الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجلة أطياف مغربية تحاور الشيخ راشد الغنوشي
نشر في الحوار نت يوم 20 - 02 - 2010


مجلة أطياف مغربية تحاور الشيخ راشد الغنوشي


حاوره الصّحفي: زكرياء سحنون

1 أربعون سنة مضت من عمر منظمة المؤتمر الإسلامي دون أن تبلغ أشدها؛ وكثيرة هي الآمال التي علقت على قيام هذه المنظمة، حتى أن البعض رأى فيها نواة لاستعادة نظام الخلافة الإسلامية في الحكم وفق منظور يتلاءم ومستجدات العصر؛ بينما رأى فيها آخرون تعبيرا عن إرادة إسلامية مستقلة بخلاف جامعة الدول العربية التي أنشئت بإيعاز من أم المصائب بريطانيا؛ في حين صدم البعض الآخر لأدائها الباهت لدرجة جعلته يطالب بإقبارها...؛ كيف تنظرون لمثل هذه المواقف ؟

- لم يكن منتظرا من مجموع دول تابعة ضعيفة أن تلد كيانا دوليا عملاقا، لا سيما وأن موازين القوة الدولية مختلة لصالح القوى الغربية منذ قرنين على الأقل ، وكان من ثمار ذلك هدم آخر شكل للوحدة الإسلامية السياسية (1924) وتمزيق شمل المسلمين وفرض التجزئة عليهم وحراسة تلك التجزئة بقوة الأساطيل، وحراستها كذلك بأنظمة فاسدة دكتاتورية معزولة عن شعوبها، تولت القوى الغربية دعمها وتسليطها على شعوبها للقيام بمهمة الوكيل على حراسة المصالح الغربية في عالم الإسلام وقمع كل توجه لدى تلك الشعوب صوب نهوض حقيقي يتأسس على إحياء مقومات الشخصية الإسلامية واستعادة الوحدة المغتالة.فذلك خط أحمر دونه خرق القتاد. وتأبيدا لهذه التجزئة تم تصدير نموذج الدولة القطرية إلى العالم الإسلامي لتقويض كل توجه صوب الوحدة مجددا بما استحداث مفاهيم جديدة للأمة على أنقاض المفهوم الإسلامي الجامع، تم ربطها بتواريخ وثقافات ما قبل الإسلام ذاته كالآشوريين والفنيقيين والفراعنة.لا يترددون حتى في اختلاق تلك التواريخ لتأثيث وملء فراغات الأمة المستحدثة..التونسية والمغربية والقطرية والسودانية.لها رموزها وراياتها وتاريخها الخاص بها وحتى إسلامها وسفراؤها.؟
ومع كل الجهود التي بذلت من قوى التبعية والتخريب داخل عالم الإسلام مدعومة بالقوى الأجنبية لا يزال المسلمون ينظرون إلى أنفسهم أنهم أمة واحدة تخترق كل الحواجز والكيانات المصطنعة، ويشتد ذلك الشعورخاصة كلما داهمت المصائب قطرا من أقطار الأمة فترى الأمة وكأن ما يحدث في البوسنة أو الشيشان أو التركستان يحدث في كل بيت مسلم وليس في دولة أخرى. وذلك هو الذي حدث مثلا سنة 1969عندما أقدم الصهاينة بعد احتلالهم القدس على إحراق المسجد الأقصى المبارك فانتفض عالم الإسلام وكأنه جسم واحد، الأمر الذي حرك جلاميد الصخر الحاكمة واضطرها إلى الإجتماع وتأسيس رمز الوحدة الإسلامية "منظمة المؤتمر الإسلامي"، ولأنها منظمة تترجم إرادة حكومات لا تترجم هي بدورها شعوبها إلا بشكل جزئي فكذلك هي المنظمة، وإن عبرت عن أشواق شعوب أمتنا إلى الوحدة فهي عاجزة أن يكون ذلك التعبير حارا قويا كما يعتمل في أفئدة الشعوب، ولذلك لم تفعل تلك المنظمة شيئا مذكورا في القضية التي تأسست من أجلها قضية القدس ولا كان فعل اللجنة المنبثقة عن هذه المنظمة لجنة القدس فعلا مشهودا يوقف المخطط الصهيوني الذي يجري على قدم وساق لتهويد القدس والإستلاء على المسجد المبارك تمهيدا لهدمه أو اقتسامه لزرع أسطورة هيكل مزعوم على أنقاضه، بل إن رئيس لجنة القدس كان إسهامه في عملية التطبيع الغاصب غير قليل. وليس ذلك وحسب بل إن أعظم دول العرب التي كان معولا عليها قيادة الأمة لتحرير فلسطين ورد الهجمة الغربية الجديدة كما فعلت أيام الصليبيين والتتر هي أول المتخاذلين "ولا تكنوا أول كافر به"، بما فتح أبوابا للشر على الأمة وأبوابا للتمدد الصهيوني في المنطقة والعالم لولا فضل الله ثم ما تفجر في الأمة من قوى المقاومة الشعبية والمسلحة. إن معظم ما أصدرته منظمة المؤتمر الإسلامي من قرارات ظلت حبرا على ورق، بسبب عجز الحكومات وتخاذلها وخوفها المرضي من كل ما يمكن أن يغضب عليها أولياءها الغربيين، وهم من زرع في القلب من الأمة هذا الكيان اللقيط وقام على حراسته وتمهيد جسم المنطقة للقبول به بل وحتى الإستعداد للانصياع له، وهو ما أغرى الذئب الصهيوني في المؤتمر الإقتصادي التطبيعي في الدار البيضاء خلال أوج صعود موجة التطبيع قبل أن تنكسر وتتراجع الى أن يدعو العرب لتجريب قيادة اسرائيل بعد أن جربوا قيادة مصر. دول مثل هذه غير مرشحة للجهاد من أجل تحرير فلسطين، وهي بالفعل غير قادرة على ذلك، ولا نريد منها أن تورطنا في هزائم مرة أخرى، حسبها أن تترك للشعوب حرية المبادرة ولا تقوم حارسا للكيان اللقيط كما تفعل دول العرب مثلا. وكان يسعها أن تدعم المقاومة كما دعمت باكستان حرب تحرير أفغانستان، وكما دعمت المغرب وتونس ومصر حرب تحرير الجزائر. فلم تتولى مصر خنق غزة والأردن خنق الضفة؟. عار وأي عار.

