الكاتب العام لجامعة البنوك والتأمين: "الإضراب ليس غاية بل وسيلة ضغط للحوار.. ونطالب بتطبيق القانون على الجميع"    عاجل: حرق وتخريب مؤسستين تربويتين في سيدي بوزيد..شنيا الحكاية؟    لقاء في وزارة الصحة حول آفاق تطوير اختصاص التصوير الطبي ودعم الرقمنة والذكاء الاصطناعي في مجال التصوير    غلق كل حساب بنكي يتجاوز 3 اشهر دون معاملات...شكونهم التوانسة المعنيين ؟    فرنسا: القبض على 5 مشتبه بهم آخرين في قضية سرقة متحف اللوفر    عاجل/ الاحتلال يواصل خرق وقف اطلاق النار ويقصف خان يونس وينسف منازل..    عاجل: الدربي المنتظر يوم 9 نوفمبر بملعب رادس ..في هذا التوقيت    بايرن ميونيخ يحقق بداية قياسية للموسم بانتصاره على كولن بالكأس    طقس اليوم :أمطار متفرقة بالشمال    عاجل: الإنذار الأصفر في عدد من الولايات التونسية بسبب تقلبات جوية    العوينة: مقتل شاب طعناً بسكين والنيابة العمومية تأذن بفتح بحث تحقيقي    عاجل/ سقط من الحافلة: أول تصريح لوالد طفل ال13 سنة بعد وفاته..    علاش نحسوا بالبرد أكثر كي نكبروا في العمر؟    مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: أرقام دقيقة تكشف توجهات الإنفاق والتمويل    السودان بين صمت العالم ونزيف الحرب.. طارق الكحلاوي يشرح جذور المأساة وتعقيدات الصراع    بينها دولتان عربيتان.. قائمة أغنى 15 دولة في العالم تكشف مفاجآت جديدة    الإعصار المدمّر 'ميليسا' يصل إلى جزر البهاما وأوامر بإجلاء السكان    ترامب يسمح لكوريا الجنوبية ببناء غواصة نووية    صدمة في لبنان: وفاة مفاجئة لنجم ''ذا فويس'' في ظروف غامضة    عاجل: اجتماع في البرلمان لمناقشة المبادرة التشريعية المتعلقة بحماية الحيوان.. ما أبرز بنودها وأهدافها؟    اليوم: أصحاب رياض ومحاضن الأطفال يحتجون أمام البرلمان    عاجل: دفعة جديدة من سيارات الإسعاف لتعزيز وحدات الطبّ الاستعجالي في هذه الولايات    رفض مطالب الإفراج عن عبد الكريم الهاروني ومحمد فريخة وتأجيل محاكمتهما إلى نوفمبر المقبل    ردا على الاحتجاجات الأخيرة.. السلطات المغربية تحاكم 2400 شخص    شي جين بينغ يعلن توصل بكين وواشنطن إلى توافق بشأن حل مشكلات كبرى وترامب يؤكد "العلاقات ستكون رائعة"    رفض مطلب الإفراج عن الكاتب العام الجهوي السابق لاتحاد الشغل بالقصرين    غرفة القصابين: سعر الكغ الواحد من لحم العجل سيصل إلى 52 دينارا في رمضان    رَجّةُ مُتَمرّد    أليستْ اللّغةُ أمَّ الثقَافة؟    بهدوء .. تَليُّف مزمن ...    «أنا والقاتلة وظلالنا» لحفيظة قارة بيبان    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو إلى مواصلة العمل بمنظومة الانتفاع باسترجاع مصاريف أدوية الأمراض العادية    سلسلة الفيفا لدعم كرة القدم النسائية: المنتخب التونسي يفوز على نظيره الافغاني    تونس تعين كمركز تميز كايزان "في مؤتمر" إفريقيا كايزان 2025" بجوهانسبورغ    صفاقس : الإعلان عن انطلاق العمل باتفاقية حماية وتثمين "مشطية جبنيانة" بموجب علامة الملكية الفكرية الجماعية    سوسة: وفاة التلميذ عمر المؤدب الذي سقط