نقابة التاكسي الفردي تؤجّل الإضراب العام بولايات تونس الكبرى    فيديو اليوم... شيخ تونسي ينهار فرحا بخروج اسمه في قافلة الصمود    ارتفاع عجز ميزان الطاقة الأوّلية بنسبة 16% مع نهاية جويلية 2025    البرلمان العربي يثمّن اعتماد الأمم المتحدة "إعلان نيويورك" ويؤكد دعمه لحل الدولتين    سوشيلا كاركي تؤدي اليمين رئيسة للوزراء في نيبال بعد احتجاجات دامية    50 ألف مشارك في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في أكبر مدن نيوزيلندا    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم السبت ؟    السبت: حالة الطقس ودرجات الحرارة    الديوانة: حجز بضائع مهرّبة تفوق قيمتها 19 مليون دينار خلال الأسابيع الفارطة    الميناء التجاري ببنزرت يتطلع الى تطوير حركة الحاويات لتصل الى 20 الف حاوية قياس 20 قدم العام الجاري في ظل استعادة بعض خطوط الشحن - مدير الميناء-    بعد الهجوم على كاتس.. قراصنة "أتراك" ينشرون أرقام هواتف نتنياهو و11 وزيرا إسرائيليا    أسامة حمدان.. محاولة اغتيال وفد حماس إطلاق نار مباشر على ورقة ترامب    رئيسة الحكومة خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي المشترك التونسي المصري .. إرساء شراكة اقتصادية تونسية مصرية لإنجاز استثمارات كبرى بالبلدين    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي يرفع التحدي وغموض حول معلول    الديوانة تحجز بضائع مهربة قيمتها تتجاوز 18 مليون دينار في شهر أوت    أولا وأخيرا .. انتهى الدرس    حمام الزريبة اختتام الدورة 35 للمهرجان الجهوي لنوادي المسرح بولاية زغوان    كارثة صحية في مصر.. إصابة جماعية بالعمى داخل مستشفى شهير    المتحف البحري ببنزرت تعيش داخل أحواضه البلورية قرابة 6 آلاف سمكة مياه عذبة- المشرف على المتحف-    الدورة الأولى من مهرجان "سرديّات مُترابطة" من 19 سبتمبر إلى 15 نوفمبر بتونس    وزارة التربية: يمكن للتلاميذ والأساتذة الاطلاع على جداول الأوقات الخاصة بهم على بوابة الخدمات الرقمية    العجز التجاري لتونس يصل الى 14640 مليون دينار مع موفى اوت 2025    عاجل/ عملية سطو على فرع بنكي بهذه الجهة    عاجل/ فرنسا تمنح تونس 3 قروض وهبتين.. وهذه قيمتها    عاجل/ بداية من أكتوبر المقبل: الترفيع في المنحة المُسندة لهؤلاء..    الأمم المتحدة تعتمد بأغلبية ساحقة قرارا يؤيد "إعلان نيويورك بشأن تنفيذ حل الدولتين"    كأس العالم 2026: أكثر من 1,5 مليون طلب شراء تذاكر مسبق خلال 24 ساعة (فيفا)    يهمّ التونسيين: شرط جديد لإداء العُمرة    يوم 28 نوفمبر .. جمعية مالوف تونس باريس تقدم عرضا في صفاقس    مع نظرة مستقبلية مستقرة.. فيتش ترفع تصنيف تونس إلى "B‬-"    بطولة العالم للكرة الطائرة : المنتخب التونسي يستهل مشاركته بالانتصار على الفيليبين 0-3    تحت شعار "نعدو من أجل تونس أكثر خضرة ": هذا موعد الدورة 38 لماراطون كومار تونس قرطاج الدولي..    خطر على المستهلك: دعوة عاجلة لتسوية وضعيات محلات تعليب المواد الغذائية    سحب رعدية متوقعة في أشد مناطق الأرض جفافًا    تونس: حجز أكثر من 15 ألف كرّاس مدرسي    وزارة الصحة تحذر من مخاطر السمنة وتقدم نصائح للوقاية    لماذا تأجل خروج أسطول للصمود مجددا؟