2 فكرة إنشاء منظمة دولية يلمّ فيها شمل بلدان العالم الإسلامي ظلت تتبلور لسنوات عديدة، غير أن جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك في ال 21 أغسطس 1969 التي هزت أركان الأمة هي من عجل بإخراجها إلى حيز الوجود؛ واليوم وبعد مرور أربعة عقود على هذه الفعلة النكراء، نجد مسلسل تهويد القدس وقد شارف على استكمال أطواره النهائية، والحفريات مستمرة في النيل من أسس مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم دون رادع...؛ فهل تنتظر الأمة انهيار أولى القبلتين حتى تقوم من مرقدها ؟

- فعلا الأقصى منذ زرع الكيان الصهيوني هو في خطر واشتد الخطر بعد حرب 67 الشؤومة التي نقلت السيادة عليه وعلى القدس وكل فلسطين إلى الكيان الصهيوني ، واليوم بلغ الخطر على الأقصى أعلى درجاته في ظل حكومات عربية متخاذلة وعالم اسلامي ممزق ووضع دولي مناسب وحكومة صهيونية تتخبطها الأساطير التلمودية المتمحورة حول بناء الهيكل المزعوم. والسؤال ماذا يمكن فعله لوقف مخطط صهيوني هو قاب قوسين أو أدنى من مباشرة تنفيذه؟ لا أمل بعد الله إلا في المقاومة ومن ورائها شعوبنا وأحرار العالم، أن ترفع شعوبنا مستويات ضغطها على الحكام لحملهم -عبر الضغط الإعلامي والإحتجاج والمسيرات الشعبية - على دعم المقاومة واستخدام كل ما وهب الله هذه الأمة من أدوات فعل وتسخيرها لصالح الأقصى والقدس وفلسطين، من أموال، وإعلام ودبلوماسية وبترول. إن الكيان الصهيوني يتجه الى مزيد من الضعف في الداخل وبداية العزلة الدولية، ويوشك أن ينظر إليه على أنه ليس حليفا وحارسا للمصالح الغربية في المنطقة كما أريد له وكما يحرص على تقديم نفسه بقدر ما هو عبء على المصالح الغربية وعنصر تهديد للسلام الدولي وحكم نازي متوحش، وهو ما يؤكد أن اتجاه التطور ليس في صالح هذا الكيان المتوحش الذي يضيق ذرعا بثورة الإعلام التي كشفته عاريا نازيا كما يضيق باستيقاظ الضمير الإنساني .ولو أنه في هستيريته وغطرسته أقدم على هدم الأقصى – لاسمح الله- لقرّب من أجله ولجعل الأنظمة والقوى المتحالفة معه في وضعية لا تحسد عليها، قد تفضي إلى موجة من تساقط بناءات هرمة وأعجاز نخل خاوية. والأمر لله من قبل ومن بعد.

