«نلتقي مع بروين» برنامج ثقافي أسبوعي، رفيع المستوى تنتجه قناة دبي، يستضيف أصحاب التجارب والخبرات الإنسانية من ممثلين وأدباء وإعلاميين ليقدموا مشوار حياتهم وحكايات نجاحاتهم وأسرار حضورهم الإبداعي اليوم في المشهد العربي ثقافيا وفنيا. البرنامج الإبداعي الشهير الذي يدوم نحو ساعة ونصف، تقدّمه الدكتورة بروين حبيب وهي شاعرة وباحثة أكاديمية وإعلامية بحرينية ومبدعة. استضافت مساء السبت (02 سبتمبر 2010) الشاعر التونسي محمد الغزي ذي النفس القيرواني اختيارا من بين شعراء الخضراء لغزارة عطائه وتميز أعماله. ومن أعلى هذا الصرح الإعلامي الذي يعنى بالمبدعين، فتح لمشاهديه الغزّي نافذة على ذكرياته بدءا بالطفولة ومتصفحا كتابه الكبير وهو مدينة القيروان محدثا عن مسيرته الإبداعية و»مدرسته» الشعرية. الأثر والمسيرة مقدمة البرنامج بروين حبيب أسهبت في تقديم الشاعر القيرواني محمد الغزي فنسبته الى مدينته، مدينة عقبة بن نافع، اين ولد في 24 فيفري سنة 1949. وكيف صاغته المدينة تلك الحاضرة التليدة، شاعرا صوفيا وناقدا باحثا عن الجمال في الشعر والأدب. ووصفت شعره بانه ينحت نفسه من مرئيات الطفولة وخيالات الماضي العريق. وعددت مؤلفات الشاعر من دواوينه بينها «كتاب الماء كتاب الجمر»، (1982) و»كثير هذا القليل الذي أخذت»، و»سليل الماء» (مختارات شعريّة)، «وكالليل أستضيء بنجومي» و»ثمّة ضوء آخر» (مختارات شعريّة)، بيروت 2007. وقصصه الموجهة للأطفال وهي كثيرة منها «صوتُ القصَبةِ الحزين» و»مَمْلكة الجَمْر» و»كان الربيع فتًى وسيمًا» و»ذهب المملكة» و»الطّفل والطّائر» و»شموع الميلاد» و»حكاية بحر» وغيرها الى جانب أعماله المسرحية وهي «المحطة» و»ابن رشد». وتناولت المقدمة في مقدمة البرنامج كذلك ما قيل عن شاعرنا، بينها ما قاله أحمد عبد المعطي حجازي الذي ذكر ان الغزي «يتكلّم بلهجة طفل... لغته تصطاد من الصور الوحشيّة والخواطر العميقة ما يدهشنا. وعبد العزيز المقالح الذي قال: «كلّ بيت من شعره يحمل شحنة عميقة ومكثّفة من الدلالات الصّوفيّة وينقل القارئ إلى عالم يقترب ليبتعد ويبتعد ليقترب...» ثم يزجل الحوار الشاعري بين الغزي وبحضوره الرصين والخجول المعهودين وصنوه في الشعر «بروين حبيب» مقدمة البرنامج في لقاء جمع بين التاريخ والجغرافيا والأدب والسيرة والنقد. الغزي طرق آفاق اللقاء، بالحديث عن القيروان، الحاضرة الإسلامية العظيمة، محدثا عن عمقها الحضاري والتراثي الأدبي وشعرائها (ابن رشيق والحصري وابن شرف ومن المعاصرين) والزخم الشعري والثقافي الكبيرين ما جعلها تمثل بالنسبة اليه منذ طفولته كتابا مفتوحا تفتحت عليه نفسه العاشقة للكتاب. «لعبة» الكتابة الغزي تحدث عن ذكريات طفولته القيروانيةوالأدبية والأحرف الأولى التي تعلمها. كما تحدث عن تجربته الشعرية وشوقه للكتابة وفضل الوالدين في ذلك بالأغاني والحكايات التي تشده الى عالم الخيال... والإبداع. «هكذا بدأت اللعبة» يقول الغزي محدثا عن لعبة الكتابة وخطورتها. وكيف بدأ بالقصيدة الايقاعية أي العمودية التي يحس بالحنين اليها فيعود الى ممارسة الكتابة وفق قوانينها وموسيقاها الجميلة حسب وصفه مؤكدا ان «الايقاع ليس حلية للقصيدة وانما هو تعبير عن معنى لم تستطع الكلمات التعبير عنها». وتحدث ايضا عن «صوفية شعره» التي صنفه النقاد في خانتها. وأوضح الغزي ان الصوفية في الأدب تعني الرحلة من السماء الى الأرض بخلاف التصوف القديم الذي هو عبارة عن رحلة من الأرض الى السماء، وبين ان صوفية على مستوى المعجم اللغوي وعبارة عن توظيف للمعجم الصوفي والرموز الفردوسية في سياق آخر مختلف عن التصوف وليست تجربة ما ورائية. واستشهد بكتابات «ادونيس» التي اعتبرها تجربة تصوفية لغويا. غياب النقد والقراء وفي حديثه عن الواقع الشعري أكد الغزي ان الشعر العربي عموما والتونسي خصوصا خسر شاعرا متميزا أثرى المكتبة الشعرية بترجمته لسان جون بارس، وهو علي اللواتي الذي أخذته الدراما بعيدا عن الشعر. كما تحدث عن نرجسية الشاعر الكبير محمود درويش. وعن نزار قباني ومعجمه المحدود الذي مكّنه من اكتساح قلوب الناس مخاطبا سمع المتقبل ذي الذاكرة الإيقاعية. كما تحدّث عن غياب النقد الادبي بل ومؤكدا غياب القراءة أصلا فالشعر أصبح حسب الغزي «كالنبات البرّي لا راعي له». أيضا وتحدث عن الحضور القوي لقصيدة التفعيلة التي تشبث بها عدد كبير من الشعراء ك»المزغني» و»أولاد أحمد»، مؤكدا أنّ قصيدة النثر تجربة في بداياتها وإن بدأها قبل ذلك الشاعر خالد النجّار منذ السبعينات ومن ابرز من ذكر كانت آمال موسى التي لها تجربة عميقة في ذلك. الغزي الذي ألف كتابات عديدة للأطفال سواء في مجال القصة او القصائد التي كتبها لأطفاله وللطفل القابع بداخله أيضا. بين انها خالية من الوعظ والدروس وفيها دعوة للحلم والخيال، وكذلك تحدث عن تجربته مع النصّ المسرحي خصوصا تجربتيه مع السيف والوردة حول حياة ابن رشد ومسرحية المحطة. وختم الغزي حواره الشاعري بالحديث عن جوانب من حياته اليومية والعائلية. قبل قراءة قصيدة «الأسماء». البرنامج قد يكون اتى على بعض الجوانب الفنية والشخصية للشاعر التونسي محمد الغزي الذي يمثل حالة شعرية فريدة الى جانب قائمة غير طويلة من الشعراء بينهم أسماء قيروانية متعددة اقربها الى العالمية الشاعر المنصف الوهايبي... لكن من المؤكد أن هناك جوانب اخرى فنية وشخصية قد تحتاج الى منابر إعلامية وأدبية اخرى لتصل الى الجمهور كما تتوفر الساحة الثقافية على أسماء تستأهل الحضور الاعلامي. فهلا تنتبه تلفزاتنا بعمومها وخاصها الى الادب الذي لاشك له جمهوره عسى تكون صمام الابداع في زمن الاشهار والايقاع المنفلت.