الشاعر حافظ محفوظ كاتب مثابر غزير الإنتاج منتظم في إصداراته بين الشعر والرواية والترجمة والكتابة النقدية ،انتمى الى الهيئة المديرة لاتحاد الكتّاب قبل أن ينسحب من أنشطة الاتحاد ويتخّذ مسافة عنه. كيف يرى المشهد الثقافي؟ وكيف يفكّر في اتحاد الكتّاب التونسيين؟ «الشروق» التقته في هذا الحوار . ٭ خفت حضورك في التظاهرات الثقافية هل في هذا موقف ما من الطريقة التي تدار بها أغلب التظاهرات الثقافية؟ هل افهم من سؤالك انّ لدينا تظاهرات ثقافية تستحق المشاركة في فعالياتها؟ هي احتفاليات صغيرة تقام هنا وهناك دون برمجة دقيقة ذات اهداف واستراتيجيات ودون اعتبار للادب كفاعل اساسي في بلورة المشروع الثقافي الوطني. لقد ضعف حضور الادب في الثقافة التونسية وشيئا فشيئا بدأنا نعيش على ايقاعات اخرى كالحضرة والنوبة والمزود والراب والعروض التي تخاطب الجسد وحده مفردا في حين انعزل المثقفون من الكتاب والشعراء والنقاد والمفكرين وهذا وضع لا نحسد عليه في الحقيقة وهويعود بالاساس الى غياب المؤسسات الثقافية الواعية بادوارها ومسؤولياتها، تكفي نظرة صغيرة إلى الوراء لنتاكّد مما قلت، ثلاثينات القرن الماضي كانت اخصب من التسعينات والتسعينات اكثر انتاجا وحراكا من اليوم، فالى اين تاخذنا هذه الموجة من الخفّة الثقافية وهذا الارتجال الذي ان تواصل اكثر لن نستغرب من شاب تونسي لا يعرف ابا القاسم الشابي اوالمسعدي اوالجابري اوالبشير خريف ولا اتحدث عن ادباء اليوم. تظاهراتنا الثقافية تحتاج الى تأهيل وقبل ذلك الى مؤسّسات ثقافية حقيقية قادرة على مسايرة تطوّر مجتمعنا وما حولنا. ٭ أنت من الذين انسحبوا في صمت من أنشطة اتحاد الكتاب كيف تقيّم نشاطه خاصة أنه سبق لك الانتماء إلى الهيئة المديرة؟ ومن لم ينسحب من اتحاد الكتاب التونسيين؟ هناك من انسحب في صمت وهناك من انسحب في ضجيج وهناك من انسحب بالحضور الباهت وهناك من انسحب بالعمل على جعل الاخرين ينسحبون. اضافة الى ذلك انسحبت الانشطة من اتحاد الكتاب ايضا ولا اتصوّر انّ ما سيقام في ما تبقّى من الوقت لهذه الهيئة سيغطّي الفشل الكبير الذي شهدناه طوال سنتين. لقد نجحت هذه الهيئة نجاحا كبيرا في ابعاد الكتاب واثارة المشاكل التي لا يجب ان توجد في مجتمع الكتاب الذين من المفروض ان يكونوا في طليعة المجتمعات ونبراسها. لقد انتميت الى الاتحاد في زمن الاديب العروسي المطوي وكنت اشارك باستمرار في مختلف انشطته بحبّ كبير وحماس مثلي مثل كل ابناء جيلي لاننا كنا نجد فيه فضاء رحبا للعمل والتشجيع واثبات الذات ورغم انّ الامكانات المادية كانت ضعيفة الا ان النتائج كانت طيّبة ومشرفة ثمّ اصبحت عضوا في الهيئة المديرة مع الشاعر الميداني بن صالح ورغم ما في تلك التجربة من صعوبات الا انّها كانت مثمرة جدّا فقد كان الاتحاد يجبرك على الالتفات اليه سلبا اوايجابا وتتفاعل معه بشكل من الاشكال ولم ينقطع نشاطه داخليا وخارجيا وكان يحاور الجامعة التونسية ويستقطب الاكاديميين ويساهم في التظاهرات الجهوية وكانت الفروع تعمل ولها ميزانياتها . اين نحن اليوم من كل ذلك؟ ٭ العام القادم سينظّم الاتحاد مؤتمره هل تنوي الترشّح للهيئة؟ وان كان هذا الحديث سابقا لاوانه لاعتبارات عديدة الا انّي لا أخفي عليك تردّدي في الاقدام على هذه الخطوة واتخاذ قرار نهائيّ لانّ ما اطمح اليه في شأن مستقبل اتحاد الكتاب يفترض وجود مجموعة من الكتّاب قادرة على العمل الجمعياتي المنظم والهادف الى تغيير الاوضاع. وهذا يحتّم التقارب اكثر والحوار المتواصل دون انحياز أو تعصّب. لا بدّ من تحديث اليات اشتغال هذه المنظمة العريقة لتواكب نسق العصر بما في ذلك اشكال الانتماء اليها وشرف العمل فيها والايمان بدورها التاريخي في الدفاع عن كرامة الكاتب وانتاجه والتعريف به والحفاظ على ارثه من بعده ومحاورة كلّ الجهات والمؤسسات المعنية بالشأن الأدبي من اجل تحسين مكانة المبدع لدى جميع شرائح المجتمع. فصورة