مشروع ميزانية 2026: ارتفاع نفقات التشغيل والتكوين المهني بنسبة 5 بالمائة    لا رحلات على لود قرقنة..#خبر_عاجل    سيف الدين الجزيري يتربع على عرش الهدّافين الأجانب في تاريخ الزمالك    التوقعات الجوية لهذا اليوم..أمطار بهذه المناطق..    سيدي حسين: مداهمات أمنية تطيح ب"قطعون" وإيزي" والنقار" و"المهبول "كبار مروجي المخدرات    بعد تماثله للشفاء... الفنان أحمد سعد يكشف كواليس ما بعد حادث السيارة    بركان إثيوبي يثور بعد 12 ألف عام والرماد يصل دولا عربية    تطوير طبّ الإنعاش في تونس: إجراءات عملية وتعاون إفريقي واعد    شنيا حكاية التخلص من الكرني الأبيض والأصفر؟ وزير الشؤون الاجتماعية يقترح منظومة جديدة    عاجل: رحلات جوية تُلغى بسبب بركان إثيوبيا    الكتلة الهوائية الباردة على الأبواب: الاربعاء والايامات الجاية باش يكونوا باردين    عاجل: أمطار رعدية وسيول محتملة في 7 دول عربية... تحت تأثير الطقس المتقلب    شركات طيران تُلغي رحلاتها بعد ثوران بركان في إثيوبيا    "اسم فنزويلا أكبر من أن يخرج من فمك".. كاراكاس ترد على مزاعم وزير الخارجية الإسرائيلي    رئيس الجمهورية: الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام من يريد التنكيل بالمواطنين    تركيا تكشف تهريب 52 مليار دولار بسبب الرهانات غير القانونية    مجموعة التعاون البرلماني مع الدول العربية تعقد لقاء مع وفد من المجموعة البرلمانية للأخوّة والصداقة بالمجلس الشعبي الوطني الجزائري    وزير تكنولوجيات الاتصال: التحول الرقمي أصبح ركيزة أساسية لبناء مرفق عمومي واقتصاد وطني قوي وعادل    ترامب يطلق إجراءات لتصنيف فروع للإخوان "منظمات إرهابية    الصين تكشف عن مسيرة ثورية تصطاد الغواصات المختبئة في الأعماق    زيلينسكي: سأناقش قضايا حساسة مع ترامب    أثارت جدلا سياسيا وتشريعيا.. نهاية "وزارة ماسك"    كاس العالم تحت 17 عاما: النمسا والبرتغال الى النهائي    الإفراج عن مصطفى الجمالي وعبد الرزاق الكريمي: التفاصيل    وضعية الكنزاري وملف تجديد العقود .. جلسة حاسمة بين المدب والمنصوري    في ندوة «الشروق الفكرية» «الفتوى في التاريخ الإسلامي بين الاجتهاد والتأويل»    الفتاوى الشاذة والهجوم على صحيح البخاري    مخاطر الانحراف بالفتوى    في اختتام مهرجان فاس لسينما المدينة بالمغرب: تتويج فيلم «ودّ» لحبيب المستيري بالجائزة الكبرى    جلسة عمل لمتابعة سير أيام قرطاج المسرحية والاستعدادات للأيام السينمائية    مشروع لإنتاج 75 ميغاواط من الكهرباء من طاقة الرياح في هذه الولاية..    الدورة الثانية لملتقى الخط والحروفية بالمركب الثقافي بالمنستير من 28 إلى 30 نوفمبر    ثلاثة مشاريع رقمية تُعنى بالتعليم والتحفيز على المُطالعة وتثمين التُراث تفوز بجوائز هاكاتون " Meet the Professionals "    تحذير عاجل للمتساكنين باجة: مياه العيون هذه غير صالحة!    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي دون 21 سنة بكينيا ب7 عناصر    عاجل : وفاة نجم بوليوود دارمندرا    اليونسكو تعلن عن إطلاق مشروع جديد لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس    يوم علمي تكويني حول مرض السكري في القدم يوم الاربعاء 26 نوفمبر بمدرسة علوم التمريض بتونس    خضرة موجودة قدّامك... تنجّم تنقص من خطر الزهايمر!    