شهداء بنيران الاحتلال في غزة والنازحون يصارعون البرد والسيول    عاجل/ بشرى سارة للتونسيين: تمرير هذا الفصل من قانون المالية لسنة 2026..    الهيئة الدولية لجوائز السلامة المرورية في لندن تكرّم جمعية سفراء السلامة المرورية التونسية    فرنسا: توقيف 4 أشخاص جدد في قضية سرقة مجوهرات اللوفر الثمينة بعضها يعود لعهد نابليون!    عاجل: انتخاب ممثلة ال'تونيسار' حليمة ابراهيم خواجة نائبا لرئيس جمعية النقل الجوي الفرنكوفوني    وزير الشؤون الدّينية: المتفرّغين من الإطارات الدّينية لهم نفس نظام الوظيفة العمومية    عاجل/ قضية السطو على فرع بنكي ببومهل من طرف ارهابيين فاريين من المرناقية: هذا ما قرره القضاء..    ترامب: قريبون من التوصل إلى اتفاق في أوكرانيا    كاس العالم 2026- الكشف عن الاجراءات الخاصة بعملية القرعة المقررة يوم 5 ديسمبر والمنتخب التونسي في الوعاء الثالث    قفصة: يوم جهوي تحسيسي حول الأمراض الحيوانية المنقولة عن طريق الحشرات    كأس العرب 2025- منتخبا فلسطين وسوريا يلتحقان بتونس وقطر في المجموعة الأولى    مع الشروق : «سلام ترامب»... حروب نتنياهو وأمريكا !!    فلاحتنا .. اسبانيا..ماذا في لقاء وزير الفلاحة بوزراء أجانب؟    نبض الصحافة العربية والدولية ...وزير الخارجية الفنزويلي مهاجما وزير خارجية الكيان ..أنتم مجرمو حرب وستحاسبون    رفض راتبا بأكثر من 200 مليون .. الترجي يستعد لحسم مصير «أوغبيلو»    قابس: انطلاق الاحتفالات بالذكرى 20 لتأسيس المعهد العالي لعلوم وتقنيات المياه بقابس    النيابة العمومية ترفض الأحكام السجنية «بالجملة»؟ .. 20 سنة سجنا للمتّهمين بتهريب 17 كلغ من المخدّرات    اليونسكو تطلق مشروعا جديدا لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس بقيمة 1.5 مليون دولار    أشغال تهيئة في مسرح أوذنة الأثري    من دمشق والقاهرة إلى أيام قرطاج المسرحية.. المهرجانات المسرحية العربية.. رحلة نصف قرن من الإبداع    لبنان: تأجيل أولى جلسات محاكمة الفنان فضل شاكر    صادم/ 86% من نساء تونس تعرّضن للعنف ولو لمرة واحدة..#خبر_عاجل    النادي الإفريقي يواجه نجوم القدس وديا.. شوف سوم التذاكر    عاجل/ رسميا: هؤلاء الحكّام يمثّلون تونس في "كان" المغرب    عرس رونالدو وجورجينا: مفاجأة كبرى في اختيار البلاصة!    واعظ ديني يتحيّل على مواطنين من خلال "جمع التبرّعات"!!    إيداع 5 متهمين السجن في قضية تحيّل إلكتروني بقيمة 3 ملايين دينار    محرز الغنوشي: الشمال الغربي يستقبل أولى التقلّبات الجوّية    عاجل : أخبار سارة لفلاحة تونس    بطولة كرة اليد: برنامج مباريات الجولة الخامسة إيابا    عدد زوّار تونس يزيدة ب10،3٪ إلى حدود 20 نوفمبر    وصفها بال"مؤامرة": مرافق ياسر عرفات يكشف لأول مرة تفاصيلا صادمة عن وفاته..#خبر_عاجل    علاش ما نَعطسُوش وقت النوم؟ الحقيقة اللي ما تعرفهاش    عاجل: الإفراط في الفرجة على الانستغرام والتيك توك يسبب ''تعفن الدماغ''    الصالون الدولي للانتقال الطاقي: اكبر تجمع مهني يجمع مختلف المتدخلين في القطاع الطاقي بتونس (الكنزاري)    تصدر الترند: مسلسل "ورد وشوكولاتة" يثير جدلا كبيرا: هل غيّر المسلسل قصة مقتل الإعلامية شيماء جمال..؟    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك تدعو للتصدي لخطر الهندسة الاجتماعية الرقمية    بيونة في ذمة الله: الوداع الأخير للممثلة الجزائرية    "سينيماد" تظاهرة جديدة في تونس تقدم لعشاق السينما أحدث الأفلام العالمية    لقاو نسخة نادرة من سوبرمان وبعوها في المزاد العلني بثمن خيالي!    نجمة الكوميديا الجزائرية 'بيونة' في ذمّة الله    هل تحجب تونس بعض مواقع التواصل الإجتماعي؟ وزير تكنولوجيات الاتصال يُوضّح    وزير الصحة يعلن عن إجراءات عملية لتطوير طبّ الإنعاش في تونس    تزامنا مع موجة البرد: نداء هام للمواطنيين وموزعي قوارير الغاز المنزلي..#خبر_عاجل    الممثلة التونسية عفاف بن محمود تفوز بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم ''الجولة_13''    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    تصفيات كأس العالم لكرة السلة: برنامج مواجهات المنتخب الوطني في التصفيات    قيس سعيد: كلّ مسؤول مهما كانت درجته يجب ان يشعر انه يعمل تحت دستور 25 جويلية    جائزة عربية مرموقة للفاضل الجعايبي في 2025    التوقعات الجوية لهذا اليوم..أمطار بهذه المناطق..    سيدي حسين: مداهمات أمنية تطيح ب"قطعون" وإيزي" والنقار" و"المهبول "كبار مروجي المخدرات    عاجل: رحلات جوية تُلغى بسبب بركان إثيوبيا    عاجل: أمطار رعدية وسيول محتملة في 7 دول عربية... تحت تأثير الطقس المتقلب    الصين تكشف عن مسيرة ثورية تصطاد الغواصات المختبئة في الأعماق    مخاطر الانحراف بالفتوى    في ندوة «الشروق الفكرية» «الفتوى في التاريخ الإسلامي بين الاجتهاد والتأويل»    الفتاوى الشاذة والهجوم على صحيح البخاري    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزاوية الخامسة: قراءة في عدد من «شروق الإبداع»: بوح الشعراء أو جناية النقّاد
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

ليسقط النص المعلّم ولتسقط معه الأصنام أو لتكن الكتابة جدلا بين الكاتب والقارئ فيبرز النص الثالث أو الوسط أو النص المراد ذاك الذي يلعن أبدا كل ثبات وكلّ مرجع يشدّه الى خلف ويمتّن علاقته بسلف صالح وبمعلم أول يطبع ذائقته.
هذه الصورة التي تحصل للمطلع علي ملحق جريدة «الشروق» «شروع الإبداع» الجمعة 6 فيفري 2004 إذ أنّ ما قدّمه ملفّه حول «النّقد الأدبي.. هل هو حاضر.. بالغياب؟! يشي باشتراك واضح في الرّأي بين الشعراء المساهمين فيه بوجود «أزمة» نقد :
ففيمَ تتمثل هذه الأزمة داخل السّاحة الثقافية التونسية؟ وما الذي يقترحه هؤلاء الشعراء للخروج من هذه الأزمة؟ وما رهانات هذا العدد من شروق الإبداع وهو يضع للنّقد مرمى داخل صفحاته؟
لقد أجمع الشعراء المشاركون في هذا الملف على وجود «أزمة» في التعامل مع النص الشعريّ داخل الساحة الثقافية التونسية وألحّوا علي ضرورة تشخيصها بالعودة الى معالجة النص ذاته ذاك الذي ظلّ مختفيا وراء ذاتية نقدية توزّعت بين توجّه يجعل العلاقات الشخصية مرجعا أساسيا لكلّ إقبال على المعالجات النقدية للنص وبين «صنميّة» الأسماء تلك التي لا تعترف بغير نجومية أسّسها نصّ سلفيّ أو نص أضحى أسمالا مهترئة من فرط تناولنا التشريحي له.
وجاء في شهادة الشاعر عبد الكريم الخالقي «... ولكن ثمّة ظاهرة بدأت تغمر المشهد التونسي وهي استسهال العملية النقدية فالمفروض أن ممارسة النقد لا بدّ له من حدّ أدنى في امتلاك أدواته..» ذاك ما يجعل منها «... قراءات عاشقة..» وهو ما شدّد عليه أيضا الشاعر محفوظ الجرّاحي في قوله «إنّ بعض النقاد مازالوا يتعاملون مع النصوص بواسطة العلاقة مع مبدعيها تلك العلاقة التي تكون في أغلب الحالات علاقة شخصية تجعل من بعض الأعمال النقدية أعمالا تعكس تلك العلاقات فتصبح الدراسات إخوانية الاتجاه تتحوّل بموجب القراءة النقدية الى قراءة عاشقة تقفز على عديد المناهج لتصبّ في الآخر إلى قراءة مغشوشة للنص تكون نتائجها مغشوشة لا تعكس حقيقة النص لتضع القارئ في النهاية أمام نصّ نقدي يخادع الكاتب والقراء على السّواء» تلك الخديعة جعل لها الشاعر عبد اللّه مالك القاسمي «ثمنا» توجّه وجهة النفع فغيّب النص وسقط في النسيان «... أما ما لا أحترمه تماما فهو نفاق بعض النقاد والأصدقاء الشعراء والكتاب الذين يرحبون بنصوصي ويبدون إعجابهم الكبير بها دون أن يكتبوا سطرا واحدا بينما يكتبون عن أعمال أخرى لترقية أجنبية».