3 طبعا حال الأمة اليوم هو غير ما كان عليه قبل أربعة عقود خلت، فإيران الشاه ليست هي إيران الجمهورية الإسلامية، وتركيا العلمانية ليست هي تركيا العدالة والتنمية، وباكستان باتت قوة نووية، بينما قطعت ماليزيا خطوات جبارة في المجال الاقتصادي حالة الوهن،...، ناهيك عن الطفرة النفطية التي جعلت العالم الإسلامي يمتلك أكبر احتياطي عالمي في مجال الطاقة؛ ومع ذلك فبلاد الإسلام ظلت طوال هذه الفترة مسرحا للعديد من الحروب وهدفا للكثير من الحملات العدوانية، ما جعل معظم اللاجئين في العالم مسلمين، هذا إلى جانب واقع التخلف الذي ترزح تحت نيره غير قليل من الشعوب الإسلامية... هل من تفسير لحالة الوهن المزمن هذه ؟

- لا شك في أن الأمور لا تتطور كلها في اتجاه سلبي: أ- هذه الأمة صنعها الإسلام وبحسب فهمها له والتزامها به يتحدد وضعها في العالم ضعفا وقوة. وعلى هذا الصعيد رغم كل السلبيات ومنها ضروب التشدد والإنغلاق وانعكاسات ثقافة العولمة على عالم الثقافة والقيم لشرائح من أمتنا فإن المستوى العام للوعي بالإسلام والإلتزام الشعبي به هو أفضل وأرقى مما كان عليه منذ مئات السنين حيث ساد الأغنوص والتصوف الخرافي على خلفية وحدة الوجود والإتحاد والإنسحاب من الدنيا الى عوالم وهمية، فتعطل العقل المسلم وساد الجمود والتقليد وركدت الحياة حتى أسنت بينما كانت الحياة موارة في الجهة الغربية المقابلة، بما أغراها بالسطو علينا لنهب خيراتنا مخترقين بناءاتنا الثقافية لتخليق صفوات على صورتهم منقطعة عن نسيجها الإسلامي ، سرعان ما جهزتها لخلافتها في إدارة شؤون الحكم والسياسة والثقافة والادارة والمال والاعلام ، وذلك بعد أن دبت في الأمة روح الحياة نافضة عن إسلامها غبار الانحطاط فتنهل مجددا من ينابيعه الصافية فتتحرك فاعليات الجهاد والإجتهاد والمقاومة والتجدد. وهكذا انتقل عالم الإسلام عموما من حكم غربي مباشر الى حكم بالوكالة عبر الصفوات التي تربت على يده، فغدت تمثله لدى الأمة أكثر مما تمثل الأمة لديه، فانشق الإجتماع الإسلامي بين شعوب تزداد يوما بعد يوم ارتباطا بالإسلام وبين نخب تمسك بمراكز القرار والثقافة والمال. واضح اليوم أن الصراع بين الحكام وبين الشعوب وخصوصا في العالم العربي يمثل معلما أساسيا من معالم المشهد، وأن لهذا الصراع وجه ثقافي إسلامي في مواجهة ثقافة التحلل والتغرب، وله وجه سياسي محلي حيث يرفض الحكام الإحتكام لشعوبهم عبر صناديق الإقتراع وهو ما تطالب به الحركة الإسلامية، وللصراع وجه سياسي دولي يتمثل في رغية جامحة للشعوب في الدفع صوب توحيد صفوف الأمة وتقديم الدعم للمقاومة بينما الحكام يتشبثون بالحكم ملكية عائلية ملكيين كانوا أم جمهوريين. والذي يبطّئ من حركة التاريخ في منطقتنا فلا تلتحق