتبدو الشخصيات عادية غير أنه يمكننا أن نستنتج أنها شخصيات نماذج تحيل كل واحدة على صنف من أصناف الخلق أو على فئة من فئات المجتمع أو على اتجاه من الاتجاهات المختلفة . نصوص انبنت على استراتجية فريدة وطريفة بمقتضاها يمكننا أن نستنتج أن النص ينطلق من حالة تيه وشعور بالاختلال ليزج بالقارئ فيه فيصبح شريكا للكاتب في التفكير وفي البحث عن سبل تحقيق الاتزان..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.