وكذلك كان الشاعر يوسف رزوقة مشّخصا للأزمة من جهة ذاك «المنعكس الشرطي» كتابة نقدية يجذبها مثير السائد والبديهي والعادي والمسيطر على الذّائقة المتكلّسة بفعل اتفاقها مع قيم تغيّب استشراف فعل الكتابة : «أمّا ناقد «الانعكاس الشرطي» ناقد النصوص ذات الصلة بالبرامج المدرسية الموازية ذاك المتورط عن جهل الى حدّ الصمم المضمر في منهجه النقدي المنمّط والمسقط (هذا إن وجد أصلا) والذي لم تبرح ذائقته النقدية طقوس المتنبّي ومن لفّ لفّه أو (أغاني الشابي) في أقصى الاحتمال، فهذا الناقد لم يتفطّن بعد إلى مدوّنتنا الشعرية الرّاهنة وهي مدوّنة أقل ما يقال فيها وعنها وبلا مبالغة انها مربكة إلى حدّ خلخلة السّائد المطمئنّ».
لقد ظلّ النقاد ذاك ما اتفق عليه هؤلاء الشعراء المساهمون في هذا الملف فلا يجد الشاعر البشير المشرقي غير استفهامات يطرحها عليهم مجسّدا فيها حسرته واستغرابه «أين المنفى بمعناه الوجودي أين الموت أين الغربة أين الأشواق تعوي في القرار أين الانسان بأبعاده الوجودية العديدة؟ لست أدري؟».
هي «أزمة» أو «جهل» أو «كتابة عاشقة» أو لعلّها نسيان غرض النصّ لسببين حدّدهما الشعراء أوّلهما يدخل في باب الذّاتيات والإخوانيات وثانيهما معرفيّ أو قصديّ يتّهم الحركة النقدية وأساسا «مدرّسي الأدب» على رأي عبد الكريم الخالقي أو الجامعيّين تأويلا لشهادات «رزوقة والمشرقي بنسيان النصوص الجادّة وبخطإ تطبيقاتها على الآثار الشعرية.
فهل هي النصوص وقد صارت للغياب؟ أم هي «الأزمة» التي يرى لها الشعراء صبحا قد يكون؟
الشاعر المتميّز يوسف رزوقة يتيقّن باستشراف ناقد جدّي يتفهّم قصائد العولمة ويحلّ طلاسمها : «من هنا يحقّ لنا أن نتطلّع إلى طوفان نقدي قادم ينتصر للنص الشعري العظيم ويجرف معه في الأثناء زخم الرّداءات المتراكمة في عقر ذائقتنا النقدية منذ قرون» إنه الأمل أو هو بصيص نور يستحسنه الشاعر عبد الكريم الخالقي في قوله : «ورغم هذا فإنّ السنوات الأخيرة عرفت بعض التناولات القيّمة خاصّة داخل جامعتنا وأصبح للأدب التونسي مكانة في أقسامها وهي ظاهرة ندعو إلى تكثيفها وتطويرها».
ويكرّس عبد اللّه مالك القاسمي هذا الطموح برؤية شاعرية لا تغلق للأمل بابا متّخذا من التاريخ خير معلّم ومخبر : «ولكن لي قناعة راسخة تعلّمتها من التجارب السابقة ومن التاريخ هي أن النص الجيّد سيحيا.. وسيسافر عبر الزمن فلنكتبه نصوصا جيّدة أوّلا ونتركها سيبحث عنها النقاد الآن أو غدا».
إنّها حمّى الكتابة وهي تعلن سلطة النص كبديل عن سلطة الفكرة ذاك الذي يؤسسه الباث في علاقته بالمتلقي ولذلك أكّد «بول ريكور» على : «إنّ النصّ هو ذاك الخطاب المثبت عبر الكتابة» أو هي الكتابة التسجيل الوحيد للقول.