بركب التحولات الديمقراطية في العالم ميزان القوة الذي لا يزال مائلا لصالح الغرب الذي يعيق عملية التحول الديمقراطي وبخاصة في المنطقة العربية رعاية لمصالحه في استمرار التجزئة والحصول على النفط وحماية الكيان الصهيوني ، وهو يعلم أن أي حكم ديمقراطي في المنطقة سيلبي مطالب شعبه في السيطرة على ثرواته وفي الدفع إلى الوحدة وفي دعم المقاومة. وما حصل في فلسطين من فرض المقاطعة على حكومة حماس المنتخبة، وكذا دعم حكم مبارك بعد نجاح الإخوان ودعم جنرالات الجزائر والنظام البوليسي في تونس وكذا دعم أنظمة متخلفة في الخليج، شواهد ما يمثله ميزان القوة الغربي من عوائق في وجه التغيير، إلا أن الغرب ليس إلها، فأوضاعه ليست بخير، ويعاني أزمات مثل أزمته الإقتصادية، وأزمته في افغانستان لا يعرف سبيلا للخروج منها، بما أخذ يفرض عليه التفكير في الإعتراف بما تختاره الشعوب سبيلا لضمان مصالحه عبر حكومات منتخبة حتى ولو قادها اسلاميون معتدلون لا يحملون مشاريع للحرب ضد العالم وإنما يسعون لإعادة بناء إجتماع اسلامي يحترم إرادة الشعوب، ويقيم العدل متعاونا مع كل من يتعاون معه مسالما لكل من يسالمه.
غير أن حال الأمة حتى على المستوى الحكومي، يتغير في اتجاه اللقاء مع الأمة ، مع الإسلام، وذلك الذي حدث في ايران مع الثورة الإسلامية التي نقلت ايران من شرطي غربي في المنطقة حليف لإسرائيل الى أهم قوة دعم للمقاومة، وذلك رغم كل المشاكل، وللأسف قوبل هذا التحول من العرب الأشقياء بالتجهم بل بالحرب، ولا يزالون يثيرون الغبار على برنامجها النووي، وكان عليهم أن ينافسوه أو أن يبتهجوا بوجود قوة نووية ثانية في المنطقة حتى لا يبقى عدو الجميع اسرائيل منفردة بهذا السلاح الفتاك. ويتعزز وضع الأمة بالتحاق جناح قوي من أجنحتها بها أعني تركيا، التي ظلت زهاء قرن في التيه تحدث نفسها بالتأورب، وفعلت كل شيئ من أجل ذلك، إلا أنه ظل مصرا على صفق الباب في وجهها فيممت وجهها صف الأمة، لتحتل مكانها القيادي المتميز، ومن وراء ذلك باكستان رغم ما تتعرض له من مكايد غربية لتجريدها من قوتها النووية باعتبارها البلد الإسلامي النووي الوحيد. يبقى العالم العربي، وتبقى مصر الثغر الكبير في بناء الأمة ، هناك ارهاصات كثيرة دالة على أنها تعيش نهايات عهد وتتحفز للإلتحاق بركب الأمة والإنخراط مجددا بالعرب في التاريخ.

4 القمع الوحشي الذي تعرض له، صيف هذا العام، المسلمون الإيغور في تركستان الشرقية الخاضعة للسيطرة الصينية، أعاد إلى الواجهة معاناة الأقليات المسلمة في العديد من بلدان العالم، كما أبرز الحاجة الماسة إلى بلورة فقه سياسي يجيب عن الإشكالات المرتبطة بتدبير ملف الأقليات على اختلاف ظروفها المعيشية وأوضاعها السياسية... أليس كذلك ؟