…عضو من الهيئة التسييرية يكشف..#خبر_عاجل    بلاغ هام لوزارة الداخلية..    إلى الأولياء والمربين: دليل مكافحة التحرش الجنسي ضد الأطفال    كرة اليد: بعث بني خيار ينتدب الظهير الفرنسي عبد الله ماني    المنجي حسين رئيسا جديدا لمستقبل قابس    رباعي يمثل تونسي في بطولة العالم للكرة الحديدية الحرة بإيطاليا    الاحتفاظ بشاب صوّب سلاحا ناريّا مزيّفا نحو دورية أمنية بسيدي بوسعيد    تحذير لكلّ إمرأة تونسية: مادة في طلاء الأظافر مسرطنة    وزارة الثقافة تبحث تحضير ملف إدراج قرية سيدي بوسعيد في لائحة التراث العالمي لليونسكو    هام/ تسليم 8 مساكن لعائلات شهداء المؤسسات العسكرية والأمنية بهذه الولاية..    عاجل/ "FBI" تعرض مكافأة قدرها 100 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات عن قاتل تشارلي كيرك..    القيروان: قرب دخول محطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بحيز الإنتاج    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    أبراج 12 سبتمبر: يوم يحمل فرصًا جديدة لكل برج    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان التشكيلي والفوتوغرافي وديع المهيري    وزارة الصحة تمنع تصنيع أو توريد طلاء الاظافر الذي يحتوي على مادة "TPO" المسرطنة    مهرجان المناطيد الدولي يرجع لتونس في التاريخ هذا...وهذه تفاصيله والأماكن المخصصة    مواطنة أمريكية لاتينية تُعلن إسلامها في مكتب مفتي الجمهورية    تطوير جراحة الصدر واستعمال أحدث التقنيات محور لقاء بوزارة الصحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتجية القص في «المشهد والظل» لهيام الفرشيشي
نشر في الشروق يوم 24 - 11 - 2010

وأنا أقرأ مجموعة «المشهد والظل» لهيام الفرشيشي، حضرتني قولة تودوروف الشهيرة «القصة هي الحياة». تذكرت القولة لما في كل الأقاصيص التي تؤثثها هذه المجموعة من غوص في هواجس الشخصيات وأحاسيسها ورؤاها وسلوكها وبداياتها ومآلاتها.. ولما في انبناء السرد فيها على تتالي الأحداث لا على الوصف المسهب والتهويم بعيدا في ما لا علاقة له بهموم الشخصيات ومشاريعها وطموحاتها.
ولقد أبانت لنا قراءتنا لهذه الأقصوصات على أن السرد عند هيام الفرشيشي ينطلق دائما من شعور ثم إشعار باختلال وبعدم توازن ما ليسلك النص منذ سطوره الأولى مسلك البحث المستمر عن إعادة التوازن المفقود ولنكتشف أن الكتابة عند هذه القاصة ليست ترفا وليست هروبا من الواقع وليست إثارة رخيصة للغرائز إنما هي عمل متأن تتوزع وظيفته من التنبيه إلى صدع ما والانطلاق في رحلة البحث عن سبيل رأب ذلك الصدع بما يضمن إقحام القارئ في مجريات الأحداث وشده وبما يضمن تخصيصه بدور آخر غير دور القراءة يمكن أن نطلق عليه الميتا- قراءة.
إن من شأن ذلك أن يخرج القارئ من مجرد متقبل للمحمول السردي ومنفعل به إلى مفكر فيه مدرك لرؤى باثه ومغازيه فاعلا بعد الانفعال من خلال إعادة بناء النص وفق فهم مختلف قد يكون أثرى وأجدى وأقصر طريقا إلى رأب الصدع وتحقيق التوازن.