هام/ بطولة الرابطة المحترفة الثانية: برنامج مباريات الجولة الحادية عشرة..    شوف شنوة تاكل وقت البرد باش يقلل ''سيلان الأنف''!    عاجل : تفاصيل صادمة تكشف لاول مرة حول معاناة مايكل جاكسون قبل الوفاة    سينما المغرب العربي تتألق في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي لعام 2025    السفارة التونسية تكرم الصحفي الإماراتي عامر عبد الله    تكليف ديوان الزيت بإعتماد أسعار مشجعة لزيت الزيتون    قصر السعيد: رفع الحجر الصحي عن مركض الخيل مع ضبط جملة من الإجراءات    غوارديولا يتوقع تألق مانشستر سيتي خلال جدول المباريات المزدحم    الإدارة الوطنية للتّحكيم تجتمع اليوم برؤساء أندية الرابطة الأولى    عاجل: دراسة صادمة ....أزمة القلب والجلطات المفاجئة تهدد الشباب    شنيا البرنامج الخصوصي استعدادًا لعيد الأضحى 2026...الي حكا عليه وزير الفلاحة    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    في حقه مناشير تفتيش وبطاقة جلب... محاصرة بارون ترويج المخدرات في خزندار    وزير الفلاحة: الترفيع في نسق وضع الاسمدة الى حوالي الف و 400 طن في مختلف جهات الجمهورية    عاجل/ مقتل هذا القيادي البارز في حزب الله اثر غارة اسرائيلية على بيروت..    عاجل/ ستشمل هذه الدول ومنها تونس: منخفضات جوية جديدة وطقس بارد بداية من هذا التاريخ..    الشكندالي: الأسر والدولة تستهلك أكثر مما تنتج... والنتيجة ادخار شبه معدوم    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتجية القص في «المشهد والظل» لهيام الفرشيشي
نشر في الشروق يوم 24 - 11 - 2010

وأنا أقرأ مجموعة «المشهد والظل» لهيام الفرشيشي، حضرتني قولة تودوروف الشهيرة «القصة هي الحياة». تذكرت القولة لما في كل الأقاصيص التي تؤثثها هذه المجموعة من غوص في هواجس الشخصيات وأحاسيسها ورؤاها وسلوكها وبداياتها ومآلاتها.. ولما في انبناء السرد فيها على تتالي الأحداث لا على الوصف المسهب والتهويم بعيدا في ما لا علاقة له بهموم الشخصيات ومشاريعها وطموحاتها.
ولقد أبانت لنا قراءتنا لهذه الأقصوصات على أن السرد عند هيام الفرشيشي ينطلق دائما من شعور ثم إشعار باختلال وبعدم توازن ما ليسلك النص منذ سطوره الأولى مسلك البحث المستمر عن إعادة التوازن المفقود ولنكتشف أن الكتابة عند هذه القاصة ليست ترفا وليست هروبا من الواقع وليست إثارة رخيصة للغرائز إنما هي عمل متأن تتوزع وظيفته من التنبيه إلى صدع ما والانطلاق في رحلة البحث عن سبيل رأب ذلك الصدع بما يضمن إقحام القارئ في مجريات الأحداث وشده وبما يضمن تخصيصه بدور آخر غير دور القراءة يمكن أن نطلق عليه الميتا- قراءة.
إن من شأن ذلك أن يخرج القارئ من مجرد متقبل للمحمول السردي ومنفعل به إلى مفكر فيه مدرك لرؤى باثه ومغازيه فاعلا بعد الانفعال من خلال إعادة بناء النص وفق فهم مختلف قد يكون أثرى وأجدى وأقصر طريقا إلى رأب الصدع وتحقيق التوازن.