- بلى. خصوصا وأن نسبة الأقليات المسلمة تتراوح بين الثلث والربع بالقياس الى بقية المسلمين وهو مظهر من مظاهر نمو الإسلام وتمدده وإفادته مما حصل من تطورات إيجابية لصالح الحريات الدينية التي كانت متوفرة في عالم الإسلام بما أتاح الفرص لتنوع ديني هائل في عالم الإسلام انتفت معه الحروب الدينية داخل المجتمعات الإسلامية، فكان تحاربنا حول السلطة وليس حول المذهب والدين كما كان عليه الأمر في المجتمعات الأروبية في عصورهم الوسيطة. لكن الثورات التي حصلت عندهم تمكنت من إزاحة سلطة الكنائس جانبا وتركت الناس أحرار وما يدينون، فكانت العلمانية هي ارضية الحرية وحاميتها في الغرب بينما الإسلام قد وفر ذلك في مجتمعات الإسلام. واضطر لشن الحروب من أجل الدفاع عن المستضعفين مسلمين وغير مسلمين وعرض دعوته على العالم، وهو ما وفرته المجتمعات العلمانية الديمقراطية الحديثة، فأمكن لأول مرة أن توجد وتنمو أقليات اسلامية ممتدة في أرجاء العالم يعيش معظمها حيث تسود الديمقراطية في سلام نسبي، بينما حيث تسود الدكتاتوريات تتعرض الأقليات المسلمة لصنوف من الإضطهاد ، كما هو حاصل لإخواننا التركستانيين الذين لم يكونوا أقلية في بلادهم بل غالبية سيدة، إلا أن الإحتلال الروسي والصيني قسم بلادهم الغنية الشاسعة، ونفذ فيها سياسة استيطانية حولتهم الى أقلية مضطهدة. وكان يمكن لعالم الإسلام أن يضع حدا لإضطهادهم ، دون حاجة الى حروب، فقط الضغط على الصين بالطاقة أو بمقاطعة بضائعها كفيل بتركيعها وتسليمها بالحقوق الأساسية الدينية لإخواننا الإيغوريين، في إطار الدولة الصينية بما يضع حدا لاضطهادهم ويسد الطريق على أعداء الصين في توظيفهم وقودا وإغرائهم بالإستقلال. ولكن دول البترول تستخدم النفط وعقد صفقات السلاح مع الصين لا لمصلحة الإيغور ولا ضد اسرائيل، وإنما لمنع الصين من بيع صواريخ متطورة لإيران. تركيا الدولة الإسلامية انطلق منها الصوت الإسلامي الوحيد محتجا على ما يفعل بالمسلمين، فكيف لو انطلق ستون صوتا من أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي وأين المنظمة نفسها؟ وأين اتحاد علماء المسلمين؟ لم يكن كافيا إصدار بيان، كان يجب الإتصال بالسفراء الصينيين، وزيارة وفود شعبية، والتوسط بين الحكومة والإيغوريين . الصين كبيرة ولكن مصالحها في عالم الإسلام ضخمة، ويمكن في المستوى الشعبي ذاته التهديد بسلاح المقاطعة للبضائع الصينية. على كل موضوع الأقليات المسلمة ينمو الإهتمام به في مستوى التأصيل الفقهي والأصولي، وخصوصا من قبل المجلس الأروبي للبحوث والإفتاء، الذي تأسس لخدمة الأقليات انطلاقا من تطوير لفرع فقهي خاص لم يحتج له الفقهاء السابقون غالبا في ظل عالم منغلق، بما جعل الإسلام لا يعيش إلا حاكما، فإذا فقد الحاكمية فقد الوجود، خلافا لعصرنا بما جعل فقهاء كبار بوزن الشيخ القرضاوي يعتبرون ما يسمى بجهاد الطلب أي غزو بلاد الكافرين لنشر الإسلام لم تعد اليه حاجة في نظام دولي مفتوح يعترف بالحريات الأساسية ومنها الحريات الدينية، ومع ثورة الإعلام التي اخترقت كل الحواجز بما يجعل الحاجة أشد الى جيوش من الإعلاميين والباحثين والدعاة المتخصصين.