إن الانطلاق من وضعية اختلال ليست عند هيام الفرشيشي مصادفة عابرة التصقت بإحدى الأقصوصات إنما هو الإعلان عن الشعور بفقد أو بضياع وهو شعور وإدراك ينسحب على كل النصوص دون استثناء...
فكيف تجلت هذه الاستراتجية في أقاصيص هذه المجموعة؟
وإلى أي مدى وفقت صاحبتها في بناء نص قصصي يأتلف مع ضوابط القص المعتادة ويختلف عنها بتفرده في صياغة نسق السرد؟
ذلك ما سنسعى إلى كشفه من خلال النصوص الثلاثة التالية:
موكب صامت
يدرك القارئ منذ السطر الثالث أن «زياد الرافعي» قد انتحر، فينخرط مع السارد في البحث عن حقيقة ذلك الانتحار، وهل هو انتحار فعلا أم إنه موت بطريقة أخرى... وهو إلى ذلك يدرك منذ البداية أنه أمام وضعية اختلال يبرهن عليها افتقاد أستاذ جامعي مهتم بالأدب اسمه «زياد الرافعي». يتضح إذن أن قاصتنا اختارت استراتجية فيها عدول عما ألفناه في القص العادي، فعندها لا تسير الأقصوصة من الاكتمال إلى النقصان ولا من التوازن إلى عدمه ولا من الانتشاء إلى عكسه ولا من الوجود إلى التيه إنما هي تسير على خلاف ذلك فتنطلق دائما من حادثة ضياع قد يتعلق بما هو مادي ملموس... أو بما هو روحي لا يدرك بالعين ولا باللمس أو بما هو مجموع الإثنين: المادي والروحي.
ولعل الفقدان أو الضياع الذي انبنى عليه هذا النص يتجاوز «زياد الرافعي» إلى فقدان الحلم والحياة «لقد زال الحلم على وجه الأرض وانبرى الموت كملامح الأيام العصيبة»، «أين اختفت هذه الروح ؟»، وافتقاد الأبناء زينة الحياة الدنيا «حياتهما رتيبة إذ لم ينجبا أطفالا على زواجهما الذي امتد على عقد من الزمن»، ثم افتقاد حرية التعبير الفني ومحاولة تغييب الشاهد الوحيد على كل هذا الضياع.
تعود الأقصوصة إلى توازنها بوصول البحث أو السرد إلى نتيجة مفادها أنه من قيل إنه انتحر قد مات مقتولا ليبرز الغياب أو الانتحار على طريقة أبشع من الانتحار وأشنع من أي موت آخر...
بين إعلان الفقدان وتأكيده، بين ما شاع وحدث حقيقة، بين التهديد قولا، وتنفيذه فعلا، يسير القص مركزا على الحدث مبتعدا عن الاستطرادات التي يخفى حضورها أهمية خطب خطير وخسارة فادحة متمثلين في فقدان أستاذ جامعي يشتغل بالتدريس ويهتم بكتابة الرواية ومراوحا بين الإشارات التي طواها الماضي والحقائق التي تجسدت حاضراً.
حيرة نرجسية
«من منكم رأى عم عمر؟» بهذه الجملة الواردة في منتصف الصفحة الأولى للأقصوصة . ما أن يأخذ القارئ في استيعابها حتى تلحق به وبصاحبتها (الفتاة المجنونة في القصة) حالة ضياع وفقدان واختلال إذ تهوى في الماء مخلفة صرخة فقدان أخرى متعلقة بمن سألت عن «عم عمر». سرعان ما ضاعت وتلاشت هي الأخرى، وبين إعلان فقدان عم عمر وضياع الفتاة يضمن النص إعلان اختلال آخر هو هذه المرة فقدان العقل. ظاهر ذلك في نعت الباحثة عنه وباطنه في دفع الشاب صاحب الضيعة الفتاة إلى الموت ثم لامبالاته التامة بغيابها وبحياتها التي ضاعت.