فهل هي الدعوة للقول عبر «الكتابة» تلك التي لا تجد لذاتها من حضور غير نشرها عبر وسائل النشر والتوزيع كتبا صحفا وإعلاما سمعيا ومرئيا؟
إنّ هذا العدد الأخير من شروق الإبداع يكشف في تفصيل مادته النقدية والشعرية والنثرية عن هذه الرغبة في جعل النص غاية الفعل الثقافي إذ به يتحوّل القول من الإعلان الشفويّ إلى الحضور المكتوب ذاك المبدأ الضروري لكلّ قراءة نقدية ولكلّ تأويل، وما قدمته افتتاحية العدد كلمة تحت عنوان «عن النّقد مرّة أخرى» يشي بذاك الرّهان : «كنّا فتحنا على صفحات شروق الإبداع وفي أكثر من إشكالية غياب النقد في الحياة الثقافية في تونس وهي الظاهرة التي لم نجد لها تفسيرا مقنعا إلى حدّ الآن».
ولأنّ هذه الاشكالية محور رئيسي في حياتنا الثقافية عدنا إليها مرّة أخرى من خلال ملفّ ننشر جزأه الأول في هذا العدد.. وأملنا من خلال هذا الملف تحريك سواكن الحياة الثقافية وهو الهدف الأساسي لهذا الملحق».
هي الرغبة الجامحة في استدعاء القول عبر مخاطبة أصحابه ومكاشفتهم بزاوية مطفأة قد يكون الحوار الصحفي مدخلا ضروريا لإضاءتها أو لنقل هو الوجه الثاني للاضافة الفعلية للنص المكتوب أو هو الرّافد التأويلي الذي يساعد فهم النص وإعادة الوعي به نقديا وهو ما سعى إلى تبيانه الشاعر نور الدين بالطيب في محاورته للقاصّة فوزية علوي فدعاها إلى جملة من الإحراجات التي تتنزّل في خانة «النص والنقد» فكان الحديث عن علاقتها بأجناس الكتابة إنجازا وموقفا وعلاقة نصوصها بالنقاد ليصل بها في آخر الأمر الى رهانات الكتابة لديها.
ولعلّ المدقّق في هذا الحوار والمؤوّل الجدّي له يدرك أنّ اشكالية «النصّ والنقد» كانت هي المهيمنة على عقليّة المحاور:
«لك تجارب في الكتابة النقدية كيف تتنزّل هذه التجربة في مسارك الإبداعي؟..
هناك من يتحدّث عن تقصير النقاد في دراسة الأدب التونسي هل ترين هذا صحيحا؟
تقسيم الأدب التونسي إلى أجيال هل تعتبرينه مقياسا في دراسة الأدب التونسي؟
نلاحظ احتفاء مبالغا فيه أحيانا بالكتابة النسائية ما سرّ هذا الاحتفاء في رأيك؟»
هي الكتابة وهي تعلن عن ذاتها عبر المكتوب تفضح صاحبها أو هي تدعونا جميعا كتابا وقراء ونقادا إلى إعادة وعينا بثوابتنا ولا نخال أيّ عمل إبداعيّ يكشف عن وجهه بذاته بل قدرته على المخاتلة تظلّ أساس وجوده ولكنّ دور «الآخر» أو دور ذاك الواعي «النّاقد» يكمن في كشف أقنعة النص ليكون ممكنا ومؤوّلا قريبا من ذات القارئ لا لصيقها لأن النص الحقيقي لن يستطيع إلا مخاتلة قارئه لقدرته الرمزية العالية.
لقد استطاع العدد قبل الأخير من «شروق الإبداع» أن يكون بحقّ نافذة جادّة على ذاك «النقد» أو عن رؤية «الشاعر» لذاك الخصم أو لذاك الصديق اللّدود ولعلّ في الاستماع الى ذاك «الآخر» خير إمكان لتأويل نصّ أضحى إحراجه لا يخفى على فطن :
«إنّ الأثر لا يتأبّد لأنه أرسى معنى وحيدا ولكنّه كذلك لأنه يوحي بدلالات مختلفة لإنسان واحد يتكلّم دائما اللغة الرمزية ذاتها عبر أزمنة متعدّدة، فالأثر يقترح والإنسان يتصرّف».
رولان بارت
* الهوامش :
* جريدة «الشروق» شروق الابداع ملحق أدبي ثقافي الجمعة 6 فيفري 2004
راجع: سؤال إلى الكتاب ص. 6 7
راجع: افتتاحية العدد كلمة عن النقد مرّة أخرى الشروق ص. 2.
راجع: حوار مع القاصّة فوزية علوي أجراه معها نور الدين بالطيب ص. 5


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.