الشاعر اليوم مشوّهة ولا تعكس ما لدينا من طاقات ومن تجارب عميقة ومتطوّرة. امّا صورة الكاتب فهي باهتة لا تعطي لصاحبها ايّ امتياز. هذا دور اتحاد الكتاب الذي اؤمن به وهو ما يجب ان يكون عليه الحال. واذا افترضنا انّي ساترشّح في المؤتمر القادم فانّي ساقترح ان تلغى الالقاب من اعضاء الهيئة المديرة فلا رئيس ولا نائب رئيس ولا كاتبا عاما ولا امين مال ولا غيرها ... بل مجموعة تفكّر معا بصوت عال وتعمل في صمت من اجل الجميع. الامور الادارية والتصرّف المالي توكل لاعضاء من خارج الهيئة ويعملون امّا بشكل متواصل داخل الاتّحاد اوبشكل تطوّعي. وكذلك الشان بالنسبة الى مجالات النشر والتوزيع والنوادي وغيرها. هذا مع اضافة هيئة موسّعة تجتمع دوريا للتقييم وابداء الملاحظات المنهجية حول عمل الاتحاد مع رسم معالم البرمجة السنوية اوالشهرية. الاتّحاد بشكله الحالي عبارة عن دار ثقافة متوسّطة وهوما لا يجب ان يكون لانّ عليه ان يكون خليّة استراتيجية للعمل الادبي وقطبا للاشعاع وحضنا حقيقيا للكاتب التونسي الذي يجد نفسه اليوم متذبذبا وبلا ايّ ضمانات ثقافية وبلا مدافع عنه وعن ابداعه. يعيب عليّ البعض جدّيتي في التعامل مع مثل هذه القضايا. نعم لانّ شان الكاتب التونسي وابداعه امر جدّي وعليه لا بدّ من عدم التساهل مع الوضع الحالي لاتحاد الكتاب لانّه سيضيع منّا تدريجيا وهذا ليس من مصلحة الكتاب. واذا افترضنا انّي ساترشّح للهيئة المديرة الجديدة فلا بدّ ان يتغيّر مقرّ اتحاد الكتاب التونسيين من ذلك المكان في شارع باريس الى مدينة الثقافة فللكاتب التونسي الحقّ فيها كما للسينمائيين والمسرحيين والفنّانين التشكيليين. وانا ادعو الهيئة الحالية الى المطالبة بذلك من الان وليكن المقر القديم لبعض الانشطة الفرعية. واذا كان لا بدّ من الاجابة عن سؤالك فاني اقول بانّي ساترشّح اذا وجدت معي من هو قادر على العمل ويؤمن بضرورة التقدّم والتطوّر والمكانة التي يجدر بالكاتب التونسيّ ان يتبوّأها. ٭ نقابة الكتّاب ما هي الإضافة التي يمكن أن تحقّقها؟ دعني في البداية أقول لك اني مع بعث نقابة للكتاب ترعى مصالحهم الاجتماعية ومطالبهم التي لا يمكن للمنظمات الاخرى ان تقدّمها. ونقابتنا ذات نوايا حسنة ووعدت بكثير من الانجازات. هذا طيّب. ننتظر مستقبل الايام للحكم عليها او لها. ٭ أنت موزّع بين الشعر والترجمة والرواية والإنتاج الإذاعي والكتابة الصحفية فكيف تجد نفسك بين كل هذه الأنماط؟ أنا لا أرى نفسي مختلفا عن الشعراء في تونس أو في الوطن العربي فكلّهم تقريبا يكتبون الشعر والنثر ويساهمون بالمقالات الصحفية والنقد وغيرها. ابو القاسم الشابي ترك لنا من النثر اكثر من الشعر ادونيس كذلك وانظر الى تراجم سعدي يوسف ومقالات الشعراء في الصحف العربية... الشعر هومشروعي الكتابي وبقية ما اكتب هي لدعم هذا المشروع وللمساهمة في الشأن الثقافي العام فعلى الشاعر ان يكون مؤثّرا في مجتمعه ايجابيّا. وهذا ما احاول القيام به بمثابرة ورغبة في التجديد. ٭ هل أنصفك النقد؟ في الحقيقة لا انتظر ان ينصفني النقد أولا. انا لا انتظر أنا اقرأ واكتب واترجم وأنقد احيانا وقد مضى ذاك الزمن الذي كان فيه النقد قادرا على رفع الشاعر اوالنزول به. النقاد اليوم ليسوا نقاد الامس ولا يجب لهم ان يكونوا لانّ الوظيفة الجديدة للناقد هي القراءة بمعنى اعادة الكتابة مثله مثل القارئ ولكنه ذلك القارئ المحترف الذي يحاول الاقتراب من النّصوص الاقتراب الذي يكشف سترها ويظهر مباهجها ويقدّمها في مرحلة اخيرة الى قارئ جديد. اعتبر نفسي محظوظا نقديّا فقد نشرت حول كتبي دراسات اكاديمية وأخرى صحفية سواء في المجلات والصحف التونسية اوالعربية. ورغم ذلك مازلت انتظر نقدا اعمق لتجربتي الشعرية. وسينشر هذه السنة كتاب نقديّ حول كتابي الشعريّ «الابدية في لحظة» يشارك فيه مجموعة من النقاد والشعراء التونسيون ارجو ان يضيء بعض المناطق من تجربتي الشعرية.