إن الانطلاق من وضعية اختلال ليست عند هيام الفرشيشي مصادفة عابرة التصقت بإحدى الأقصوصات إنما هو الإعلان عن الشعور بفقد أو بضياع وهو شعور وإدراك ينسحب على كل النصوص دون استثناء...
فكيف تجلت هذه الاستراتجية في أقاصيص هذه المجموعة؟
وإلى أي مدى وفقت صاحبتها في بناء نص قصصي يأتلف مع ضوابط القص المعتادة ويختلف عنها بتفرده في صياغة نسق السرد؟
ذلك ما سنسعى إلى كشفه من خلال النصوص الثلاثة التالية:
موكب صامت
يدرك القارئ منذ السطر الثالث أن «زياد الرافعي» قد انتحر، فينخرط مع السارد في البحث عن حقيقة ذلك الانتحار، وهل هو انتحار فعلا أم إنه موت بطريقة أخرى... وهو إلى ذلك يدرك منذ البداية أنه أمام وضعية اختلال يبرهن عليها افتقاد أستاذ جامعي مهتم بالأدب اسمه «زياد الرافعي». يتضح إذن أن قاصتنا اختارت استراتجية فيها عدول عما ألفناه في القص العادي، فعندها لا تسير الأقصوصة من الاكتمال إلى النقصان ولا من التوازن إلى عدمه ولا من الانتشاء إلى عكسه ولا من الوجود إلى التيه إنما هي تسير على خلاف ذلك فتنطلق دائما من حادثة ضياع قد يتعلق بما هو مادي ملموس... أو بما هو روحي لا يدرك بالعين ولا باللمس أو بما هو مجموع الإثنين: المادي والروحي.
ولعل الفقدان أو الضياع الذي انبنى عليه هذا النص يتجاوز «زياد الرافعي» إلى فقدان الحلم والحياة «لقد زال الحلم على وجه الأرض وانبرى الموت كملامح الأيام العصيبة»، «أين اختفت هذه الروح ؟»، وافتقاد الأبناء زينة الحياة الدنيا «حياتهما رتيبة إذ لم ينجبا أطفالا على زواجهما الذي امتد على عقد من الزمن»، ثم افتقاد حرية التعبير الفني ومحاولة تغييب الشاهد الوحيد على كل هذا الضياع.
تعود الأقصوصة إلى توازنها بوصول البحث أو السرد إلى نتيجة مفادها أنه من قيل إنه انتحر قد مات مقتولا ليبرز الغياب أو الانتحار على طريقة أبشع من الانتحار وأشنع من أي موت آخر...
بين إعلان الفقدان وتأكيده، بين ما شاع وحدث حقيقة، بين التهديد قولا، وتنفيذه فعلا، يسير القص مركزا على الحدث مبتعدا عن الاستطرادات التي يخفى حضورها أهمية خطب خطير وخسارة فادحة متمثلين في فقدان أستاذ جامعي يشتغل بالتدريس ويهتم بكتابة الرواية ومراوحا بين الإشارات التي طواها الماضي والحقائق التي تجسدت حاضراً.
حيرة نرجسية
«من منكم رأى عم عمر؟» بهذه الجملة الواردة في منتصف الصفحة الأولى للأقصوصة . ما أن يأخذ القارئ في استيعابها حتى تلحق به وبصاحبتها (الفتاة المجنونة في القصة) حالة ضياع وفقدان واختلال إذ تهوى في الماء مخلفة صرخة فقدان أخرى متعلقة بمن سألت عن «عم عمر». سرعان ما ضاعت وتلاشت هي الأخرى، وبين إعلان فقدان عم عمر وضياع الفتاة يضمن النص إعلان اختلال آخر هو هذه المرة فقدان العقل. ظاهر ذلك في نعت الباحثة عنه وباطنه في دفع الشاب صاحب الضيعة الفتاة إلى الموت ثم لامبالاته التامة بغيابها وبحياتها التي ضاعت.