5 الفتنة الطائفية التي باتت تتهدد وحدة الأمة بعد حديث البعض عن خطر مزعوم يتربص بالعرب من خلال ما قيل أنه"هلال شيعي" في طور التشكل، مقابل التواطؤ الإيراني في احتلال أفغانستان والعراق...؛ ألا يستدعي ذلك فتح حوار حقيقي يقوده عقلاء الأمة من الطرفين شرط أن يتسم بالصراحة ويتجاوز مجاملات دعوات التقريب المذهبي ؟

- بلى. مشكلات الأمة الداخلية كثيرة ولكن في طليعتها الإستبداد بالحكم ، الإستبداد بالرأي ، الإستبداد بالثروة. وليست الفتنة الطائفية غير فرع من فروع الإستبداد بالرأي ادعاء لإمتلاك الحقيقة الدينية، والإنفراد بها وتكفيرمن لا يسلم لك بذلك وإستباحة حرماته. لقد كان لأمتنا نجاحات حضارية معتبرة إلا أن حظنا كان متواضعا في باب الإدارة السلمية للإختلافات السياسية حول السلطة، فكان أول سيف سل في الإسلام كما يذكر الشهرستاني حول الخلافة، وعادة ما تتبرقع خلافاتنا حول السلطة ببرقع الدين باعتباره العنصر الأشد تأثيرا في شخصية المسلم، بما يجعل من العسير تجنيد فريق من المسلمين لمقاتلة فريق آخر من المسلمين دون الطعن في دينه وإسقاط حرمته الدينية . وهكذا ابتدأت كل الخلافات صراعا حول السلطة ثم تولى كل حزب سياسي إلباس حزبه ثوبا من الدين يحله المنزلة الرفيعة منه سالبا من الحزب المعارض له كل اعتبار ديني منزلا له منزلة الكافر أو الضال المتنكب عن نهج القرآن والسنة والسلف الصالح، فهو الخطر الأعظم على الإسلام وأمته الذي تجب منازلته ودرء خطره.
وهكذا ظلت خلافاتنا حول السلطة فيما بعد الراشدين تدار بالسيف، وعجز فكرنا عن تطوير آليات لإدارتها سلميا، وهو ما توفق إليه الفكر السياسي الغربي بعد قرون طويلة من الحروب الدينية، ما اضطره الى أن يقصي الدين جانبا عازلا له في خصوصيات الناس. أما نحن فقد ضللنا نتحارب على السلطة متنكرين باستمرار في أثواب دينية، ونحن اليوم أمام خيارين : إما الإعتراف الصريح بالتعدد الديني ليس خارج الإسلام وحسب، فقد اعترفنا بذلك منذ زمن بعيد، وإنما داخله أيضا ليس مجرد اعتراف فكري مذهبي فقد تم ذلك، وإنما الإعتراف بالتعددية السياسية الإسلامية بمعنى الإعتراف بتعدد برامج الحكم الإسلامي المنبثقة من الإسلام وحقها كاملا في التنافس على السلطة بمنآى من كل ضرب من ضروب الإحتكار للإسلام وادعاء النطق باسمه.
ورغم أنه قد يظهر لبادئ الراي أن الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة هي الفتنة الوحيدة ، يبدو مثلا كأن الأرواح التي تزهق في اليمن بين الحكومة والحوثيين وكأنها صراع بين السنة والشيعة الزيدية وهو ما يحاول الطرفان التلويح به، بينما هو صراع في جوره صراع سياسي على السلطة والثروة، يؤكد ذلك الحراك الجنوبي، وأيضا التحالف الواسع "اللقاء المشترك" التجمع الذي يضم أوسع تكتل شعبي يشترك فيه سنة وشيعة وناصريين واشتراكيين، مؤاخذته على السلطة لا تقل عن الحوثيين، إلا أنه يرفض الإنجرار حتى الآن الى حمأة العنف.
رغم ذلك، فإن فتنة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة ليست سوى وجه من أوجه الصراع السياسي الذي لا يرغب أطرافه في الإعتراف بطبيعته السياسية، وأسوأ من ذلك يرفض المتغلب منهما أو كلاهما الإعتراف بحق الآخر في الفهم والتفسير للنصوص الدينية وإقامة شعائره وفق ذلك، والدعوة لمذهبه وتمتيعه بكل حقوق المواطنة على أساس المساواة دون تمييز. ليست هذه الفتنة العامل الوحيد في تمزيق صفوف الأمة واضطراب بوصلتها لدرجة العجز عن تمييز الصديق من العدو، فتبدو اسرائيل أو أي قوة محتلة أخرى أقرب إلينا من المنتسب إلى طائفة أخرى من طوائف ملتنا، هناك فتن أخرى لا تقل عن ذلك فتنة الصراع بين السلفيين وهم في الأمة أبدا قلة بالقياس للصوفيين ولا يزالون يمثلون جمهرة الأمة. هذا الذي يبدأ بتكفير الشيعي اليوم سيكفر غدا الصوفي، وفي اليوم الموالي سيكفر السني الآخر المخالف للمذهب. وهكذا يستمر سرطان الإستبداد بالفكر والرأي عاملا ليل نهار على تحطيم جسم الأمة حتى ياتي عليه جميعا لأنه منخرط في مسار خاطئ مدمر متخلف، مصادم لسنة الله في التعدد والتنوع والإختلاف. قال تعالى"ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" (هود).إذا استمر هذا المنزع المتخلف في تطييف الإسلام أي تحويله الى طوائف يكفر بعضها بعضا فلن يكون هناك معنى لشعار الإسلام هو الحل" بل ستكون العلمانية كما في الغرب هي الحل. وذلك ما ظهر في العراق عندما اشتغلت الأحزاب الإسلامية بالسياسة، فتقاتل السنة والشيعة، ثم تقاتل السنة وتقاتل الشيعة وفرضت المحاصصة الطائفية وكثيرا ما غدت القوات الأمريكية هي ملجإ الضعيف المضطهد، وعجز الفكر الإسلامي الطائفي الذي يحكم بمختلف توجهاته الشيعية والسنية أن ينتج حزبا وطنيا يجمع شتات العراق سنة وشيعة عربا وأكرادا كما فعل حزب البعث العلماني للأسف. سيظل فكرنا الإسلامي متخلفا عن العلمانية حتى ننجح في تطوير فكر إسلامي سياسي يقوم على منظور رحب، قادر على أن يتأسس عليه تجمعات سياسية ونقابية يلتقي فيها كل أبناء الوطن على اختلاف اتجاهاتهم. في الأربعينيات كان الحزب الإسلامي في العراق يضم سنة وشيعة عربا وأكرادا فلم يعجز اليوم؟. في الأربعينيات كان من المقربين الى البنا ومستشاريه أقباط فلم لا يحدث ذلك اليوم؟. وراء الفتن الطائفية ضيق في الفكر واستبداد في السياسة، لا يمكن أن يؤسسا إلا لفتن وحروب أهلية بعناوين شتى، فلا اجتماع حضاريا إلا بالإعتراف بالتعدد والتنوع وحق الإختلاف وتنظيم إدارته سلميا.