من سؤال عن عمر إلى إجابة قادت السائلة إلى الموت إلى سؤال لا جواب له عن سبب الزج بالفتاة في نهاية مأسوية... من هناك إلى هنا يتردد الضياع، ويتردد الفقدان وتنساب الأقصوصة من حالة اختلال متمثلة في الاختفاء وفي الجنون إلى حالة شبه توازن متمثلة في الموت المحيل هنا على راحة أبدية وخلاص من حالة فقدان العقل.
ركض وراء الذاكرة
لا تشذ هذه الأقصوصة عن سابقتيها في تصدر حالة فقدان واختلال السرد، فالمسألة تتعلق بشخص «يحلم بزوجة تمنحه الوهج، وتفتح أبواب داره وتشرع النوافذ ...» بما يعني أن النص سيبنى على حالة افتقاد عاطفي، وبما كنا أشرنا إليه من اختلال اجتماعي وبما يؤكد ما كنا أشرنا إليه إلى أن استراتجية القص عند هيام الفرشيشي ليست مصادفة وإنما هي اختيار لم تشذ عنه أقصوصة واحدة من أقاصيص هذه المجموعة . ثم إن حالة ضياع أخرى تعلن إثر الأولى مباشرة لتزيد من تعميق حالة الاختلال . فالإعلان عن افتقاد الزوجة يتبع مباشرة بإعلان اختلال آخر هو أشد وطأة وأكثر حفرا في الروح . هو السند العائلي ليواجه مصيره المبهم، « وحولت من غيابها سرا مازال عاجزا عن كشفه ...» هو إذن افتقاد أشد خطورة لأنه يتعلق بالأم والنسب.
ويتواصل تأكيد الضياع عبر حالة اختلال أخرى ظاهرها عدم امتلاك عبد الحميد معولا يعيره جيرانه وباطنه افتقاده الفحولة أو الذكورة وهو الافتقار الذي ستفصح عنه الأقصوصة عند بلوغها منتهاها.
بادرت الفتاة:
أبي يطلب منك المعول
المعول؟
نعم المعول، ألا تملك معولا؟
ذكره هذا الحوار «عبد الحميد» بحالة فقدان أخرى متمثلة هذه المرة في وفاة المربية التي احتضنته وعوضت أمه حينا من الزمن لتصل إلى حالات الضياع المتسببة في الاختلال بأنواعه المختلفة إلى خمسة: الزوجة والأم والنسب والمربية والذكورة. « مخلفا وراءه كلمات الطبيب المحذرة من الزواج والمواسية في الآن نفسه بأن الحياة متواصلة»...
إنها حالات اختلال عديدة لعل وقعها على القارئ يصبح أشد وأدعى إلى الخوف عندما يتبين له أن ضحيتها معلم مهمته تنشئة الأجيال على التوازن والاتزان.
على سبيل الخاتمة
إن نصوص هيام الفرشيشي نصوص تحث على التفكير بما يعني أن قراءة عادية عابرة تبدو تكفي لفك رموزها والتنبيه إلى ما تضمره صاحبتها وإلى ما تبغي الوصول إليه، تبدو الحادثة بسيطة غير أن العمق يكمن في تلك البساطة وتبدو الشخصيات عادية غير أنه يمكننا أن نستنتج أنها شخصيات نماذج تحيل كل واحدة على صنف من أصناف الخلق أو على فئة من فئات المجتمع أو على اتجاه من الاتجاهات المختلفة . نصوص انبنت على استراتجية فريدة وطريفة بمقتضاها يمكننا أن نستنتج أن النص ينطلق من حالة تيه وشعور بالاختلال ليزج بالقارئ فيه فيصبح شريكا للكاتب في التفكير وفي البحث عن سبل تحقيق الاتزان..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.