من سؤال عن عمر إلى إجابة قادت السائلة إلى الموت إلى سؤال لا جواب له عن سبب الزج بالفتاة في نهاية مأسوية... من هناك إلى هنا يتردد الضياع، ويتردد الفقدان وتنساب الأقصوصة من حالة اختلال متمثلة في الاختفاء وفي الجنون إلى حالة شبه توازن متمثلة في الموت المحيل هنا على راحة أبدية وخلاص من حالة فقدان العقل.
ركض وراء الذاكرة
لا تشذ هذه الأقصوصة عن سابقتيها في تصدر حالة فقدان واختلال السرد، فالمسألة تتعلق بشخص «يحلم بزوجة تمنحه الوهج، وتفتح أبواب داره وتشرع النوافذ ...» بما يعني أن النص سيبنى على حالة افتقاد عاطفي، وبما كنا أشرنا إليه من اختلال اجتماعي وبما يؤكد ما كنا أشرنا إليه إلى أن استراتجية القص عند هيام الفرشيشي ليست مصادفة وإنما هي اختيار لم تشذ عنه أقصوصة واحدة من أقاصيص هذه المجموعة . ثم إن حالة ضياع أخرى تعلن إثر الأولى مباشرة لتزيد من تعميق حالة الاختلال . فالإعلان عن افتقاد الزوجة يتبع مباشرة بإعلان اختلال آخر هو أشد وطأة وأكثر حفرا في الروح . هو السند العائلي ليواجه مصيره المبهم، « وحولت من غيابها سرا مازال عاجزا عن كشفه ...» هو إذن افتقاد أشد خطورة لأنه يتعلق بالأم والنسب.
ويتواصل تأكيد الضياع عبر حالة اختلال أخرى ظاهرها عدم امتلاك عبد الحميد معولا يعيره جيرانه وباطنه افتقاده الفحولة أو الذكورة وهو الافتقار الذي ستفصح عنه الأقصوصة عند بلوغها منتهاها.
بادرت الفتاة:
أبي يطلب منك المعول
المعول؟
نعم المعول، ألا تملك معولا؟
ذكره هذا الحوار «عبد الحميد» بحالة فقدان أخرى متمثلة هذه المرة في وفاة المربية التي احتضنته وعوضت أمه حينا من الزمن لتصل إلى حالات الضياع المتسببة في الاختلال بأنواعه المختلفة إلى خمسة: الزوجة والأم والنسب والمربية والذكورة. « مخلفا وراءه كلمات الطبيب المحذرة من الزواج والمواسية في الآن نفسه بأن الحياة متواصلة»...
إنها حالات اختلال عديدة لعل وقعها على القارئ يصبح أشد وأدعى إلى الخوف عندما يتبين له أن ضحيتها معلم مهمته تنشئة الأجيال على التوازن والاتزان.
على سبيل الخاتمة
إن نصوص هيام الفرشيشي نصوص تحث على التفكير بما يعني أن قراءة عادية عابرة تبدو تكفي لفك رموزها والتنبيه إلى ما تضمره صاحبتها وإلى ما تبغي الوصول إليه، تبدو الحادثة بسيطة غير أن العمق يكمن في تلك البساطة وتبدو الشخصيات عادية غير أنه يمكننا أن نستنتج أنها شخصيات نماذج تحيل كل واحدة على صنف من أصناف الخلق أو على فئة من فئات المجتمع أو على اتجاه من الاتجاهات المختلفة . نصوص انبنت على استراتجية فريدة وطريفة بمقتضاها يمكننا أن نستنتج أن النص ينطلق من حالة تيه وشعور بالاختلال ليزج بالقارئ فيه فيصبح شريكا للكاتب في التفكير وفي البحث عن سبل تحقيق الاتزان..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.