من حافلة نقل مدرسي    عاجل: تدخل طبّي أوّل من نوعه بالمستشفيات الجهوية: نجاح عملية استئصال ورم دماغي بجربة    توزر: ملتقى الواحة للفن التشكيلي بدقاش في دورته السادسة... حين تكون الواحة حضنا للفن    تونس تحتضن المؤتمر العالمي للغرفة الفتية الدولية    بطولة افريقيا للتجديف الشاطئي: فضية في زوجي الكبريات وبرونزية في زوجي الاكابر    الكاف: المهرجان الاقليمي لنوادي الأطفال المتنقلة    عاجل: حفل تكريم الفائزين بالبطولة الوطنية للمطالعة في بن عروس...لا تفوتوا الحدث!    تصفيات مونديال 2026 - مباريات الملحق الافريقي مابين 13 و16 نوفمبر المقبل بالرباط    وفاء الصغروني بطلة العالم في التايكواندو    بعثة نسائية تونسيّة إلى السعودية: لقاءات بالجملة دعما للمبادلات الاقتصادية    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة إتحاد بن قردان    علاش تونس اختارت تنتج أمّهات الدواجن؟    تنشط بين هذه الولايات: تفكيك شبكة لتهريب المخدرات تستغلّ سيارات إسعاف أجنبية    تونس: وزارة التربية تنشر فيديو توضيحي لعملية التسجيل في كونكور السيزيام والنوفيام    ابتداءً من الخميس: تحويل جزئي لحركة المرور على جسر لاكانيا    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    طقس اليوم: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    إغلاق نهائي لسينما "جميل" بالمنزه 6... نهاية مرحلة وبقاء الأثر    عاجل/ جلطة دماغية كل نصف ساعة في تونس وحالة وفاة كل ساعتين    هؤلاء هم المعنيّون بتلقي تلقيح "القريب".. #خبر_عاجل    ملتقى حول الشيخ الطاهر بن عاشور    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتجية القص في «المشهد والظل» لهيام الفرشيشي
نشر في الشروق يوم 24 - 11 - 2010

وأنا أقرأ مجموعة «المشهد والظل» لهيام الفرشيشي، حضرتني قولة تودوروف الشهيرة «القصة هي الحياة». تذكرت القولة لما في كل الأقاصيص التي تؤثثها هذه المجموعة من غوص في هواجس الشخصيات وأحاسيسها ورؤاها وسلوكها وبداياتها ومآلاتها.. ولما في انبناء السرد فيها على تتالي الأحداث لا على الوصف المسهب والتهويم بعيدا في ما لا علاقة له بهموم الشخصيات ومشاريعها وطموحاتها.
ولقد أبانت لنا قراءتنا لهذه الأقصوصات على أن السرد عند هيام الفرشيشي ينطلق دائما من شعور ثم إشعار باختلال وبعدم توازن ما ليسلك النص منذ سطوره الأولى مسلك البحث المستمر عن إعادة التوازن المفقود ولنكتشف أن الكتابة عند هذه القاصة ليست ترفا وليست هروبا من الواقع وليست إثارة رخيصة للغرائز إنما هي عمل متأن تتوزع وظيفته من التنبيه إلى صدع ما والانطلاق في رحلة البحث عن سبيل رأب ذلك الصدع بما يضمن إقحام القارئ في مجريات الأحداث وشده وبما يضمن تخصيصه بدور آخر غير دور القراءة يمكن أن نطلق عليه الميتا- قراءة.
إن من شأن ذلك أن يخرج القارئ من مجرد متقبل للمحمول السردي ومنفعل به إلى مفكر فيه مدرك لرؤى باثه ومغازيه فاعلا بعد الانفعال من خلال إعادة بناء النص وفق فهم مختلف قد يكون أثرى وأجدى وأقصر طريقا إلى رأب الصدع وتحقيق التوازن.