6 ليس يخفى عنكم وجود هيئات منبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي من قبيل الأيسيسكو والبنك الإسلامي للتنمية ومجمع الفقه الإسلامي...ما يثير التساؤل عن إمكانية اعتماد المداخل الثلاث (الثقافي والاقتصادي والفقهي) سبيلا لتعزيز دعائم الوحدة الإسلامية والعمل على تجاوز القصور الناجمة عن الحسابات السياسية الضيقة التي جعلتنا عاجزين عن مجرد توحيد أوقات صيامنا وإفطارنا.

- نعم هي مؤسسات جيدة قامت وتقوم بأدوار مهمة في خدمة الوحدة الإسلامية، ولكنها محرومة من الأدوات التنفيذية القادرة على الدخول بما تقدمه من برامج ينتجها مختصون، ساحة التاريخ. ومقارنة بسيطة بين هذا التجمع الضخم وأمثاله من التجمعات مثل الإتحاد الأروبي الذي نشأ غير بعيد منه وكيف شق طريقه صعدا صوب الوحدة الإقتصادية والثقافية والعسكرية والقضائية..الخ، تكشف أن العائق ليس في منظمة المؤتمر الإسلامي ولا في الجامعة العربية وإنما في العناصر المكونة لها من حيث غياب الإرادة الوحدوية لديها وأنفصال حكامها عن شعوبهم، بما يجعل العلاج يبدأ من الأساس من ردم الهوة بين الشعوب والحكام، فكل خطوة نحو الحرية ومقاومة الإستبداد هي بالضرورة خطوة جادة صوب الوحدة العربية والإسلامية صوب تحريرفلسطين والعكس صحيح كذلك.


- حوار مع الشيخ الغنوشي لمجلة أطياف مغربية العدد الثالث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.