دعنا من لحظة اللقاء... دعنا من ملابساته... كل ذلك لا يجدي نفعا. فحين التقيته كانت احاسيسي قد فرت مني منذ دهر وانتحرت فصار القلب لا يدق الا ليروي العروق. اذ عقب سلسلة من الاحداث المريرية صار الحب كابوسا افر من النوم كي لا اراه. صرت لا آبه لصرخات العاشقين ولا لدموع الباحثين عن رضائي. أصبحت ازداد قسوة يوما عن يوم... فتشابهت الوجوه امام ناظري وتمطت الساعات وتثاءبت الأشهر. بدا الحديث استئناسا فألفة فمشاعر فياضة... كنت ارى في وجهه ملامح مألوفة وفي صوته دفءا غير عادي... كنت اشعر بانفاسه رغم انه يبعد عني اميالا واميالا... احسست اني دخلت في طور السعادة والجمال رفعت عن صدري غبار الفشل والكسل... كان صوته السماوي الملائكي يحثني على النجاح... حسنا ربما رنوت كثيرا قبله الى أن يعود النبض الى قلبي فافرح حقا واحزن بكل جوارحي لكني لم أقدر. لكن ها برؤيته احس ان شمسي تشرق وان البحر يركع عند قدمي فأنا أحب هذا الفتى الأسمر البدائي الخصال. حبا رأيته ادركت كم هي عظيمة نعمة البصر... كنت اشعر براحة كبرى حين انظر اليه... كنت في حاجة لعينيه فالخوف مازال يقتلني... بل يقتل كل الاشياء الجميلة في داخلي. قلبي رقص على صوته لكنه كان يخشى ان يتعود عليه ثم ينمحي من سمائه فيغرق من جديد في العذاب. دعنا من لحظة اللقاء... دعنا من ملابساته... كل ذلك لا يجدي نفعا. فهو كان خائفا اكثر مني... جزعا اكثر مني... غير واثق في من حوله اكثر مني. كان ثنائية عجيبة. يدعوني للارتباط ويتغنى أمام الملا بالحرية... يلح علي ان انسى ما لحقني من حبيبي السابق ويحاول الانتقام من المراة التي كانت ومازالت تحتل قلبه ولو من خلال كلمة. كيف لي ان اسميه حبيبي وهو حبيبها... كيف لي ان اضمه الى صدري وهو ملك لها... كيف لي ان اشم عطرا هي من ابتاعته له... كيف... كيف... هو ملكها وانا لازلت الهث في دروب الاشتياق له... هي تستحوذ على افكاره وأنا أحاول اغماض عيناي عن رسائله لها التي ملأت الجدران. أمي علمتني منذ نعومة اظافري ان لا اقطف عناقيد الآخرين وان ظلت شجرتي عاقرا. وابي افنى صحته في تلقيني مبادئ الصبر الجميل والقناعة بالنزر القليل وعدم التحديق في ما ليس لي لاظفر بالافضل. ... حزمت حقائبي وقررت ان اضرب برحالي في عمق الصحراء محوت الالفة... وجعلت الحماسة في الحديث اليه تفتر... صيرت دفء صوته ثلجا باردا. وقبل رحيلي قلت له لن أقول لك احبك مجددا كي لا تدمع عيناك فأنت لم تنساها... لم تعدم ذكرياتها... لا تجرحني اذ لا ذنب لي... هي باعتك لكنك مازلت تحلم بالرجوع... مازلت لها... دعنا في هذه الظلمة المريرة... لن اشعل الشموع كي لا اجدك غارقا في دموعك... لست ابتغي كسر قلبي او جرح كبريائي... لن أكون بديلة ذلك ما لا ارتضيه لانوثتي... وجودي الى جانبك مستحيل فقلبك لا يزال يغرق في حنين لا أمل له ربما عيبك الخيانة لكن عيبي الاكبر ايماني بحب غادر. لا تقل لي اني عمرك لأنك ما ان تراها ستركض اليها دون غيرها فلا تجرح كبريائي... لا تبك... فدموعك لن تطفئ ناري... لن تكفي ألمي... جرحك اكبر من ان ينسى وان اضعفني شوقي اليك سأفتق جروحي وارشها بملح البحر كي يشتعل الالم من جديد... كي لا اركع تحت قدميك كالعبيد. اخيرا ومع ظهور خيوط الفجر الاولى تأملت مشهد الزيف العابر باندهاش وابتسمت...