إن الانطلاق من وضعية اختلال ليست عند هيام الفرشيشي مصادفة عابرة التصقت بإحدى الأقصوصات إنما هو الإعلان عن الشعور بفقد أو بضياع وهو شعور وإدراك ينسحب على كل النصوص دون استثناء...
فكيف تجلت هذه الاستراتجية في أقاصيص هذه المجموعة؟
وإلى أي مدى وفقت صاحبتها في بناء نص قصصي يأتلف مع ضوابط القص المعتادة ويختلف عنها بتفرده في صياغة نسق السرد؟
ذلك ما سنسعى إلى كشفه من خلال النصوص الثلاثة التالية:
موكب صامت
يدرك القارئ منذ السطر الثالث أن «زياد الرافعي» قد انتحر، فينخرط مع السارد في البحث عن حقيقة ذلك الانتحار، وهل هو انتحار فعلا أم إنه موت بطريقة أخرى... وهو إلى ذلك يدرك منذ البداية أنه أمام وضعية اختلال يبرهن عليها افتقاد أستاذ جامعي مهتم بالأدب اسمه «زياد الرافعي». يتضح إذن أن قاصتنا اختارت استراتجية فيها عدول عما ألفناه في القص العادي، فعندها لا تسير الأقصوصة من الاكتمال إلى النقصان ولا من التوازن إلى عدمه ولا من الانتشاء إلى عكسه ولا من الوجود إلى التيه إنما هي تسير على خلاف ذلك فتنطلق دائما من حادثة ضياع قد يتعلق بما هو مادي ملموس... أو بما هو روحي لا يدرك بالعين ولا باللمس أو بما هو مجموع الإثنين: المادي والروحي.
ولعل الفقدان أو الضياع الذي انبنى عليه هذا النص يتجاوز «زياد الرافعي» إلى فقدان الحلم والحياة «لقد زال الحلم على وجه الأرض وانبرى الموت كملامح الأيام العصيبة»، «أين اختفت هذه الروح ؟»، وافتقاد الأبناء زينة الحياة الدنيا «حياتهما رتيبة إذ لم ينجبا أطفالا على زواجهما الذي امتد على عقد من الزمن»، ثم افتقاد حرية التعبير الفني ومحاولة تغييب الشاهد الوحيد على كل هذا الضياع.
تعود الأقصوصة إلى توازنها بوصول البحث أو السرد إلى نتيجة مفادها أنه من قيل إنه انتحر قد مات مقتولا ليبرز الغياب أو الانتحار على طريقة أبشع من الانتحار وأشنع من أي موت آخر...
بين إعلان الفقدان وتأكيده، بين ما شاع وحدث حقيقة، بين التهديد قولا، وتنفيذه فعلا، يسير القص مركزا على الحدث مبتعدا عن الاستطرادات التي يخفى حضورها أهمية خطب خطير وخسارة فادحة متمثلين في فقدان أستاذ جامعي يشتغل بالتدريس ويهتم بكتابة الرواية ومراوحا بين الإشارات التي طواها الماضي والحقائق التي تجسدت حاضراً.
حيرة نرجسية
«من منكم رأى عم عمر؟» بهذه الجملة الواردة في منتصف الصفحة الأولى للأقصوصة . ما أن يأخذ القارئ في استيعابها حتى تلحق به وبصاحبتها (الفتاة المجنونة في القصة) حالة ضياع وفقدان واختلال إذ تهوى في الماء مخلفة صرخة فقدان أخرى متعلقة بمن سألت عن «عم عمر». سرعان ما ضاعت وتلاشت هي الأخرى، وبين إعلان فقدان عم عمر وضياع الفتاة يضمن النص إعلان اختلال آخر هو هذه المرة فقدان العقل. ظاهر ذلك في نعت الباحثة عنه وباطنه في دفع الشاب صاحب الضيعة الفتاة إلى الموت ثم لامبالاته التامة بغيابها وبحياتها التي ضاعت.
