هي فتنة عاصفة تمر بها أمتنا العربية الإسلامية تفتح ملفات قديمة جدا ترجعنا إلى معركة صفين وموقعة الجمل وكأن الأمة لم تكتو بنار تلك الفتنة حتى تسترجع من تلك الحادثة شرها وأوارها... كلّما قلّبنا نظرنا في أقطار العالم العربي الإسلامي كلّما أبصرنا من تحت الركام صراعا طائفيا مقيتا يكاد ينفجر واحتقانا مذهبيا ينتظر لحظة تفجّره.. الكويت والبحرين واليمن ولبنان والعراق والسعودية وبدرجة أقل مصر.. كلها عناوين أو برامج عناوين احتراب بغيض لم يرتو بعد من دماء الملايين من أبناء الأمة الإسلامية على الرغم من تجاوز عمره لأربعة عشر قرنا.. لن نتطرق إلى شواهد التكامل السني الشيعي في الأقطار العربية والإسلامية المذكورة لدحض أسس المخططات الغربية ولن نتحدث أيضا عن نقاط الضعف التي يركز عليها الغرب المتصهين في كل غزو فكري ثقافي أو احتلال سياسي عسكري لإضعاف مقدرات الأمة في الدفاع عن حصونها أولا والحيلولة دون الوحدة ثانيا, بل سنسعى فقط إلى الوقوف على أهم دلالات الشقاق المتجذر في الأمة العربية الإسلامية والتي عجزت العقول النيرة والمستبصرة عن ردم هوته التي تزداد اتساعا وهذه هي المصيبة الكبرى كلما ابتعدنا عن زمن الاقتتال الأوّل. أول الدلالات, أنّنا اثرنا تراكم المشاكل والخلافات المذهبية عن حلّها بكل أريحية وعن فتح حوار جدي يضبط الاختلاف للوصول إلى الائتلاف لا لتبرير التنافر والتباعد . ثانيها, أن الكثير منّا ( كأمة عربية), لا يزال يعرّف نفسه بهويّة دينية محضة (مسلم مسيحي يهودي..), بمنأى عن السياقات السياسية والثقافية الصانعة لمفهوم الهوية, ومن هذا التعريف لا يزال كثيرون يحددون أنفسهم انطلاقا من المذهب والفرقة (سني, شيعي..)... وهو أمر خطير لأنه يعتبر من جملة ما يعتبر أن الهوية العربية القومية الوحدوية لم تنجح في خلق إطار مشترك يجمع داخله كافة الطوائف والاثنيات والأعراق تحت المظلة الحضارية العربية وهو بهذا أيضا يقضي بالكامل على مشروع النهضة العربية الذي بدأ غداة استقلال الأقطار العربية. ثالثها, أن كثيرين من الأمة لم يعرفوا بعد أهداف أمتهم ولا منطلقاتها ولا أبعادها ولا أدوات تحقيق مبتغياتها ولا حتى زخم تعددها الحضاري وأنهم فقط أدركوا ويا سوء ما عرفوا أعداءهم الداخليين من أبناء جلدتهم فراحوا يعرّفون أنفسهم انطلاقا من عداواتهم لإخوانهم وبهذا ولدت في أمتنا هويات جديدة مصطنعة أقصى هدفها إعدام الآخر والقضاء عليه لا أكثر. رابعها, أننا لا نعرف ترتيب أولويات مقاومتنا, فنسبّق محاربة بعضنا البعض على مقاومة عدونا المشترك, ونتصوّر مخططات افتراضية لهذه الطائفة أو تلك ونتناسى مخططات مكرسة على الأرض, وننعت مجابهة إخواننا باليقظة الأمنية ونصف القوات والقواعد العسكرية الأجنبية الغازية بالقوات المساعدة على استتباب الأمن. لن يكتب لهذه الأمة النجاح والفوز ما لم تحز إمكانات التعامل الحصيف مع مشاكلها الداخلية والتي لن تحصلها سوى بتجمع مكوناتها على هدف جامع يتجاوز بقوته وأهميته القصوى مجرّد النبش في قبور الصحابة والتعرض بالسوء لأمهات المؤمنين.