عثمان الهيشري (زاوية الجديدي بني خلاد) بينما كنت مدعوا لحضور حفل توزيع الإعانات المدرسية إذ بابني محمد ضياء وكأني به يستفزني يقول لي: «أعرف يا أبي أنك تعيش هذه الأيام لحظات سعيدة من عمرك». فهمت مقصده ولم أرد عليه: وبالفعل فكيف لا أكون كذلك والعودة المدرسية تثير في كل مشاعر حب خاصة اعترافا بقيمة الفكر والعلماء. وكيف لا أتذكر طفولتي وأنا مازلت أمر أمام مدرستي الابتدائية بزاوية الجديدي وهي تحتضن مئات الأطفال كلهم براءة وحيوية ونشاط. وكيف لا أذكر شبابي والإعلان عن نجاحي كتابيا وشفويا في شهادة ختم الدروس الثانوية الترشيحية بواسطة مضخم الصوت من أعلى بناية المدرسة الصادقية بالقصبة بعد سنوات من البؤس والفقر والظلم والقهر وكيف لا أتذكر ما تحليّت به من صبر وقوة إرادة في سبيل إسعاد والديّ رحمهما الله. كيف لي أن أنسى أجواء الدراسة خاصة في الثانوي بالمدرسة الصادقية ومدرسة ترشيح المعلمين بالمرسى ومقهى الصفصاف والجمل والناعورة. كيف لي أن أنسى يومي الأول في التدريس بمدرسة شارع المحطة بتونس وأنا ابن العشرين ولا أفوق بعض تلاميذ السادسة والسابعة ابتدائي إلا بثلاث سنوات وحتى لحيتي التي عولت عليها لإثبات رجولتي خانتني ولم يبرز منها وقتها إلا بعض شعيرات وكيف لي أن أنسى مشاعر الخوف التي انتابتني في البداية عندما قابلت السيد المدير الطاهر الباجي رحمه الله بالرغم من حفاوة الاستقبال وكيف لي أن أنسى وأنا لا أكاد أصدق أني قد أصبحت فعلا معلما منذ الفاتح من أكتوبر 1965 بعد أن قدمني سيادته إلى تلاميذي الجدد بالسنة الرابعة فرنسية والذين أحتفظ بصورهم إلى اليوم. وكيف لا أتذكر بعد ذلك فرحتي العارمة بنجاحي في الترسيم بالمدرسة الابتدائية (الحياة) نهج باريس بماطر. وكيف أنسى ذكريات ثلاث سنوات وأنا معلم بمدرستي الأم زاوية الجديدي وعميد شباب ضمن الشعب الدستورية وقائد كشافة مساهم في محو الأمية بتقديم دروس ليلية للكبار. كيف لي أن أنسى ثلاثة عقود و أنا مدير بمدارس سيدي عبد الباسط بماطر وبوشراي والعربي زروق ببني خلاد. ولن أنسى سعادتي بارتقائي إلى رتبة معلم تطبيق ثم إلى رتبة معلم تطبيق أول وكيف لي أن أنسى رؤسائي وأجواء الندوات التربوية واللقاءات البيداغوجية والتربصات ومجالس المعلمين والأنشطة الثقافية في مختلف الأعياد الوطنية والدينية وكذلك الاجتماعات الدورية بالأولياء والتفتح على المحيط والمباريات بين المدارس ودور الشباب. وكيف لي أن أنسى الأيام والليالي التي كنت أقضيها في إعداد التنظيمات البيداغوجية ومشاعر الارتياح عندما يوفقني الله في العدل بين الزملاء والزميلات وكيف أنسى حالتي التي تفوق حالة من جاءه المخاض وأنا في انتظار نتيجة كل زميل يقع تفقده أو ترسيمه. وكيف لي أن أنسى تفقدي إداريا وإرشادا بمدرسة بوشراي من قبل كافة متفقدي ولاية نابل بالعربية والفرنسية وعلى رأسهم السيد المدير الجهوي بهدف الاتفاق على إعداد شبكة تقويمية موحدة لمديري المدارس الابتدائية المعفين كليا.