من سؤال عن عمر إلى إجابة قادت السائلة إلى الموت إلى سؤال لا جواب له عن سبب الزج بالفتاة في نهاية مأسوية... من هناك إلى هنا يتردد الضياع، ويتردد الفقدان وتنساب الأقصوصة من حالة اختلال متمثلة في الاختفاء وفي الجنون إلى حالة شبه توازن متمثلة في الموت المحيل هنا على راحة أبدية وخلاص من حالة فقدان العقل.
ركض وراء الذاكرة
لا تشذ هذه الأقصوصة عن سابقتيها في تصدر حالة فقدان واختلال السرد، فالمسألة تتعلق بشخص «يحلم بزوجة تمنحه الوهج، وتفتح أبواب داره وتشرع النوافذ ...» بما يعني أن النص سيبنى على حالة افتقاد عاطفي، وبما كنا أشرنا إليه من اختلال اجتماعي وبما يؤكد ما كنا أشرنا إليه إلى أن استراتجية القص عند هيام الفرشيشي ليست مصادفة وإنما هي اختيار لم تشذ عنه أقصوصة واحدة من أقاصيص هذه المجموعة . ثم إن حالة ضياع أخرى تعلن إثر الأولى مباشرة لتزيد من تعميق حالة الاختلال . فالإعلان عن افتقاد الزوجة يتبع مباشرة بإعلان اختلال آخر هو أشد وطأة وأكثر حفرا في الروح . هو السند العائلي ليواجه مصيره المبهم، « وحولت من غيابها سرا مازال عاجزا عن كشفه ...» هو إذن افتقاد أشد خطورة لأنه يتعلق بالأم والنسب.
ويتواصل تأكيد الضياع عبر حالة اختلال أخرى ظاهرها عدم امتلاك عبد الحميد معولا يعيره جيرانه وباطنه افتقاده الفحولة أو الذكورة وهو الافتقار الذي ستفصح عنه الأقصوصة عند بلوغها منتهاها.
بادرت الفتاة:
أبي يطلب منك المعول
المعول؟
نعم المعول، ألا تملك معولا؟
ذكره هذا الحوار «عبد الحميد» بحالة فقدان أخرى متمثلة هذه المرة في وفاة المربية التي احتضنته وعوضت أمه حينا من الزمن لتصل إلى حالات الضياع المتسببة في الاختلال بأنواعه المختلفة إلى خمسة: الزوجة والأم والنسب والمربية والذكورة. « مخلفا وراءه كلمات الطبيب المحذرة من الزواج والمواسية في الآن نفسه بأن الحياة متواصلة»...
إنها حالات اختلال عديدة لعل وقعها على القارئ يصبح أشد وأدعى إلى الخوف عندما يتبين له أن ضحيتها معلم مهمته تنشئة الأجيال على التوازن والاتزان.
على سبيل الخاتمة
إن نصوص هيام الفرشيشي نصوص تحث على التفكير بما يعني أن قراءة عادية عابرة تبدو تكفي لفك رموزها والتنبيه إلى ما تضمره صاحبتها وإلى ما تبغي الوصول إليه، تبدو الحادثة بسيطة غير أن العمق يكمن في تلك البساطة وتبدو الشخصيات عادية غير أنه يمكننا أن نستنتج أنها شخصيات نماذج تحيل كل واحدة على صنف من أصناف الخلق أو على فئة من فئات المجتمع أو على اتجاه من الاتجاهات المختلفة . نصوص انبنت على استراتجية فريدة وطريفة بمقتضاها يمكننا أن نستنتج أن النص ينطلق من حالة تيه وشعور بالاختلال ليزج بالقارئ فيه فيصبح شريكا للكاتب في التفكير وفي البحث عن سبل تحقيق الاتزان..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.